الجهل علَّـة أولى لكل شــر

الجهل علَّـة أولى لكل شــر

علي محمد اليوسف
يبقى د.فؤاد زكريا بمؤلفاته العديدة القيمة وكتاباته الفكرية الموسوعية علما بارزا تقدميا متجاوزا على الدوام بفكره الفلسفي ومنهجه العلمي الحداثوي واقع التفكير المعرفي الثقافي العربي المعاصر وما جبل عليه لسنوات طويلة من الركود والتزمت والسلفية ميزة هذا المفكر المصري المقيم في الكويت منذ عقود طويلة انه فيلسوف العامة من القراء والخاصة منهم أيضا يسعفه بذلك اسلوبه الشيق

ووضوح افكاره وقوة حجته في الاقناع من خلال منهج علمي منزه الغرض غير مجامل، منحاز للحقيقة العلمية والافكار التقدمية المطردة التغيير نحو الامام باستمرار جاهدا في فتح منافذ الاطلاع على المنجز العالمي بكافة جوانبه وتنوع اختصاصاته، يهمه ان يكون العالم العربي جزءا من التاريخ والحضور التقدمي العالمي. يجنح د.فؤاد زكريا للايفاء بالتزاماته المعرفية المجتمعية إلى استخدام المنهج المادي الجدلي في تفسيره للثقافة والمعرفة والتاريخ والفلسفة دونما الانزلاق في تبني كلاسيكيات الفكر الماركسي بشكل يبعده عن افق الليبرالية المنضبطة التي تجعل من خصوصيات ادبنا وفنونا وميراثنا الحضاري العظيم مدامك بناء وجودي حضاري للعالم العربي يقف إلى جانب تأكيد الذات المنفتحة على العالم غير خائفة ولا وجلة من رياح التغيير وتبادل التأثير في الاخذ والعطاء بمنهج واصول حداثوية تؤكد هويتنا المميزة، وحضورنا في قلب العصر.

