النزعة الأنسانية عند الفنان  يوسف العاني

النزعة الأنسانية عند الفنان يوسف العاني

عبد الجبار نوري
توطئة // لابد منها - وليعذرني أستاذي العزيز - للضرورة أحكام لألقاء الضوء على شذرات من حيات هذا الطود الشامخ وهو نارٌ على علم محلياً وأقليمياً ودولياً: يوسف العاني 1927 ممثل ومخرج وكاتب وفنان عراقي، ولادة الأنبار، تعايش منذ الطفوله متبغدداً في محلة «سوق حماده « و كانت لتأسيسه (فرقة الفن الحديث) بصماته البارزة في أثبات هوية المسرح العراقي التراجيدي والكوميدي الساخراللآذع للظواهر السياسية والأجتماعية

تألق وسما عاليا بالنخلة والجيران، والخرابه، آني أمك يا شاكر، الخرابه والرهن، نفوس، خيط البريسم، المفتاح، تأريخ حافل بالعطاء، وسجل مُذّهبْ الصفحات بالأنسانية وحب خشبة المسرح وجماهيرها ومحبيها، مارس النقد الفني في عدة صحف منها الأهالي والشعب والأخبار، كتب أكثر من خمسين مسرحية طويلة أو من فصل واحد مثل القمرجيه، مع الحشاشه، طبيب يداوي الناس1948، محامي زهكان، رأس الشليله 1950، مسرحية ست دراهم 1955، وساهم العاني في السينما العراقية. وله عدة مؤلفات في المسرح والفن، وأنّ يوسف العاني يعتبر رمز المسرح العراقي وعمودهً، وسخر من الفساد تمثيلاً وكتابة منذُ الخمسينات في مجموعة من الأعمال المسرحية مثل: ماكو شغل،راس الشليله، وست دراهم، والخرابه، وعبود يغني، مولير العراق كما سماهُ الفنان سامي عبد الحميد أو أبو اليعاقبة، فأجمع كل النقاد تثمين دورهُ في بناء المسرح الجاد المسرح المنحاز للناس تأليفاً وتمثيلاً بكلمات وجملٍ وفقرات نابعة من شغاف القلب، كيف ومنذ طفولته بعمر 14 سنة خرج في أول مظاهرة وطنية من أجل الشعب العراقي، ومنذُ ذلك الوقت أرتبط أسمهُ بالوطن والشعب أرتباطاً وثيقاً يفيضُ عليهما بالمحبة (والأنسنة).
العاني أنسان بمعنى الكلمة وهو يرثي الفنانين الراحلين، ففي 7-4-2015 كتب مرثية الفنان زاهر الفهد، بعنوان زاهر الفهد – أيها الطيب، وفي 17-4-2015 نشر مرثية الفنان فاروق الفياض بعنوان (لم يستأذن منا ----- ورحل) ولم يغب رحيل هذه القامه عن أنسانية يوسف العاني منذ أربعين عاماً --- وفي 2-5-2015 كتب مرثية الفنان « عبد الجبار عباس» بعنوان: عبد الجبار عباس غادرنا بهدوء ---- وكأنهُ الصمت، كم سعة قلبك رحماك يا أبا يعكوب حتى يستوعب الحاضرين والغائبين؟؟؟
العرض/ والذي نحن بصدده فلسفة « النزعة الأنسانية « هي أتجاه فكري تشترك فيه العديد من المذاهب الفلسفية والأدبية والأخلاقية والعلمية وأزدهرت وتطورت في أوربا أطلق عليها في حينها (الأنسنة) وجاءت مطابقة مع فلسفة التيار الماركسي اليساري التقدمي الذي يعتبر (الأنسان أثمن رأسمال) وأشيعت هذه الآيديولوجية في عصر النهضة الأوربية عندما ركزت على الأنسان وتحريره من أغلال العصور الوسطى وسيطرة الكنيسة، فهي تمثل مذهب مادي لا ديني وخاصة عندما كانت الكنيسة تتدخل في السياسة، والمخوّلة بمنح (صكوك الغفران).
فيوسف العاني من الرواد الذين يحملون في أعماقهم (النزعة الأنسانية) وبشكل فيض بحر يوزعه على الجميع بأمتداد عمره المديد وهذه الخصلة الجميلة برزت في كتاباته ونتاجاته الثرة ككاتب مسرحي وروائي وفنان من جيل الرواد والذي رفد المكتبة الفنية والأرشيف الأدبي للعراق بصور أنسانية زاهية متألقة تركت بصماتها في ذاكرة التأريخ المسرحي العراقي، فهو حقاً جبلٌ يمشي على رجلين، بل هو طودٌ شامخ متميّز بأنتمائه للأتجاه « الملتزم « فن خشبة المسرح للشعب لا الفن للفن، فأذا كتب مسرحية جعل محورها الأنسان ومعاناته اليومية، وقد يكون قد جاءت من بيئته محلة سوق حمادة التي عايشها منذ طفولته حيث أخذ الكثير من ركائز وأشكال كتاباته المسرحية من أجواء وملاذات محلتهِ تلك، ففيها الطبقة الدون متوسطة التي تعتبر بنظر الفكر اليساري الماركسي الند والمنافس والمؤثر في الصراع الطبقي ولأنها تمتلك كود شفرة الأحتكار والرأسمالية الجشعة المتسلطة ثُمّ الأنطلاق نحو غدٍ أفضل، فترى في جميع مسرحياته يحاكي جمالية الروح البشرية التي تجيد نسج الصورة المستقبلية في السلام والتغيير نحو حياة أفضل.
فيوسف العاني بعفوية فطرية وبما يحمل من حب وعشق الجماهير وبسطاء الناس وفقرائها وكادحيها وصوته العالي بعناد وأصرار يردد: أسمعوا وعوا أنّ الأنسان يحمل الخير فقط، لذا نجد يوسف يسموا ويعلوا حتى عانق الجوزاء ليبلغ أفروديت آلهة الحب والجمال والخير والنماء ويردد: أنّ الأنسان بخير طالما يتعامل بالحب والأنسانية مع الآخرين، وأنّ الأنسان بخير طالما لديه ((رغبة) للأنعتاق.
عندما نسلط أضاءات على جميع أعماله الفنية والمسرحية نجد الواقعية في ترجمة حياة الشعب، فالنخلة والجيران تحكي يوميات الحزن العراقي في مرحلة تأريخية معينة ---- والنخلة هي المفردة والدلالة العراقية الطاغيه (الفنانه هديل كامل 1971)
وفي مسرحية ست دراهم يجمع بين العرض الواقعي والمنحى الكوميدي هادفاً إلى نصرة المظلومين والبسطاء من أبناء الشعب على خصومهم ومستغليهم بأحاطتها بسيلٍ جارف من خلجات وأرهاصات الرحمة والشفقة والأنسانية المتدفقة من أعماق هذا الفنان الأنسان العظيم أولاً، وفي مسرحية (آني أمك يا شاكر) فهي من النوع المسرح السياسي متأثرا برواية مكسيم غوركي (الأم) فكان عرضاً لمشاكل الشعب وتحسساً بآلامه ومعاناته -----