رسائل من السلطة.. رواية  كرسي الرئاسة  لكارلوس فوينتس

رسائل من السلطة.. رواية كرسي الرئاسة لكارلوس فوينتس

ترجمة: نجاح الجبيلي
إن الرواية المكتوبة على شكل رسائل صعبة. كل الكتّاب تقريباً الذين حاولوا كتابتها، في الأقل مرة واحدة، وظلت منذ وقت طويل تحدياً ملزماً لأي كاتب.
ومن المتفق عليه أنّ أفضل "رواية على شكل رسائل" لم تأت من أقلام معروفة في الأدب مثل دوستويفسكي ولا من أولئك الذين أعطونا شخصيات لا تزال في الذاكرة مثل "برام ستوكر"،

ويبدو أن "شودورلو دو لاكلو" في روايته " "علاقات خطرة"" التي تعج بالأرستقراطيين المنحطين استفاد بشكل أفضل من هذا الشكل، وبشبكة منشئة بشكل رائع من الدهاء التي قاومت صخب عدد لا متناه من الإعدادات ذات الأقدار المختلفة دون أن تفقد بريقها.
ومع حلول ثورة الاتصالات في القرن العشرين يبدو أن هذا النوع من الروايات يعيش أفضل أيامه. وهناك قلة من الذين جربوه هنا وهناك مثل الكاتب الأمريكي المهاجر وليم ستايرون، لكنهم عادة ما يرجعون إلى الأزمان الماضية.
إن العيون الفنية عادة ما ترى التطورات في التكنولوجيا كونها تغييرات نحو الأسوأ لا الأفضل لكن مع حلول الشبكة العالمية العنكبوتية (الإنترنت) فإن زي رواية الرسائل قد عاد ومعه إذا ما حكمنا على رواية كارلوس فوينتس الأخيرة نستطيع أن نضيف بشكل سعيد إلى ذلك نهضة رواية الرسائل.
وهنا يكمن الاهتمام بروايته الأخيرة "كرسي السلطة" التي يظهر أنها ذروة رواياته السياسية ابتداءً من "موت أرتميو كروث" فإن كاتب "ديانا، الإلهة الوحيدة" قد استفاد من جنس- الرواية المكتوبة على شكل رسائل- كي يسرد حكاية سياسية ذات خيال علمي وتصويراً إشعاعيا للحياة المكسيكية الحالية. وكي يخضع بشكل محكم لقواعد هذا الصنف استفاد فوينتس من فكرة سنظن أنها بعيدة المنال حتى لو أن عند هذه النقطة لم تترك السلطات أية بدائل ملحة قليلة للخيال: ماذا ربما سيحدث إذا ما وقعت كل الاتصالات في يوم ما بيد سرية وقررت حكومة أمريكية حاقدة أن تعاقب تصرفاً سيادياً من قبل الرئيس المكسيكي بترك البلد بلا هواتف ولا إنترنت.
إن الإشارات المرجعية كثيرة إلى أعمال الكاتب السابقة وبالأخص شخصية "أكسكا سينفيوغوس" المتحرر من الوهم لكنها شهادة واضحة الرؤية على البلد المسلوب الذي يشغل نفسه في تبادل دائمي للرسائل بعد انقطاع الاتصالات؛ أو في الشخصيات التي تعكس أسماؤها،إن لم تكن مألوفيتها مع الحقيقة نفسها، مصيرها قبل الوجود؛ رئيس الشرطة المتآمر لهذا يسمى "سيسيرو أرونثا" بينما "أندينو ألماثان" هو البيروقراطي النزيه.
كذلك تمثل الرواية المواجهة ما بين القديم والجديد مع سياسات الديناصور في شكل رئيس سابق يواجه الشباب الحديث والكل يجري سحقه أو يقع في شرك النظام نفسه إذ يتظاهرون بأنهم يحققون أحلامهم السياسية. ومن بين الدماء الجديدة نيكولاس بالديبيا الرجل المتعلم للفرنسية الذي يعزف على الأوتار ما وراء الستار ويظهر ببطء القصة الأخرى التي تقف وراء النزاع القذر على العرش.
إن فراغ السلطة والمشادات المبكرة حول الخلافة الرئاسية يجري التعامل معها وكأنها ليست تجارب حقيقية في المكسيك اليوم لكنها بانوراما كارثية للأحداث. إن الخداع الذي ينتهي بالنتيجة ليس مفاجأة جزئية لأن الخيال العلمي نادراً ما يفيد الأقنعة الخفيفة لجدالاته لكنه عميق جداً في تضميناته الساخرة. وهنا يكمن سر فن فوينتس.
رواية "كرسي الرئاسة" تدور أيضاً عن تربية بالدبيا الشاب الذي تقوده روزاريو غالفان القوية إذ يتردد صدى ستندال بشكل قصدي في غالفان ودليلها الشاب الغامض. إنها قصة تدور فيها المؤامرات الواسعة للسياسة وتمتزج مع الدراما الشخصية التي جرى تمثيلها في الأدب مستعملة أسماء أخرى – هنري شكسبير وحتى هامت في الحصاد الأحمر- والآن تذكرنا شخصيات فوينتس بأن السياسة تستطيع أن تكون التعبير التنفيذي لعدم النضج السياسي.