في مثل هذه الايام من عام 1935..يوم بغدادي مثير.. نزال الديك مع الهر الالماني

في مثل هذه الايام من عام 1935..يوم بغدادي مثير.. نزال الديك مع الهر الالماني

جميل الطائي
كان المصارع المشهور الحاج عباس الديك من الاشقيائية المعروفين في شبابه، وكان من المحافظين على مزايا "الشقاوة" في المنطقة التي كان يعيش فيها من بغداد "وهي منطقة جامع المصلوب" وفي غيرها من المناطق!

وكانت تربطه علاقة صداقة متينة بالشقي المرحوم "حامد الجادر" وذات مرة جاءه صديق يقول له:
ابو خضير.. تره اليوم الشرطة الانكليز ناصبين كمين الحامد.. ايريدون لو يكتلوه لو يحبسوه.. دير بالك!
وجن جنون الحاج الديك.. ان صديقه في خطر، وهو لا يدري اين هو لكن يلفت نظره الى ذلك. فتش طويلا عن صديقه دون ان يعثر عليه، وحلت الساعة التي جاءت فيها قوات الشرطة و"الشبانة" الانكليز لقتل المرحوم الجادر او القاء القبض عليه.
وعلم ان المنطقة التي عرفوا من جواسيسهم أن "حامد" سيكون فيها هي منطقة "الصدرية"!!
لم يستنجد الحاج عباس الديك بأي من أصدقائه لنجدة صديقه فذلك "عيب" في دنيا "الشقاوة" بل ذهب وحده الى تلك المنطقة لنجدة صديقه او تحذيره قبل إلقاء القبض عليه!!..
وقبل ان يصل رجال الشرطة الى المكان المشار اليه فاجأهم الحاج عباس بإطلاق رصاص مسدسه عليهم وهو يصرخ بهم:
لك اني حامد.. ستريدون؟؟
واستمر رجال الشرطة يطاردون الديك من منطقة الى منطقة وهم يتبادلون معه اطلاق الرصاص حى ابعدهم عن المنطقة التي كانوا يحاولون قتل الجادر فيها.. وهناك شعر حامد بها كان يراد به بفضل صديقه الديك الذي نجا هو الآخر ووصل بيته بسلام دون ان يعرفه رجال الشرطة.
ومثال آخر
ويوم جاء المصارع الالماني الشهير "الهر كريمر" الى العراق وصرع لفيفا من المصارعين العراقيين قرر الحاج عباس الديك ان يتصدى له ويصرعه.
وقبل يوم المصارعة بليلة واحدة اجتمع المرحوم حامد الجادر بصديقه الحاج عباس الديك في بيته.. لم يقبله تشجيعا له.. ولم يمنه بجائزة كبيرة لا.. ابدا.. لقد سحب حامد مسدسيه الضخمين ووضع فوهاتهما في رأس صديقه الحميم الحاج الديك قال له وعيناه تقدحان شرراً..
داد عباس شوف، احنه شرفنة متعلك ابشاربك.. والله اذا صرعك كريمر افرغ ارباطعش رصاصة براسك!
واستطاع البطل الديك ان يصرع كريمر في اليوم التالي.. وكان ان زحف مترات الالوف من رجال منطقة باب الشيخ يقودهم المرحوم الجادر مهللين مستبشرين ليرفعوا البطل الديك على اعناقهم.. عدا عشرات الألوف خرجوا من مناطق أخرى من بغداد.
وكان السيد عباس الديك قد نشر مقالا في احدى صحف بغداد عن بعض ذكرياته الطريفة فقال:
كان في إحدى قرى كركوك قرية تدعى -عسكر - وكان يوجد فيها مدرس يدعى عبد الرحمن المدرس وكان هذا المدرس على جانب عظيم من الذكاء وكان عالماً وله الكلمة العليا على مدارس كركوك كافة وتوابعها وقد أنجب ولداً اسماه - مصطفى- وذلك قبل مئة سنة، وعند بلوغ الولد السن القانونية للجندية دعي اليها فلبى الدعوة وانخرط في السلك الشريف وأصبح جندياً ثم توجه الى بغداد

