كلمة في تطورالغناء العراقي

كلمة في تطورالغناء العراقي

حمودي الوردي
لكل امة موسيقاها وغنائها الخاص التي تحرص عليهما كطابع قومي له اثره البعيد المفيد، وقد كانت الموسيقى العراقية ولا تزال من اغنى الموسيقات بالانغام والاوزان، والطفها مدخلا الى النفوس، وتاريخ الغناء العراقي قديم بدأ مع الحياة ولن ينتهي قبل نهايتها، وتاريخ الغناء في العراق عويص مختلط، وظاهره هذه المقامات العريقة في القدم يتغنى الناس بها في كل مكان ومعرض دون ان يزيدوا عليها من باب الاصلاح نغمة

وانهم زادوا عليها ونقصوا منها غلطا، سمعها الولد من ابيه والاب من جده او جاره او سكان بلده فراح ينشدها ويعيدها ويغنيها ويذكر لها اسمها مجردة عن كل ما يوضح سبيلها او يدل عليها فاذا ما عثر المؤرخ "ومؤرخ الاغاني على الاخص" المقام الابراهيمي نسبة الى ابراهيم الموصلي. فهل يمكن ان يكون على يقين من ان ابراهيم قد اخترع هذا المقام وانه لم يتعلمه من غيره ولم ياخذه من احد؟

هذه هي المسالة التي نريد تجنبها وتركها الى الباحثين المدققين، وكان الغناء والموسيقى على عهد الدولة العباسية بالغا اعلى درجاته، وكان الغناء فنا له مكانته بين الفنون.. وعشاقه بين الملوك والناس واساطينه الذين اشتهر امرهم وجرى ذكرهم على الالسن وتنوقلت الحانهم فانشدها الناس جميعا.. وقد كان لتلك الحياة الناعمة والعينة الرخية وذلك السلطان العريض اهم الاثار في تطور الغناء العراقي وبلوغه حد الكمال. وظهور مغنين اخذوا شهرة ومجدا كبيرين امثال ابراهيم بن المهدي. وابراهيم الموصلي. وابنه اسحق. وابنه حماد الملقب بالراوية وغير هؤلاء من المغنين.. ولما زالت الدولة العباسية انحط بزوالها الغناء ولم تبق له مكانته وظل على ما كان عليه دون ان يضاف اليه. ثم بلغنا "واغلب الظن انه بلغنا" مقطع الاوصال. ممثلا به. ولكنه ظل رغم ذلك قويا مؤثراً عذباً له مكانته بين الغناء العالمي.. ومعنى المقام الدور ويسمى "برده" او "شد" ايضا. وهو اشهر اغانينا العراقية.. والمقام صعب لا تسهل على كل واحد ضبطه وغناؤه واشهر المقامات العراقية هي هذه السبعة التي تسمى "السلمية":
1- الراست: والكلمة فارسية معناها المستقيم.
2- البيات: وربما سمي نسبة الى عشيرة البيات المشهورة واراضيها الواقعة قرب جبل حمرين وقد اشتهروا بجمال صوتهم وعذوبة انغامهم ومن هؤلاء نبغ المطربان "شلتاغ واحمد زيدان".
3- السيكاه: والكلمة مركبة من كلمتين فارسيتين "سي" بمعنى ثلاثة، و"كاه" بمعنى مقام، اي المقام الثالث بالنسبة للوتر.
4- الجاركاه.
5- البنجكاه: ويسمى ايضا النوى، ومعنى لفظة نوى بالعربية "الفراق".
6- الشينكاه: او الحسيني، ولا يعرف بالضبط نسبته.
7- الاوج: ويسمى العراقي، وهو اعلى المقامات.
اما المقامات الباقية التي يتفرع اكثرها من هذه المقامات السبعة فهي:"ناري، طاهر، محمودي، حليلاوي، قوريات، عريبون عجم، عريبون عرب، جبوري، منصوري، راشدي، مخالف، ابراهيمي، عمر كله، باجلان، خنبات، دشت، كلكلي، بهرزاوي، شرقي، اصفهان، حكيمي، حديدي، نوريز، خلوتي، اوشار، سعيدي، مكابل، اي دين، بختيار، بشيري، اورقه، قطر، وغيرها..

