طرائف نادرة عن: الشيخ محمد عبده

طرائف نادرة عن: الشيخ محمد عبده

مضى على وفاة المصلح العظيم الشيخ محمد عبده اربعون عاما. فقد توفى في يوليه سنة 1905. وبهذه المناسبة تروى للقراء هذه الطرائف من حياته الغامرة بالجهاد والاصلاح والعمل لنهضة مصر ونهضة الشرق.
اول مقال
كان المغفور له الشيخ محمد عبده من رجال القلم البارزين علاوة على امامته في الدين. وانه اثار قيمة نشرت في كثير من الصحف والكتب.

ولكن معا لا يعرفه الكثيرون ان اول مقال نشره في الصحف كان في العدد الخامس من السنة الاولى لجريدة الاهرام في سبتمبر سنة 1876 اي منذ 69 سنة. وكانت تصدر وقتئذ اسبوعية، وكان هو مازال مجاورا في الازهر، وقد كتبها باسلوب مشجع على نحو ما كان شائعاً بين كتاب ذلك العصر، وقد قالت الاهرام في رأس هذا المقال: "وردت البنا من قلم العالم العلامة والاديب الفهامة الشيخ محمد عبده احد المجاروين بالازهر هذه الرسالة: "الى حضرة الهمام الكامل سليم افندي تقلا..
"ان لما نظر لدى كل قاص ودان، واشتهر بين بني الانسان، ان مملكة مصر كانت في سالف الزمان، مملكة من اشهر الممالك، وكعبة يؤمها كل سالك وناسك، اذ كانت قد اختصت بتربية العلوم وبث المعارف المتعلقة بالخصوص والعموم، وانفردت بالبراعة في الصنائع، والابتكار في انواع البدائع.." الى آخر هذا المقال والذي يقرؤه يعجب كيف كان اسلوب الاستاذ الامام على هذا المنوال، ولكنه كان اسلوب ذلك الزمان، وكان اول كتابته الانشائية في الجرائد.
تعدد الزوجات
وقد اثيرت مسألة تعدد الزوجات في الاونة الاخيرة.. ولكن الشيخ محمد عبده كتب فيها بجريدة الوقائع المصرية الرسمية في سنة 1881 اي منذ 64 سنة، فانشأ مقالا بعنوان "حكم الشريعة في تعدد الزوجات". ودلل فيه على وجوب الحد من تعدد الزوجات عند عدم القدرة على العدالة في النفقة والمبيت، وقال في ذلك: "قد اباحت الشريعة المحمدية للرجل الاقتران باربع من النسوة ان علم من نفسه القدرة على العدل بينهن، والا فلا يجوز الاقتران بغير واحدة قال تعالى: "فان خفتم الا تعدلوا فواحدة". ان الرجل اذا لم يستطع اعطاء كل منهن حقها اختل نظام المنزل وساءت معيشة العائلة"!.. فما قول الاستاذ الشيخ ابو العيوم؟!.

صحفي
وقد مارس الاستاذ الامام الصحافة في بدء حياته، فكان محررا للوقائع المصرية، ثم انشأ بعد ذلك جريدة العروة الوثقى مع المغفور له استاذه السيد جمال الدين الافغاني في "باريس" على اثر نفيه من مصر بسبب انضمامه الى رجال الثورة العرابية، وفي تلك الاثناء سافر الى انجلترا بدعوة من صديقه مستر بلنت، وقابل بعض الساسة الانجليز وحادتهم في المسالة المصرية. ومن الذين قابلهم اللورد هرتنكتون وزير الحربية الانجليزية. وقد جرى بينهما حديث في هذه المسالة، فسأله اللورد:
- الا يرضى المصريون ان يكونوا في امن وراحة تحت سلطة الحكومة البريطانية؟ او لا يرون حكومتنا خير لهم من حكومة الاتراك!
فاجاب الشيخ:
- كلا ان المصريين قوم عرب، وهم يحبون وطنهم حبا لا يقل عن حب الانجليز لوطنهم ولا يخطر ببال واحد منهم ان يفضل الخضوع للاجنبي.
فقال اللورد: هل تنكر ان الجهالة عامة في القطر المصري، وان المصريين لا يفرقون بين الحاكم الاجنبي، والحاكم الوطني، وان ما ذكرته من النفور من حكم الاجنبي انما يكون في الامم المتعلمة المهذبة؟
فاخذت الشيخ محمد عبده حدة وقال: ان النفور من حكم الاجنبي ونبذ الطبع لسلطته مما اودع في فطرة البشر، وهو شعور انساني ظهرت قوته في اشد الامم توحشا كالزولوس الذين لم تنسوا ما كابدتموه منهم في الدفاع عن اوطانهم، وان ارض مصر منذ محمد علي باشا قد انتشرت فيها الاداب والعلوم على نحو ما هو موجود في بلاد اوروبا.

المراة الجديدة
وكان الشيخ محمد عبده بعد عودته الى مصر يلقى دروسا في الازهر الشريف، يستمع اليها الكثيرون من العلماء والكبراء، وكان المرحوم قاسم امين قد اصدر كتاب "المرأة الجديدة". وحدث ان كان الاستاذ الامام يلقى درسا من هذه الدروس في الرواق العباسي بالازهر، فصادف ان دخلت طفلة صغيرة الى الرواق العباسي اثناء القاء الامام درسه، فاسرع بعض الحاضرين وطردها، فقال لهم الامام باسما:
- اتركوها، فانها المرأة الجديدة فكانت تورية لطيفة ضحك لها الحاضرون.
الأثنين والدنيا/
حزيران- 1945