قراءة في كتاب  نظرية العرض المسرحي  لـجوليان هلتون

قراءة في كتاب نظرية العرض المسرحي لـجوليان هلتون

أحمد ضياء
تؤسس مرحلة الميتا نقد باباً اساسياً كونها تدعم بشكل رئيس كل ما ترمي به فضاءات الميتامسرح، وما تأخذه يسهم في بيان هذا المد المفاهيمي ليجعل من القوالب النسقية منفذاً للتعارض معها والتحاور معها وموازاتها على كافة التعاليم التي يبثها. وهذه المرحلة تحتم على الكتاب مراجعة كل المتطلبات الكتابية حتى يتم النأي عن الأعمال غير القابلة للتنفيذ, ويعرفه نبيل سليمان ضمن كتاب خالد علي ياس على أن "النص الأدبي المنقود هو المتن الأول،

وأن نقد النص الأدبي هو المتن الثاني، وأن نقد النقد هو المتن الثالث" فلابد من بيان الآليات التي يسير علها هذا الفن المشكل لجماليات جديدة وفق المتن الثالث التبعيدي للنص:

يشرع جوليان هلتون في نظرية كتابة المعنون بـ(نظرية العرض المسرحي) ليجري الاشتباك معها كعتبة أولى للعرض، ويذهب مؤلف الكتاب إلى استخدام جُل الأمور التي عفا عليها الزمن. وهو بهذا أنما يؤكد على أن التشريعات الأولى هي اللحظة الامبريقية التي بعد انتفاخ اوداجها تمخضت عنها هذه الأفعال وتكونت مع الادوات منها والأدوات الكتابية منها والشفاهية على خشبة المسرح. وعلى هذا الأمر يؤسس لنمط له طابع سيمتري للعديد من الحركات التي تتموضع عبر أقانيم المسرح الثلاثة المتمثلة بكل من (المؤلف-المخرج-المؤدي)، ليبيح لنا رؤى نمطية / نسقية لا تفاعل عبرها. والقارئ ربما للوهلة الأولى عندما يجد هذا العنوان الفضفاض إنما يسرح مخيلته إلى العديد من المكونات التجريبية التي أصبحت الآن من الركائز المدعمة والمناسبة للتجارب الجديدة وتعمل على موازاتها من أجل اشتراحات ريادية أخرى، تعبر عن الأزمة الآنية التي يعاني منها هذا المجتمع بكل أطيافه ومكوناته.
الفصل الأول المعنون بـ"العرض المسرحي يكون أو لا يكون؟"ص11. هو عتبة الكتاب الثانية التي ربما تمسك القارئ الا أنه يسهم في إنتاج مرحلة بدائية غير ممسوكة مقارنة مع العنوان الأصل. إذ تخضع هذه النظرية لبيان بوتقة من الإيضاحات فنجد المؤلف يتعكز بشكل واضح ومثير للجدل عبر النظرية التعليمية، وينحو بهذا الأمر إلى سبل إفهامية لتعليم هذه النظرية بعد أن اسدل الستار عليها وارتكنت على الرفوف واستنزف ما فيها بشكل واضح. لا بد من أخذ هذا الفضاء الورقي إلى سياحة جمالية مفاهيمه الأمر الذي لم يستطع أن يوفره هلتون الا انه في هذه الاوراق زاد من لحظات الاستنزاف الكتابي شيئاً آخر أو عتبة أخرى. وما يبينه ما هي الا أشياء نمطية مستنزفة فهو يذهب للجنوح ببيان مكان العرض والالية التي يجب أن نعرض عليها وطابع النص وما يردف ذلك من أمور لا يجب التحدث بها ونحن نواكب هذه التطورات المرحلية الكبيرة. مركز التجريب المسرحي بدأ معروفاً للجميع الا أن التغيرات المحايثة والنظريات الجديدة والكثير من الفرق المسرحية التي ظهرت في القرن العشرين على الاخص تهدف إلى أحداث نقله نوعية كبيرة في المسرحية وهذه الفرق من شأنها العمل على رؤى تجريبية خالية من أي تيار نمطي مثل الذي كان متبعاً حول النظرية السابقة. بل أن هذه العروض حملت في طياتها نظريات جديدة تعضد الآراء والاطاريح التي تضعها على الخشبة الركحية وهذه هي اللحظة الفاصلة لبيان كيفية التعامل مع النظرية الجديدة والنظرية السالفة.
