نصوص ادبية وشعرية لكسر المألوف..استشفاف رؤيا جديدة للمفردة بترميزات جديدة

نصوص ادبية وشعرية لكسر المألوف..استشفاف رؤيا جديدة للمفردة بترميزات جديدة

سناء الطالقاني
عنوان الكتاب أحالني الى اشكالية السؤال ما هي الدلالة التي تكمن في اختيار هذا العنوان / التعاريف.. هل هو ثمرة معطى معرفي وجمالي كثف فيه الشاعر نظرته للحياة كتراكم تجربة أم أنه محاولة ابداعية لكسر المتعارف في الفهم للألفاظ بصيغة الربط بين المفهوم ودلالاته عبر النص وليس عبر التعريف به.

أدعكم مع بعض التعاريف / افتراضات عبر المعبر عنه لا يتطابق مع المفهوم:
الحسب/ مكياج
ينتقل من الأجداد الى الآباء
النسب/ وسيلة الحيامن الوحيدة
الخاتمة/ يدٌ تُشير من بعيد
أو...شيء من هذا القبيل
الفاظ طعّم فيها الخيال المنفلت على جهاته الأربع ليصل الى المعنى الإيحائي ضمن تعاريف جديدة او إيحاءات اخرى تدخل في صورة جديدة كرؤيا عابرة للخطوط الحمر والمسلمات الثابتة بنصوص ادبية اقرب الى توليفة من فكرة وومضة ومقولات شعرية واُخرى فلسفية تنعدم فيها الديباجة البلاغية ويفتقد الى الهارومنية الفائقة في إطار سبك الفكرة اولا في إطار اُسلوب شعري وفلسفي بدون استطراد في بناء الجملة هي أشبه بمدونات مقطرة لغويا بدون زوائد:
تعريف الطفولة / حقبة زمنية تمتد من المهد حتى اخر قبلة.
نلاحظ هنا الطفولة لا تعد مرحلة في حياة الانسان بل العمر كله، صفة روح المتقدة الدائمة الاخضرار والنمو خروجا عن التابو الاجتماعي والثقافي المستكين باللغة كمعادل وحيد يمزج حروفا ويسطر كلمات لا نسيج رابط لها.
اعتمد الشاعر في كتابه التعاريف عبر
المتخالفان / المتقابلان بمعنى ان الألفاظ لها اكثر من معنى، معاني الألفاظ تنتسب الى التماثل والتخالف والتقابل.اللفظ مفردة دالة على نفسها لمعنى محدد فيقبض على عدد محدد من الألفاظ ويحسن تشغيلها في مساحة واسعة جدا بنصوص شعرية لتعلن نسقها في تعريف المفردة، ولادات لمفاهيم تتقاطع مع المسلمات التي حفظتها الذاكرة والوعي الجمعي ضمن قوالب تفسير اللفظة ظاهريا (قاموس الألفاظ) بل هنا سلطة العقل تُمارس فعاليتها على ذات الشاعر لتفكيك المعنى الحرفي الى إيحاءات مضمونها دفق الحياة وتجددها فهي ترصد ملامح المفردة لتناقضها في المخيلة او شحنتها العاكسة في خزان المعرفة لتعيد لها تعريفا يلائم سمة الحسي واللامرئي.
هنا ادعوكم لبعض النصوص التي لا تدرك الا باختراق سقف المعلوم:
الحديقة/ بيت لكل عطر
ضَل دربه عند منتصف الطريق.
الحواس/ صفّارات إنذار مبكرة
عند البعض
وكاتمات أصوات عند البعض الاخر.
الاستطراد/ بطاقة ذهاب وإياب
لمن لا يعرف السفر مع غيره.
العبث/ عصفور خرج من قفصه
ليقيم حفلة صاخبة
لكل من يجيد النقر
على أبواب سجنه.
نجد تصنيفات عدة في مجال السياسة ومشتقاتها او العالم الروحي وبعض مفرداته جاءت بدون تبويب او تحت بند خاص.
وأحيانا استخدام لغة ساخرة تبث فيها فنتازيا الى تخصيب النص بدلالية واقعية كما في هذا التعريف:
الشيوعية/ سريالية العصر الذي لم يبدأ بعد
الدين/ أفيون انتهى به الامر ان يكون مضادا حيويا ضد ميكروبات المحبة.
هنا يتجلى الاشتباك بين الدال والمدلول في حوار الدلالة واشتباكها مع المتلقي لغاية ايقاظ الوعي.
المعجمات الادبية لا تستقر على حال او دلالة قاطعة وكلما تأصلت جذور الكتابة الإبداعية وتلاقحت لرؤيا جمالية كحامل للنظرة المتجددة تنتقل الصور الحسية في الذهن وتختمر بفعل نبضها لتصل لدرجة التخيل كقوة دافعة وراء استبطان الواقع.
وما فعله الشاعر عدنان في كتابه "التعاريف" الذي صدر في هذا العام/ حول المفاهيم التي هي مادة خام صالحة لكل شيء نافخا فيه روح الشعر المستند على سحر الروح لتدفع المفهوم الى مديات ابعد من المرئي والجاهز ليخلق سبيكة محكمة البناء لدلالة الاسم / المفهوم بصيغة جديدة انه يُعرفه ابعد من الوعي السائد بل بوصفه نقيضه او استكمالا له بنفحات جديدة.
