احمد سوسة الذي سلط الضوء على فيضانات بغداد في التاريخ

احمد سوسة الذي سلط الضوء على فيضانات بغداد في التاريخ

كوثر جاسم
شهدت بغداد فيما عدا ايامها الذهبية اياما سود ذاقت فيها من المصائب والمحن اشدها هولا وامضاها فتكا من طواعين الى حرائق، ومن حرائق الى زلازل ومن غزوات الى حروب دموية حتى طغى جبروت الفيضان، فاصبح الخطر الاكبر على حياتها بعد ان صار الغرق يغزوها بين الحين والاخر، ومن المؤسف حقا ان تغدو ثروة العراق المائية برافديها العظيمين دجلة والفرات مصدر تخريب وتهديد بعد ان كانت من اهم العوامل في نشوء الحضارة البشرية في مختلف العصور التاريخية فاصبحت نقمة الحياة بعد ان كانت نعمتها..!!

وقد يستغرب المرء حين يطلع على ماعانته مدينة بغداد من طوامي الفيضانات المتتالية كيف قاومت اهوالها واستمرت عاصمة لاعظم امبراطورية اسلامية عرفها التاريخ مدة تربو على خمسمائة سنة..! فقد ترك لنا المؤرخون في كتبهم الكثير من اخبار عن هذه الفيضانات، التي اصابت المدينة في مختلف ادوارها التاريخية، فسببت لها كوارث ومصائب خرجت منها وهي محافظة على كيانها مقاومة ويلاتها واهوالها اكثر من الف عام. وجاء في رواية احدهم ان هارون الرشيد الخليفة العباسي اضطر في احد الفيضانات الخطيرة الى اللجوء الى السفن فانتقل اليها هو وافراد عائلته وحاشيته الى البر، ويذكرنا هذا الحادث التاريخي ماحدث قبل الاف من السنين حين انتقل نوح (ع) هو واهله وماحمله معه الى الفلك لينجو من الطوفان العظيم فظلت سفينته تقاوم الاعاصير والعواصف والتيار والامطار حتى اخذت تهدأ ثورة الطبيعة شيئا فشيئا فغادرها بعد ظهور البر.. ويرتبط موضوع الفيضان ارتباطا وثيقا بتاريخ العراق بما فيه من منشآت الري ومشاريعه كالسدود والخزانات والمصارف والجداول حيث لايمكن البحث في احدهما دون الرجوع الى الاخر، فخطر الفيضان يزداد باهمال هذه المنشآت وتقل بل يزول في حالة تنظيمها وصيانتها ورقابتها والاهتمام بتطبيق مناهج استخدامها.. واذا استعرضنا تاريخ ري العراق والى جانبه تاريخ حوادث الفيضانات التي شهدتها بغداد منذ تأسيسها حتى يومنا هذا نجد ان منطقة بغداد قبل عهد المنصور ثم مدينة بغداد في اوائل عهدها كانت تتمتع بمقدار كبير من الحماية من خط الفيضان وذلك لوجود مشاريع ري ضخمة كالسدود والخزانات والمصارف والمبازل والجداول التي كانت تسحب كميات كبيرة من مياه فيضان الانهر والروافد تقلل من خطر الفيضان على مدينة بغداد، ولكن هذا الدور لم يدم طويلا فدب الضعف في جسم الدولة العباسية واستفحل الاهمال في مراقبة منشآت الري ورقابتها فاخذت المشاريع تنهار الواحد بعد الاخر واندرست المصارف وتراكمت الرواسب في الجداول حتى صار الفيضان مصدر الخطر الاكبر على المدينة فتوالت عليها النكبات بسببه بعد ان اخذت كل مياه الانهر ومنها مياه نهري ديالى والعظيم تنحدر صوب بغداد فتهددها بالغرق..وتناول الفصل الاول في كتاب (فيضانات بغداد) لمؤلفه (الدكتور احمد سوسة) نبذة عن نهري دجلة والفرات، المنبع الاول والاخر للفيضانات وعوامل الطبيعة التي تسبب الفيضان في منطقة وادي الرافدين وهي الامطار والمناخ والحرارة والرياح وما الى ذلك من مواضيع تتصل بها كوصف العراق الطبيعي العام وطبيعة الفيضان في الوادي، وهنا تستوقفنا نقطة مهمة تتصل بتاريخ تكوين السهل الرسوبي في جنوب العراق وهو القسم الذي تقع فيه بغداد وقد كان لايزال معرضا لاخطار فيضانات انهر العراق..
ويتناول الفصل الثاني بالبحث موضوع الطوفان بصورة خاصة في بغداد كان لابد من عرض نبذة عن تاريخ خطط مدينة بغداد منذ تأسيسها سنة 145هـ فافرد المؤلف فصلا خاصا لذلك وهو الفصل الثالث الذي يشتمل على اهم المعلومات العامة عن تطور المدينة ويتناول الفصل الرابع حوادث غرق بغداد كما رواها المؤرخون في مختلف ادوارها العباسية وقد قسمها المؤلف الى ثلاثة ادوار يتميز كل دور منها بميزات خاصة به بالنسبة الى حوادث الفيضانات وعلاقتها بتاريخ ري العراق وتطويره..ثم تناول الفصل الخامس حوادث الفيضانات في عهد المغول والفرس والترك ويلي ذلك الفصل السادس الذي يتناول الفيضانات في عهد الاحتلال البريطاني للعراق وما بعده حتى يومنا هذا وينتهي الكتاب في الفصل السابع الذي تناول بالبحث مشاريع الري الكبرى التي اقيمت مؤخراً لمعالجة اخطار الفيضان والمشاريع الاخرى المقترحة لتحقيق هذا الغرض ويبدأ هذا الفصل بشرح السياسية البريطانية في العراق التي تتجلى فيها الاهداف الاستعمارية بإحلى مظاهرها اذ ترك البريطانيون الذين كانوا يوجهون سياسة الري في العراق اكثر من ثلاثين سنة بين سنة 1917 و 1950 ومدينة بغداد وما يتصل بها من قرى ومزارع تتقاذفها غزوات الفيضانات بين حين واخر مهددة كياننا الاقتصادي بالانهيار في كل سنة دون ان يقوموا بأي مشروع كبير تعالج فيه مشكلة الفيضان معالجة اساسية وكان ذلك تنفيذاً للسياسة التي رسمها المندوب المدني البريطاني سنة 1919 التي تنص على وجوب حصر اعمال الري بتحسين المشاريع الصغيرة القائمة وتجنب انشاء مشاريع ري كبيرة جديدة وقد بقيت هذه السياسة متبعة بالنسبة لمشاريع الري الكبرى اكثر من ثلاثين سنة وبقيت بغداد تعتمد على السداد الترابية في مكافحة الفيضان حتى اسس مجلس الاعمار في العراق سنة 1950 فشرع بإنشاء مشاريع الري الكبرى وفي مقدمتها مشاريع وقائية ضد الفيضان فأنشأ مشروع الثرثار على نهر دجلة ومشروع الحبانية على نهر الفرات ومشروعي خزاني دوكان ودربندخان على نهري الزاب الصغير وديالى.