ولعل مؤلف الكتاب يبدو انه في شك من خلال طرحة الاشكالي حول "هل نحتاج نظرية جديدة"ص29. وكأني به يرغب أن تبقى العروض على نفس النمط الذي انبثقت منه، لكي لا يجد أي صعوبة في تحليل هذه العروض، ولا يخشى هلتون من طرح هكذا سؤال ينزل من قيمة العمل ومن كافة الامور المحايثه. بالتالي فهو لا يبحث عن المتطلبات الاساسية التي ينبغي تفعيلها لإيجاد مسار جديد غير ما هو متبع لكي يساير القوالب الحياتية التي نعيشها اليوم. ينبغي على المؤلف أن يضع سؤالاً يمدُ جذوراً أكثر للواقع من حيث كيف استطاع الأخر تكوين نظرية؟ ما هي الظروف التي ساهمت في نشأتها؟ لماذا نحن إزاء اشكاليات كبيرة أمام هذه المفردة؟ هل يمكن أن نمتلك نظرية؟ لماذا لم تكن لدينا نظرية؟ هذه الاسئلة وغيرها جديرة برجرجة الواقع الذي نعيشه بدل استدعاء ما فاتنا وما أسس لظروف لا تمد لواقعنا بشيء. بالتالي فهلتون يقع في مصيدة النظرية السابقة ويحاول تعضيدها وتقويمها بل انه يرحلها لتفض الأزمة الآنية.
هذه الدراسة التي عني بها هلتون حول آليات اشتغال العرض المسرحي ورغم نضوجها الكتابي الا أنها تميل نحو بواكير النشوء المسرحي المتصل وحتى عند اشتباكها مع تقانة الاداء فهي تمركز ما سلف وتدعو لتمجيده وفق أسس الطرح الجديد. فمثلاً في الفصل الثالث المعنون بـ"فنون الاداء وكيف نتعلمها"ص83. يصر على مسألة انبثاق هذا الطابع الادائي وكيف بدأ يتجه ويأخذ له طابعاً فعلياً يمارس توجهه ضمن صور ديالاكتيكية غايتها الشروع بأولى الأهداف التي تبرز الجانب اللعبي وكيفية التعبير عن هذا الجانب رغم ندرة المكونات المطلوبة فمن خلال التمرس على القوانين الذاتية وبيان رجاحتها فالتمرين على الارتجال يقود الممثل إلى بوادر السليقة التي تعمل على جعل هذه الذاكرة متوفرة ومستعدة للاستدعاء أنى طلبها اللعب.
لم يجد هلتون أي باب للتدشين بل أنه في كاتبه المتناول، حاول أن يكرس كل جهدة ومشغله المعرفي إلى طرح النظرية القديمة بكليتها والدعوة إلى العمل بها وفق برنامج بنائي خاص عقيم ذي مصادر تكاد تنعدم بشأن ما هو جديد ومغاير. وليس من باب الاستنزاف ولا من باب الاستعلاء على هذا الكتاب إلا أن الفحوى العامة والتي تدل عليها كافة عناوين الفصول المطروحة تأخذ منحى واحداً لاغير، هو الاتكاء على جل النظريات السالفة فمثلاً في عنوانه الفرعي "نحو نظرية جديدة لفن العرض المسرحي"ص125. مازال منهمكاً في التفاصيل الديكورية لتكون تفاصيل العرض ولذا فهو يتشبث بكافة القواعد التي فرضتها النظرية الارسطية، تبدأ مرحلة اشتغاله ذات فعل أساسي حيث يبين المكان المسرحي ذا اتجاه واحد وأن لا خروج على سلطة المؤلف وسلطة الفضاء الدرامي، وهذه مرحلة اساسية لكن ليس الان بل انها مرحلة بدائية التفكير بكل ما يحدث على الخشبة الركحية. استنساخ التجربة الارسطية والعمل عليها بشكل اوسع وتسقيط كافة التقانات الحديثة على الرداء النصي السالفة وعلى نصوص سابقة حيث أن العديد من النصوص الحديثة تأخذ مجالا واسعاً واستيعابياً لمثل هذه الاشتغالات الحيوية. فلم يكف عن المناداة بالمهمات المسرحية ووظائف الاضاءة والمكان واليات العمل ومن هذه الامور التي باتت لدى مرتادي المسرح ذات شكل عادي وطبيعي فكيف بالعاملين به. كما يردف بهذا أعمالاً جديدة تحدث عن آليات عمل المكياج والاقنعة والزي والامور ذات الطلاءات التي لا تقدم أو تؤخر المكون اللعبي على المسرح، ولم ينفك عن الكلام حول التاريخ فإذا به يرجعنا الى دراما الأزياء التاريخية وهكذا كانت الملابس الفضفاضة وهكذا كانت أزياء الملك وهذه أزياء الشحاذ فكان الكتاب خصص للمرحلة الأولى من الكلية وأنه غير صالح حتى لتدريسه في المرحلة الثانية لما فيه من بدائية الكتابة والفعل.