وكأنما أراد الشاعر ان يُعرف نفسه من خلال هذا الكتاب بواسطة نظرته في رؤيته للعالم الخارجي وصلته بعالمه الداخلي عبر تفكيك المعلوم من التعاريف المندرجة في إطار المنطق الى عالم كسر أفق هذا المتمترس في الذهن بصيغة نصوص ادبية وبهذا فهو يوجه رسالة لها ميزة / كيف ان الحداثة لا تعني الخروج عن قصيدة التفعيلة بل هي تأسيس لبنية تركيبة نقيضا لإشعار أسلافنا الحداثيين تتجاوز المناجاة والسردية القائمة على الذاكرة فقط او الغنائية التي لا تتيح لشحنة الخيال ان ترسو على ضفافها. تكمن قوة الشعر عند عدنان محسن في تكثيف المعنى، توسيعه، إيضاحه مرة فهو محاصر باللحظة وتكاد الجملة في عالمها تصير نصا مكتمل القصيد:
تعريفه للشغف/ نقطة الروح الحرجة
تعريف النظر/ الناطق الرسمي لكل الحواس
التجريد / زواج متعة بين الشكل وألوانه.
في هذه النصوص هناك منحى فلسفي ما يثير العقل عبر التامل والنص مشحون لا ينغلق كجثة هامدة وصفية بل ان الجملة تكاد تلون المفهوم السائد بسريالية الرمز (لغة الحلم) ان صح التعبير ابعد من الثقافة السائدة فلدى الشاعر معطى معرفي زاخر وهذه واضحة في استخدامات محمولات مفرداته كأن تكون تاريخية او نقدية بانطباعات أسسها عبر خزين ثقافي غني مكنه من قدرته على الانزياح الاستعاري للمفردة في ترميزهاتها بشكل مشفر عبر مسار تأملي.
هذا الأسلوب في غربلة الذهنية السائدة للتمسك في القوالب الجامدة عبر فقط التزويق اللفظي او النصية الجاهزة، هو بيان جديد للتعاريف المهزومة امام التجديد وكأنه أراد ان يقول.. أوسعوا خيالات العقل والروح في مواجهة الكلمات والتعريف الجاهز الميت لانه لا يفي غرض لذة المتعة لدى المتلقي لا حسيا ولا عقليا كغبار لا يترك اثرا.
كتاب "تعاريف" للشاعر عدنان محسن.. انعطاف
في مستوى النص الأدبي، فسلجة النص لكسر أفق التوقع، فإذا كان التعريف كما اعتدنا ان نقرأه في القاموس منطوق لماهية كمسلمة ثابتة لماهية الشيء فكل اسم له دلالة معينة لتميزه بخصائص وأوصاف لا يشاركه فيها فرد من نوعه لكن الترادف عند الشاعر لمعنى المفردة ودلالتها كينونة تخرج عن إطار المألوف والفهم والسائد باتجاه الدلالة النصية نسق ووحي ورمزي موحد احيانا يكشف عن مشاكسة مستوى الاستيعاب للفهم السائد ومغايرة خارج حدود الحسي ليرسم ابعداد إضافية من خلال هيمنة الرؤيا.
استخدم الشاعر اُسلوبا وتكتيكا جديدا من خلال مرادفات ومقاربات للمفردة وهي بالنتيجة توصيفات للمفردة فلا يتطابق المفهوم الا بدلالاتها المستوحاة من استشراف للمفهوم المجازي بعطي طاقة مجددة يتصدى حدود المعلوم فيما يحيط به من أشياء وظواهر ويقودنا الى مختبره التفكيكي للعناصر المتلازمة للمفهوم المتعارف عليه ويعيد صياغته ويشحذه بشحنات الإحساس حتى يبدو ان النص غير مكتمل الملامح فهو مفتوح على تأويلات عدة ويحشد محمولاته السيميائية ليتفادى انغلاق النص.
التعاريف اشتملت على مقاربات لها فعلى سبيل المثال جاءت مرادفاتها انعطافات لمعنى اخر نقيض للمعنى الحرفي او مرادف للوظيفته الجوهرية:
تعريف الإيمان / أقراص منومة
تعريف الأديان / مصانع قديمة
تعريف الزهرة/ حبيبة
حينما يضعها في سباق النص الأدبي تتراءى رسالة الشاعر اللغوية في امتلاكه البعد الفلسفي الجمالي في خلق انزياح استعاري ابعد من الحسي الى المجازي:
تعريف الزهرة/ حبيبة تُمارس الحب معها بعينيك
هنا ترميز أخاذ للمرأة في هيئة زهرة والنشوة الحسية بنظر الى الجمال يشترك فيهما المفهومان المرأة والزهرة وانزياح استعاري متحور لحاسة النظر لكلا المفهومين: الزهرة والمرأة تثير المتعة واللذة. ربما أوجز نصا للشاع الحقيقي دونه في الصفحة الاولى:
الشاعر الحقيقي:
هو من يعيش في كل يوم
أكثر من مرّة واحدة
ويموت في كل لحظة مرتين.
يموت حينما يكتب وبعد ان يكتب انه مخاض الم في ولادة النص ليعاود الموت مرة ثانية في نص جديد، دوررات متعاقبة من الموت اللذيذ.
اختزل فيه قيمة ما نكتب لا من اجل بقائنا بل من اجل الحلم وخيارات تنصت للأعماق وسديم معلوم.