حينذاك فأظهر خلال مدة تجنيده من البطولة والمقدرة والبسالة ما يعجز اللسان عن وصفه فأخذ رؤساؤه يقدمون التقارير الى المقام العالي في الأستانة يطلبون فيها ترفيعه فأجيب طلبهم بورود الإرادة السنية فأصبح ضابطاً ثم رفع الى درجة ملازم أول وبعدها الى رئيس، وبعد أن أصبح رئيساً تزوج فأنجب أشبالاً أربعة أولهم هادي وعلي رضا وجعفر وتحسين، وكان مولعاً بالرياضة على اختلاف أنواعها، يجمع أولاده الأربعة تحت شجرة ويأمرهم بأن يتسلقوها معا ويطلب منهم الصعود عليها، ومن ثم النزول منها ويقول لهم أريد أشهد أيكم يسبق الآخر وللأول أعطي جائزة ثمينة.
وكان يستعمل هذه الطريقة معهم صباح كل يوم قبل الفطور بعد فراغه من تمارينه الرياضية، ثم يأمر أولاده بالمصارعة الواحد مع الآخر ويضع الجوائز لهم فيما إذا فاز أحدهم على الآخر.
وفي تلك الأثناء وعندما كان رئيساً في الجيش العثماني قدم الى العراق أحد أبطال المصارعة الإيرانيين المدعو البخش الكبير الملقب بالأسد لزيارة العتبات المقدسة، وقد سأل الزائر عما إذا كان يوجد في العراق مصارعون ينازلونه فأجيب بوجود مصارعين في كربلاء والنجف والكاظمية، حيث توجد أماكن المصارعة (الزورخانة) وكذلك في بغداد توجد عدة (زورخانات) فذهب الى كربلاء ونازل أبطالها ونازل أيضاً أبطال النجف وكلهم من الإيرانيين ففاز عليهم، وعند رجوعه الى بغداد ذهب الى محلات المصارعة فيها ودعي الى أحدى المحلات الواقعة في محلة الدهانة، كان أستاذ تلك الزورخانة يدعى السيد رميض وقد وجد في الرئيس مصطفى القابلية الكافية لمنازلة هذا البطل الإيراني ووافق الرئيس على المصارعة وكان ذلك اليوم الثلاثاء فاتفق الطرفان على ان تكون يوم الجمعة الذي يليه، وكانت المصارعة تجرى عادة في يومي الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع فشاع خبر تلك المصارعة في أنحاء البلاد الى بغداد لمشاهدة المباراة، جرت المصارعة بين البطل العراقي مصطفى وبين البطل الإيراني (بخش الكبير) وكانت فريدة من نوعها حيث ان البطل الإيراني كان يستعمل كل ما لديه من الفنون ولم تفده للتغلب على خصمه العنيد الذي كان يتخلص من مسكات قوية بمهارة متناهية وكان المصارع العراقي يحكم على خصمه مسكات مماثلة يتخلص منها الآخر بمهارة أيضاً، وقد طالت المصارعة بينهما لمدة لا تقل عن الساعة الواحدة، وبعدها طلب أستاذ الزورخانة وقف المصارعة فرفض كل من المصارعين هذا الاقتراح غير ان بعض الحضور ممن لهم مكانتهم في الأوساط الرياضية تدخلوا في الأمر وأوقفوا المصارعة وأخذ كل من المصارعين يقبل خصمه ويعترف له بالبطولة، وعلى أثر ذلك اشتهر المصارع العراقي مصطفى فعلم رجال الدولة حينذاك بهذا الفوز وأقبلوا عليه يهنئونه بهذه النتيجة التي تعد فوزاً له وخسارة للمصارع الإيراني لأنه أكبر مصارع في إيران وله منزلة كبيرة في عالم المصارعة.

وكتب رجال الدولة ببغداد الى المراجع العليا في الأستانة بشان هذه المباراة وبعد مدة وردت الى بغداد الإرادة العثمانية بترفيعه الى راتب اعلى وبقي في بغداد مواظباً على التمرين في المصارعة حتى أنه أصبح بطلاً أولاً في بغداد، بل في أنحاء العراق كافة، إضافة الى بطولته في الجندية ومواقفه المشرفة في الاشتراك في الحروب التي وقعت في زمانه والتي أنالته الدرجات العليا في الجيش وأصبح أمير لواء ولكي نعرف من هو مصطفى ابن عبد الرحمن المدرس الذي ولد في قرية عسكر في لواء كركوك، نقول: ان مصطفى بن عبد الرحمن هو والد المرحوم جعفر باشا العسكري وعبد الهادي العسكري وعلي رضا العسكري وتحسين العسكري.

م. وعي العمال 1988