في مكان آخر من هذا الماراثون الكتابي يجد الكاتب اشكالية في تقنية الصوت وتعامل الممثل مع هذا المكون والمعيقات التي تتوفر بين الصوت والحركة ففي هذا الفصل من الكتابة نفسه ينجز لحظة أخرى إسهابية للكتابة تأخذ مجال الركون في الرفوف الاعتيادية وأن يطغى عليها غبار الزمن فهو هنا ينفض غبار الزمن ليقول هذه هي النظرية التي أملها البعض غير مدرك ولو للحظة أن كل ما ورد تم اجتراره ضمن نطاق بعيد الزمن. فعنوانه هذه المرة "الحركة والصوت"ص181، وهذه هي لحظة التشكل البدائي لمعرفة العلم المسرحي وهي لحظة ثبات كل القيم وهنا لا يضفي أي منتوج جمالي جديد بل هو يكرر كل الأمور المتراكمة في الكتب وفي الذاكرة الجمعية للقارئ وللإنسان البسيط الغير متخصص بهذا الفعل إلا أن تراتبية هذا الاداء تجعل من الاشتغال الصوتي ذا هدف واضح لإبراز مخارج الحروف وما تميل إليه من سبل مطورة للبنية والحركة الانتقالية ضمن موجات الصوت المقيدة منها والمفتوحة، أي داخل مسرح العلبة أو الفضاء المفتوح.
للجدلية استمرار في سبك محور العرض لأنها تتيح افقاً أساساً لبلورة الميتامسرح في العرض أي أن تهدف إلى أشراك الجمهور ضمن قالب أساسي ولعبي يتمنطق ضمن اسهامات هذه النظرية ومن غير المعقول التفرج على هذه اللحظة الأساس وتركها تمارس تعسفها الانعكاسي وتمايز هذا الفعل عن كل ما سبق لأنه ولأول مرة بدأ يبشر بلحظة جديدة تتبلور ضمن مكون بولفوني غير ذي طابع نسقي بل أنه يشمل كافة الآراء والأفعال وهنا يأخذ "المؤدي والجمهور"ص241. ديناميكية جديدة مغايرة لكافة الأمور المتعلقة كونها تعد من ضمن إطار التفكير العملي لتفسير جل ما يجول في خاطر الجمهور وجعله بشكل اساسي هو الموضوع والعنصر المباشر للعرض وهذا الاختبار يجعلهما امام وسائل مغايرة للانساق وتسهم في تعزيز الكياسة للمؤدي في اللحظات التي يبدأ فيها المتلقي الاشتباك مع العرض والتعبير عن كل ما هو متزامن لبروز منطقة الوعي بكل محمولاتها وصبها في العرض وكي نتلافى كافة الأمور التي تعيق سير العرض.
الصراع مرة أخرى بين العنصرين المتكافئين والدراما التقليدية حقاً أنه كتاب خالٍ من أي معلومة أو مصدر جديد يهدف دائماً إلى سلب المتلقي لكافة ارادته ومعلوماته لا يذهب لجانب فحصي جديد مغاير يعنى بما موجود حالياً هذه المرة يتطرق إلى "نحو نظرية جديدة لفن العرض المسرحي الدرامي"ص277. ورغم هذا العنوان المثير للجدل والنقاش إلا أن الباحث يجد هذا الأمر غير وارد وأنه يؤسس إلى نمط تمت مغادرته في هذا الكتاب نجده وهو ينظر إلى الدراما بحشمة عالية وبتابو مثير للأفهام وهذا الكتاب عبارة عن بالون غير واصل مع كافة النظريات المحدثة والتي تدعو إلى بيان كتل المعرفة التي شرعت تعمل باثرها في العروض الحديثة وكالمعتاد تعود القارئ على التعكز على كافة ما يأتي به الغرب والاحتفاء به، إلا أن الوضع طردي الآن فهذا الكتاب لم يأتِ بشيء جديد وكل ما تناوله عبارة عن اجترارات لكافة المقومات والنظريات السابقة.