دكتور فاوستوس.. أسطورة حياة متقلبة تحركها أحداث متعاقبة

دكتور فاوستوس.. أسطورة حياة متقلبة تحركها أحداث متعاقبة

أوراق
اشخاص مهمومون وقلقون دائما وبعضهم مستعد للتحالف مع الشيطان من أجل تحقيق أهدافه كما هو حال بطل الرواية (دكتور فاوستوس) للكاتب توماس مان والصادرة عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة محمد جديد عبر احداث من التاريخ الألماني المعاصر حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، مشيراً الى عدم وجود

اختلاف بين فاوستوس وأدولف هتلر، فكلاهما تعاقد مع إبليس وكلاهما يحمل جنونه الداخلي كي يصبه على العالم من حوله، مبيناً انه اختار لها أن تروى عن طريق شخصية صديق لبطلها يروي لنا أحداث حياة صديقه الموسيقي بطل الرواية ليضعنا في مواجهة نوع من الأسطورة الرمزية، ويقترح أن هذا البطل الموسيقي قد يكون أيضاً، كناية عن ألمانيا نفسها، والحقيقة أن الصورة المرسومة هنا لآدريان لوفركون هي حياة متقلبة تحركها الأحداث المتعاقبة، كأننا هنا أمام سيرة شخصية حقيقية، ترويها شخصية أخرى واقعة تحت تأثير من تروي عنها. وفي هذا المعنى يدور النص في مسريين حياتيين. مسرى حياة آدريان من جهة، ومسرى حياة سيرينوس من ناحية ثانية، فيقول: أريد أن أؤكد، بكل اليقين، أنني حين أقدم لهذه الأخبار عن حياة الراحل أدريان ليفركون، أي لهذه السيرة الأولى، والتمهيدية إلى حد بعيد، بلا ريب، لرجل غال عزيز وموسيقي عبقري، ابتلاه القدر بمحن رهيبة، وارتقى به ثم أطاحه، ببعض الكلمات عني أنا، وعن شؤوني، فإن ذلك لا يحدث بحال من الأحوال بسبب رغبة مني في إحلال شخصي في مكان الصدارة، وإنما يحملني على ذلك افتراضي أن قارئ المستقبل إذ لم يلح بعد ذلك أدنى أمل في أن يرى كتابي نور العلانية إلا أن يتمكن بمعجزة ما، من مغادرة معقلنا الأوربي الذي تحدق به الأخطار، وإيصال شيء عن أسرار عزلتنا إلى الناس في الخارج، وأرجو مرة أخرى أن يسمح لي أن أضيف قائلا إنني لا أقدم لهذه الأخبار ببعض الملاحظات اليسيرة حول شخصي، إلا لأنني أدخل في حسباني أن المرء قد يرغب في الإطلاع العابر على سيرة الكاتب، وذلك لا يخلو، بالطبع من توقع أن تثور الشكوك لدى القارئ، من جراء ذلك على وجه الخصوص، فيتساءل أتراه يجد نفسه بين يدي الرجل المناسب لذلك، وأعني بذلك، هل يمكن أن أكون، من حيث مجمل حياتي، الرجل المناسب لمهمة ربما كان قلبي هو الذي يشدني إليها أكثر مما تفعل أية آصرة جوهرية تبرر ذلك.. ولكن من هو آدريان؟ إنه وفق وصف توماس مان إياه بطل من زماننا، شخصية تراجيدية، مأساة متنقلة وقوة الشر في عينها، وقد باتت تحمل آلام العصر وشروره. إضافة إلى هذا لا شك في أن توماس مان حين أبدع آدريان من شخصية الموسيقي شوينبرغ نفسه تقنياً على الأقل. ان المناخ الموسيقي الذي جعله مناخ حياة آدريان لم يكن أكثر من سمة تقنية تغوص بنا في العصر. وكأن مان يتحدث عن ألمانيا وعلاقته بها، بيد أن آدريان ليس وحده بطل الرواية فهناك أيضاً الشر المتمثل بالدكتور فاوستوس نفسه والذي تحمل الرواية اسمه، وهذا الدكتور الذي يرمز إلى الشيطان كما يقال لنا في الرواية نقلاً عن آدريان.. وفي الصفحات الأخيرة يضعنا الكاتب امام ملاحظة صغيرة تنبهنا الى ان الشكل الموسيقي الذي تحدث عنه في الفصل الثاني والعشرين، والمعروف باسم النظام الاثني عشري هو في الحقيقة ملكية ثقافية لمؤلف موسيقي ومنظر آرنولد شوينبرغ. ويقول: كل ما فعلته هنا هو أنني دمجت هذه التقنية في محتوى مثالي إلى حد ما، بالسمة الخيالية لموسيقي هو البطل التراجيدي لروايتي. والحال أن مقاطع هذا الكتاب التي تعالج نظرية الموسيقي تدين في بعض تفاصيلها إلى كتاب هارمونيبهر لشوينبرغ.. لقد ابتكر توماس مان شخصية آدريان لوفركون من أساسها، حتى وإن استعان بسمات أصدقاء يعرفهم، ليطرح جملة مواقف وقضايا تتعلق أساساً بالخير والشر.