الإنسان المعاصر في فلسفة أريك فروم

الإنسان المعاصر في فلسفة أريك فروم

عبد الله الخطيب
أريك فروم (1900-1980) عالم من علماء النفس، ولِدَ في ألمانيا وعاش في الولايات المتحدة الأمريكية ومات في سويسرا.
تخصص (فروم) بدراسة مشاكل إنسان القرن العشرين وكان ميدان دراساته وبحوثه مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى المجتعات الأوروبية-انه من العلماء الذين يؤمنون بأن (هندسة) تكوين المجتمع لها التأثير الأساس في بناء شخصية الإنسان القديم والمعاصر.

وعدَّ (المسيطرون) على المجتمع الأمريكي بعد التخلص من التبعية السياسية للإنكليز، في لائحة إعلان الاستقلال في (4/تموز/1776) الشعب (بالحرية والديمقراطية والتقدم الشامل والسيطرة على الطبيعة واستغلالها لفائدة الإنسان، وبالوفرة المادية والسعادة القصوى، والحرية الشخصية غير المحدودة. كل ذلك كان وهماً، وفَّر المسيطرون جواً (اجتماعياً خانقاً) حدَّه الأول، استقلال الفرد الذاتي وإعتماده على النفس وحرية الإنتقاد، وحدَّه الثاني (الخفي) عزلة الإنسان الأمريكي وخوفه من المستقبل. وقام الصراع النفسي بين الحدَّين، بين (الاستقلال) و(الخوف)، واصبح المجتمع الأمريكي كما (حدَّده أريك فروم) قد تخلص من أعداء الحرية القدماء (التبعية السياسية) للإنكليز، ولكنه حل مكانهم أعداء اكثر بغضا للإنسان ومن طبيعة مختلفة، أعداء لا يقعون خارج وعي الإنسان الأمريكي)، بل هم عوامل (باطنية) غلقت منافذ الحرية الشخصية غلقاً محكماً بجنون وان هذا الصراع هو الأساس الأكبر في شعور (الغربة) والاستلاب والكآبة ومختلف الأمراض النفسية، وبذلك فقد الإنسان الأمريكي الجديد قدرة (التلقائية)-التفكير الأصيل-لأن كل ما يقوله وما يفكر فيه هو ما قاله غيره متجسداً في (الرأي العام) و(الحس المشترك) التي تخطط له (النخبة المختارة) التي تعتمدها الدولة، أي إن (الفرد الأمريكي) فقد حسّه الداخلي للحرية الفردية و(سَحِر) حسب رأي (فروم) بالحرية التي تنمو خارج الذات الانسانية، والتي هدفها تقويض كل الأسس الفكرية التي (طردت) أعداء الحرية التقليديين، وإحلال أسس (الامتثال) لكل شيء و(الخوف) من كل شيء.
إن مشكلة حرية الإنسان الجديد ليست مشكلة (كمية)، بل هي مشكلة (كيفية) أي أنها الحرية التي يتمكن الإنسان في حدودها أن ينمو وعيأ، وان تكون له شخصية ذات حدود تعتمد الثقة بالنفس (أنظر:إلبرت.إ. كان/مصرع الديمقراطية في العالم الجديد).
وأن أكثر العوامل تأثيراً على بناء الشخصية الأمريكية هو النظام الاقتصادي الاحتكاري الهائل الذي جعل الإنسان (سيد الطبيعة) لحدٍ كبيرٍ من جهة ومن الجهة الأخرى جعل الفرد أكثر (وحدة وعزلة) وبَذرت فيه شعوراً (باللاجدوى) والعجز، وقد انعكس ذلك في الأدب الأمريكي منذ منتصف القرن التاسع عشر وعلى إمتداد القرن العشرين، وذلك بسبب الطابع الفردي للنظام الاقتصادي وتأثير تلك النزعة في زيادة عزلة الفرد، وقد أصبح الإنسان فيه (آلة) لخدمة غرض يقع خارج ذاته بخضوع وامتثال، وبـأن يكون جزءاً من (آلة صماء)، وأخيرا أن يكون مستعداً لأن ينقلب (وحشاً) غبياً.
وكأساس لنمط الإنتاج الأمريكي، أصبح (رأسمال) الشخص هو مقياس نفعه وأهميته للمجتمع الأمريكي المعاصر وأما أولئك الذين لا يملكون (مالاً) والذين عليهم أن يكسبوا عيشهم عن طريق (بيع) عملهم فإنهم يخضعون لأقسى القوانين الاقتصادية الإنتاجية إضافة إلى استقلال صاحب العمل في السياسة التي يتبعها مع عماله.
ولأجل خلق (الذات) التي لا تعرف غير الامتثال سيطرت النخبة الصناعية العملاقة على التخطيط السياسي للدولة بشكله (الديمقراطي المزيف) (أنظر/ المصدر نفسه ص/61 وما بعدها وص/81 وما بعدها) و(نقد الفكر البرجوازي المعاصر/د.مومجان:عضو المجمع الفلسفي العالمي ص/59) وعلى التحكم في فلسفة التربية، والتوجهات الصحفية والسيطرة على حركة النشر والتوزيع للكتب والمجلات كافة.
إن ذلك النمط الإنتاجي، جعل الإنسان الأمريكي (آلة) من أجل تحقيق أغراض اقتصادية وتكنولوجية تحمل العداء للإنسان وحب السيطرة على شعوب العالم بالكذب والتزييف والعنف (أنظر.أريك فروم/الخوف من الحرية ص/97.)