المطربون القدماء:
وقد نبغ من مطربي العراق في المقام اول ما نبغ "شلتاغ" الذي يعتبر استاذا لجميع من جاء بعده من المطربين، وقد تتلمذ عليه كل من المطربين، صالح ابن ابو دمير وابو حميد، وتلميذه رباز، ثم احمد زيدان الذي عاصر شلتاغ، وكان لا يقل عنه فنا الا قليلا..
ثم ظهر كل من: يوسف حريش، رشيد القندرجي، حاج عباس الشيخلي، ونجم الشيخلي، واخيرا برز الاستاذ القبناجي.
وبظهور القبانجي ظهرت صفحة رائعة جميلة للمقام العراقي.. ظهر القبانجي في زمن عرف الناس الغناء والطرب بمعناهما الصحيح اذ ظهر مع القبانجي الكرامفون والراديو والسينما والموسيقى الغربية والغناء المصري والسوري وغيرهما.
ومع كل هذا استطاع القبانجي ان يثبت وجوده وان يجعل للمقام العراقي كيانه المعترف به.. وهذه حسنات كلها سيسجلها التاريخ لعميد الغناء العراقي الاستاذ القبانجي.
من يخلف القبانجي على عرش الطرب؟؟
هو سؤال يدور على شفاه كل غيور على المقام العراقي: فهناك كثيرا من المطربين الناشئين مثل "ناظم الغزالي وحسن خيوكه وعبد الرحمن خضر" وغيرهم..
ويرشح الكثيرون الغزالي، وقد سئل الاستاذ القبانجي عن هذا فقال: اذا ثابر واجتهد ناظم الغزالي فانه سيصل..
باقي ضروب الغناء العراقي:
1- الموال: ويقال ان اهل واسط "الحي" هم اول من غناه ولا يعرف بالضبط سبب تسميته بهذا الاسم وهو من البسيط، ولكن لا يشترطك الاعراب في، ويقسم الى ثلاثة اقسام: (1) رباعي، (2) اعرج، (3) نعماني.
ويسمى العراقيون الموال بالزهيري، نسبة الى ملا جادر الزهيري وهذا مثال منه:
معادن السود تظهر من معاديني
وحكوك الاصحاب او فيها معاديني
والصاحب اللي قرن دينه معاديني
من غيمة الريب جوي لم يزل صاحبي
واللي شرب كأس خمر موتي صاحبي
اكره صحيب الذي يحجي بكفا صاحبي
واللي يعادي صحيبي هو معاديني
2- العتابة: وهي اكثر شيوعا عند سكان دجلة المسمين بـ "الغربية" ويلاحظ انها من مبتكرات عشيرة الجبور وقاعدتها في النظم ان تتركب من اربعة اشطر، تتحد الثانية مع الثالثة والاولى في الوزن، ويختم الشطر الرابع بباء ساكنة او الف مقصورة او هاء مهملة ومثال لذلك نورد عتابة:
حرام انجان انام الليل ساعة
ولا كلبي سلا المحبوب ساعة
حبيبي لو سكاني السم ساعة
على جبدي الذ من الشراب
3- الابوذية: يغنيها الفراتيون "الشرجية" بالحان مختلفة وهي من احب اغانيهم واشدها في النفس، ويقال ان اصل الكلمة هي" ابوذية" من الاذى، فتحرفت وصارب كما تلفظ الان، وقاعدتها في النظم ان تتكون من اربعة اشطر تتحد ثلاثة منها بالقافية ويختم الشطر الرابع بباء مشدودة وهاء مهملة، والابوذية على انواع اشهرها "اللامي" نسبة الى عشيرة بني لام، و"الصبي" نسبة الى الصابئة الذين يسكنون العمارة والناصرية وسوق الشيوخ. و"العنيي والمشموم" ومثال منها نورد ابوذية:
بعد ما تفيد حسراتي وندماي
وراح الجان الي ونه وندماي
خضاب الناس بالحنة وانادماي
خضاب الصابني من بين ايدية