دفاعاً عن الاستعمار
فقد ورد في السيرة الذاتية الضخمة للفيلسوف الانجليزي برتراندرسل اني قد علمت ان الصينيين يريدون ان يدفنوني بجانب البحيرة ويبنوا لي ضريحا يقام لذكراي واني احس حقا ان من الشياكة ان يكون الملحد الها وفي موضوع اخر يذكر برتراندرسل ايضا وفي كل مكان امتدت اليه الحضارة الغربية كانت مثلها العليا السياسية تأتي في اعقاب توسعها المادي ازاء هذا الكلام الاخير يعقب د.زكريا قائلا يبدو هذا الحكم مستغربا من برتراندرسل لانه يتضمن دفاعا غير مباشر عن الاستعمار الغربي ويتجاهل القهر الذي مارسه الاستعمار على الشعوب التي خضعت له، والذي يتعارض مع تلك المثل العليا الغربية ومن الجائز ان برتراندرسل يقصد امتداد هذه الحضارة في بلادها نفسها. اما خارج هذه البلاد فقد كان الامر على عكس ذلك تماما، ادرك رسل نفسه ذلك في اخر سنوات حياته على حد تعبير د.زكريا. في رأي بيكون، نحن البشر معرضون للوقوع في اربعة انواع من الخطأ العقلي اطلق عليها اسم الاوهام، فهناك اولا اوهام القبيلة أو النوع البشري التي تقع فيها لمجرد كوننا بشرا ومن امثلتها تحكم امانينا في اتجاه تفكيرنا، وبوجه خاص توقعنا ان نجد في الظواهر الطبيعية نظاما يزيد على ما هو موجود فعلا وهذه لاحصر لها ولا عد. اما اوهام السوق فهي الاخطاء الناجمة عن ميل الذهن إلى الانبهار بالالفاظ وهو خطأ يتفشى في الفلسفة بوجه خاص. واخيرا فان اوهام المسرح هي تلك الاخطاء التي تنشأ المذاهب والمدارس الفكرية والمثل المفضل لدى بيكون في هذا الصدد هو المذهب الارسطي.
ويعلق برتراندرسل على عبارة اسيينوزا ان من طبيعة العقل ان يدرس الاشياء من وجهة نظر لازمانية معينة وتلك في الواقع نتيجة تترتب على القول ان العقل يرى الاشياء من حيث هي ضرورية ويضيف ان سبينوزا رأى مثله مثل سقراط وافلاطون ان الجهل هو العلة الاولى لكل شر، بينما المعرفة بمعنى الفهم الافضل للكون هي الشرط الاساسي الذي يوصلنا إلى الحكمة والسلوك القويم. وسبينوزا على خلاف سقراط لم يكن يفكر في الموت اذ يقول ان اقل ما يفكر الانسان الحر فيه هو الموت، وحكمته انما هي تأمل في الحياة لا في الموت.
وفي راي له عن هيجل يقول براتراندرسل استمد هيجل المبدأ الجدلي من التاريخ وقد اتاح له المسار نحو المطلق في التاريخ فرصة تقديم بعض الدعامات القومية التي تتسم بقدر فريد من الفجاجة اذ يبدو في نظره ان التاريخ وصل إلى مرحلته النهائية في الدولة البروسية، كما كانت قائمة في عهد هيجل هذه النتيجة التي ينتهي اليها هيجل في فلسفة التاريخ. ولو تأملنا الامر بمنظورنا الحالي لبدا لنا ان الفيلسوف الجدلي العظيم في استنتاجه هذا كان متسرعا إلى حد ما. ويمجد هيجل الصراع والنزاع متأثرا بمقولة هيرا قليطس الحرب هي ام كل الاشياء ويذهب هيجل إلى حد القول بان الحرب ارفع اخلاقا من السلم. فلو لم يكن للامم اعداء تحارب ضدهم لدب فيها الضعف والانحلال.
واّراء براتراندرسل في التصوف اذ يقول لاوجود للزمن لدى الصوفية , فالزمن ملغي تماما عندهم, فهم لا يهتمون بالماضي ولا بالحاضر ولا بالمستقبل ,لذلك لانجد لهم حضورا في فلسفة التاريخ لا من بعيد ولا من قريب, فرديتهم فوق كل شيء, سلبيون اجتماعيا, لاتستقيم بارائهم التربية , ولايمكن الاعتماد عليها تربويا وتعليميا.
ويضيف رسل ان الطريق التي يتبعها المتصوفة لايمكن لها بناء اية حضارة , فغياب الامل وعدم الاعتراف بالاعمال الدنيوية كل ذاك يتعارض مع امكانية قيام حضارة.
كما يؤكد رسل ان المتصوفة يرون العلم بحد ذاته غير كاف لتفسير جميع الظواهر المتعلقة بالانسان , وهذا مالا يدعيه العلم نفسه , فالعلم لايستطيع ان يطبق وسائله على ما هو روحي صوفي, اذ يؤكد المتصوفة على ان الحقيقة تكمن في داخل انفسنا , وهي متعلقة بالنفس الانسانية , وهذه حقيقة متوقفة على التجربة الفردية وحدها حالها حال الجمال والاحسان والصداقة ومعرفة الله , فمثل هذه التجارب الروحية يقع وراء العلم ادراكها وهي خارج امكانية العلم في تأكيدها , وعلى هذا الاساس فليس للعلم أي شيء يقوله عن مثل هذه التجارب الروحية.
ومن نافل القول ذكر ان براتراندرسل يؤمن بالنظرية العلمية التي تذهب الى انه بعد سنين طويلة تكون الشمس قد استنفذت الهيدروجين المولد الاول للطاقة الحرارية الشمسية مما يعني برودة الارض تدريجيا وانعدام الحياة بكافة اشكالها عليها.
ويؤكد رسل على عدم امكانية التحقق من التجربة الصوفية ومن المشاهدات التي يتفق عليها اغلب المتصوفة فهو يرى انه من غير الممكن التحقق من النتائج التي توصل اليها المتصوفة, فعندما تسأل الصوفي عن كيفية وصوله للحقيقة؟ يرد عليك قائلا بانك لاتستطيع ان تفهم شيئا من دون ان تمارس ما امارسه , فالتصوف له طقوس ورياضيات خاصة ,وهو نظام جسمي يسمى باليوغى ,وهذا مايقوم به البوذيون فانهم يحيون حياة فردية لايمكن عدها الا عزلة وهمية تمارسها ذات واحدة معتقدة بان لاشيء موجود الا وحدة الكون التي هي وحدة الحقيقة.

عن الحوار المتمدن