تقانات فن الحفر..  أبحاث في الطباعة الحجريّة

تقانات فن الحفر.. أبحاث في الطباعة الحجريّة

محمود شاهين
يبحث كتاب (تقانات فن الحفر/‏ الطباعة الحجريّة الليثوغرافيك Lethographic)، لمؤلفه د. علي سليم الخالد، في إحدى تقانات فن الحفر المطبوع، الذي يُعتبر أحد أركان الفنون التشكيليّة، إضافة للرسم والتصوير والنحت.

هذه التقنية هي الطباعة بوساطة حجر خاص، يتم صقل سطحه، ثم يُرسم فوق هذا السطح الموضوع المراد، وتُثبت الرسوم والأشكال بأدوات ومواد خاصة، ثم يجري استنساخ هذه الرسوم والأشكال بوساطة مكابس أعدت خصيصاً لهذه المهمة، إلى عدد من النسخ، تفقد جودتها وقيمتها الفنيّة والتعبيريّة، كلما ارتفع عددها الذي يمكن أن يصل إلى المائة، ولهذا يقوم الفنان-الحفار، بترقيم هذه النسخ، لتحديد قيمتها.

يحدد الكتاب طبيعة تركيب حجر الطباعة (الليتوغرافي) بأنها شرائح من (الكالساريوس) وهذا الحجر موجود على ضفاف نهري الدانوب قرب مدينة (كالهايم) ونهر الراين، وفي مدينة (زولنهوفن) ومناطق أخرى في أوروبا والعالم. ولكي يكون الحجر صالحاً للطباعة، يجب أن يكون بسماكة وصلابة قادرة على مقاومة قوة الضغط عليه. وحتى يُصبح جاهزاً لهذه المهمة، لا بد من أن يخضع لعمليات تأهيل وتحضير. أما الأدوات والتقانات المستخدمة في الرسم عليه، فهي أقلام خاصة صُنعت لهذه الغاية، مركبة من الدهن والشمع وهباب المدافئ، إضافة إلى الصمغ العربي والأسيد، وحبر طباعة، وورق، ومكبس يدوي خاص، تتم عملية الطباعة بوساطته.

يقوم مبدأ الطباعة (بحسب الكتاب) على إنتاج نسخ متماثلة عن الأصل المحضّر على حجر الطباعة، والذي رُسم في الأصل بشكل معكوس، للحصول عند الطباعة على الشكل الصحيح، سواء باللونين الأسود والأبيض وتدرجاتهما من الرماديات، أو بالألوان، والطباعة الملونة تحتاج لأكثر من حجر، ولنجاح عملية طباعتها، لا بد من امتلاك الفنان-الحفار للخبرة المكتسبة بالبحث والتجريب، إضافة إلى الموهبة التي هي أساس الفن ورافعته، وهذا ما يؤكده قول الفنان العالمي بابلو بيكاسو لصديقه فرانسو خيلوت: كلما حاولت أن أسبق (ميرو) في إنتاج عمل فني ملون، راح ذلك الكتالاني الطيب يغلبني بألوانه الجذابة.

يُشير الكتاب إلى أن الفضل الأول في اختراع الطباعة الحجريّة يعود إلى ألويس سينفلدر. غير أن مصادر أخرى تبين أن بعض الباحثين العاملين في أمور الطباعة في منطقة (بافاريا) سبقوا سينفلدر بعشرات السنين، حيث طبعوا بعضاً من صور وخرائط قديمة، وبعض الرسومات ذات الصلة بالتشريح، بوساطة الحجر، مستخدمين حمض النترك، وذلك العام 1787. مع ذلك يُسجل الفضل الأول في وجود هذه التقنية الطباعيّة إلى سينفلدر الذي تعاقبت تجاربه إلى أن توصّل إلى استخدامات علميّة حديثة وعمليّة، وهو سيد الطريقة المستوية من الطباعة الحجريّة، ذلك لأن الذين جاءوا قبله كانوا يطبعون الحجر إما غائراً أو نافراً، وأوصلته تجاربه الحثيثة إلى الطباعة المستوية التي استمرت حتى اليوم، ومن أشهر الفنانين الألمان الذين استخدموا الطباعة الحجريّة ألبريشت دورر. وفي انجلترا برز الفنان ويستلر وجوزيف بيتل الذي تأسست باسمه معامل ورق (Pennel) الخاص بهذا النوع من الطباعة.
ولأن غالبية الدول لا تتمكن من الحصول على حجر الطباعة الطبيعي، بعد نفاد مصادره الأرضيّة، نشأت الطباعة الحجريّة المعدنيّة، باستخدام صفائح رقيقة من المعدن المحضّر خصيصاً لهذه الغاية، وهي عبارة عن صفائح مغطاة بمادة رقيقة من السيراميك، تجعلها توازي سطح الحجر الليتوغرافي في نتائجها.

يعدد مؤلف الكتاب أسماء فنانين مهمين جذبهم هذا الفن، ومن بينهم: النحات الانجليزي الشهير هنري مور.. أندريه ماني، هنري تولوز لوترك، بونارد، ريدون، راؤول دوفيه، النحات مايول، كريشنر، أوسكار كوكوشا، كاندينسكي، براك، شاغال، ميرو، دالي.. وغيرهم.
عن البيان الاماراتية