4- النايل: ويقال ان اول من غنى به امرأة من بني عذره، وهو بحر من بحور الشعر ينظم كل بيت منه مستقلا على طريقة الرجز، ويقال ان اول ما نطقت به تلك العذرية بنغمة النايل هو:
نايل جتلني ونايل غير الواني
ونايل بشوكة سكيم الروح خلاني
وكان "نايل" الوارد في البيت حبيبها الذي علقته فانشدت هذا المعنى فيه واشتهرت هذه النغمة العذبة الشاكية باسمه، وهو انواع منه "الغرباوي" ابتكره رؤساء عشيرة "البو شاهر" من العبيد ويغني بنغم الصبا، والـ"سويحلي" تغنيه عشيرتا العزة والجبور وتغنى ابياته معكوسة. و"عراكي" او "سنية" نسبة الى اراضي السنية احدى مقاطعات مهروت ويغني به جميع سكان ديالى.
وهذا مثال من النايل الغرباوي:
وردن اشبيجه العذبة او راس الكور داسنه
وخافور كلبي ذبل وبنيات حاشنه
وهذا مثال من النايل السويحلي:
حدر بخايف انطيك رأي الله
ومنين خايف وامي وابوي غياب
5- المربع: وهو ما يغنى في الافراح التي تسمى "الصفكة" وهو يتكون من خمسة مقاطع، ونورد هنا مثال منه:
جنة الله بوجنتج يخت البدر
يللي حسنج بالممالك مشتهر
كل شباب الشافها ظل يحتصر
يصفج ايد بايد ينخه معودة
جنة الله ابو جنتج نور الهدى
6- الميمر: غناء مشهور ينظم باربعة اشطر، ثلاثة منها متحدة القافية مختلفة المعنى، والشطر الرابع يختم بحرف الراء الساكن، ونغمته البيات، ولا يعرف لاصل لفظة "الميمر" معنى، مثال ذلك:
عالميمر ياهل الميمر ياهل الميمر
بيض النواهي على الشبيجه حدر
يا بو نهود الطرحنل نومي لك
لمن نريدك بالغمز نومي لك
ليلي ونهاري بالفزز نومي لك
وانت بحضن غيري ليالي تسهر
وقد اشتهر بالابوذية والميمر والعناية كل من حضيري ابو عزيز وسلمان السائق، وزهور حسين، ولميعة توفيق.
اما المربع فقد اشتهر فيه كل من: محمد الحداد، وشكري السراج، وحميد ابو العيون.
7- التوشيح: وهذا من اغاني الفرات ايضا، ويسمى نظم البنات، لرقة معانيه ونغمته الحزينة الشجية، والنساء اكثر نظما له وولوعا به، وتتكون الاغاني العراقية في الغالب منه، مثال منه:
زرعك ما نكلش بيه خالي اطني ملواي
بالك تعود النوب مسموحة لك هاي

تطور الغناء العراقي:

وفي السنوات الاخيرة دخلت على الغناء العراقي اشياء جديدة وهو ما يسميه مطربو الاونة الاخيرة "الغناء الحديث"، وهو غناء يمتزج فيه المصري بالسوري واللبناني، واهم ما دفع هذه العناصر "التي نستطيع ان نسميها غريبة" هو الافلام المصرية، فبدخول هذه الافلام واقبال الناس على مشاهدتها اخذوا عنها الكثير، ومنه الغناء ومن هذا الغناء "الطقطوقة" والموال "المصري" وغيرها.
ومن مطربينا الناشئين: يحيى عبد القادر، محمد كريم عبد الجبار امين، محمد عبد المحسن وغيرهم، وبالاضافة الى ما تقدم كان للاسطوانات دخل كبير في دخول عناصر غنائية غربية على الغناء العراقي، كما ان وجود مطربين ومطربات سوريين ومصريين ولبنانيين في العراق ساعد كثيرا على ذلك، ومن المطربين والمطربات الذين نجحوا في العراق نذكر: روحي الخماش، جمال حجازي، راوية، ليلى حلمي، فتاة دمشق، وغيرهم.

م. النديم 1955