عمر الشريف.. بطل أيامنا الحلوة

عمر الشريف.. بطل أيامنا الحلوة

أنور محمد
تبدأ الناقدة المصرية ناهد صلاح، كتابها «عمر الشريف.. بطل أيامنا الحلوة»، في تتبع مسيرة حياة الفنان ميشيل ديمتري شلهوب 1932 – 2015. أو «عمر الشريف،» الذي شغف بالتمثيل فبدأه مع مسرحيات شكسبير في المدرسة، ثمَّ زمالته سنوات الدراسة مع يوسف شاهين في مدرسة فيكتوريا كوليدج بالإسكندرية.

إلى أن وقف بطلاً للمرة الأولى أمام فاتن حمامة في فيلم «صراع في الوادي»، فزواجه منها. وتقتبس المؤلفة من تصريحات الشريف:
«الذي لم يكن زواج حب، بمعنى أنَّه لم يكن حباً عاطفياً، لقد كان زواجاً أساسه الانسجام، والمحبة والصداقة، وأي زواج يقوم على مثل هذه المشاعر يمكن أن ينجح، ولقد نجح بالفعل لأنَّنا بقينا زوجين لمدة عشر سنوات، وخلال هذه السنوات العشر لم أخدعها أبداً. وتتحدث المؤلفة عن إشهاره إسلامه. ومن ثمَّ صعوده في السينما المصرية قبل أن ينحو إلى العالمية بعد أفلام صغيرة مثَّلها في أوروبا، حتى اختاره المخرج البريطاني ديفيد لين لدور رئيسي في فيلم «لورانس العرب» الذي كان مفتاحه نحو العالمية.
تقول الناقدة السينمائية المصرية ناهد صلاح: في هوليوود بدا عمر الشريف كأنَّه شخصية شكسبيرية حدثت لها تحولات عنيفة قلبت حياتها رأساً علي عقب، من نجومية متمهِّلة في السينما المصرية وأسرة مستقرَّة وأصدقاء أوفياء إلى نجومية مندفعة في السينما الأجنبية ووحدة رهيبة وشتات أسري.
وتضيف: والده ووالدته في إسبانيا، وزوجته طُلِّقت منه، وأصدقاء جدد هم في الغالب أصدقاء عمل يفتقدون هذا الدفء الذي كان يجده عند أصدقائه المصريين، فصار عمر في ظل هذه التقلبات التي تأخذه من حال لحال مثل بطلٍ تراجيدي تتحكَّم فيه الأقدار.
فبعد «لورانس العرب»، ظهر بطلاً في أفلام عديدة، فجسَّد دور جنكيز خان أمام الممثلة الفرنسية فرانسواز دورلياك، ولعب دور الكاهن في فيلم «انظر الحصان الشاحب» للمخرج الأميركي فريد زينمان مع أنتوني كوين وجريجوري بيك.
حيث صار نجمُه يلمع أكثر في السينما العالمية، وبدأت وسائل الإعلام تتكلَّم عنه، خصوصاً بعد قيامه ببطولة فيلم (دكتور زيفاغو) أمام جولي كريستي وجيرالدين شابلن، والذي أدَّى فيه دور الدكتور زيفاغو الطبيب والشاعر السوفييتي البرجوازي المنشق والمناهض للثورة البلشفية.
بعد ذلك انهالت العروض السينمائية على عمر الشريف وقام ببطولة العديد من الأفلام الفرنسية أمام كاترين دينوف وجان بول بولموندو، وغيرهم. كما وقف أمام الإيطالية صوفيا لورين في فيلم «سقوط الإمبراطورية الرومانية»، وأمام إنجريد بيرغمان في فيلم «الرولزرويس الصفراء»، ومرة أخرى مع بيتر أوتول في فيلم «ليلة الجنرالات»، وأمام كاترين دينوف في فيلم «مايرلينج».
كما قام بدور «تشي غيفارا» في الفيلم الذي حمل اسمه، للمخرج ريشار فليشر، لكن هذا الفيلم واجه عاصفة نقدية، حيث لم يغفر له أنَّه قدَّم على مدار ساعة ونصف موضوعاً مكرَّساً لتشويه صورة الثائر الأرجنتيني أرنستو تشي غيفارا وتوصيفه بأنَّه شخص فاشل، مريض بالربو ومثير للسخرية أحياناً.
وكما عشقَ البريدج، برعَ في لعبة أخرى وهي لعبة الحب والهوى، فكان ساحر النساء. واعتبرَ من أكثر الرجال وسامةً في العالم، ثمَّ تقاطعت خطوط حياته مع البريدج والحب، فبدا وكأنَّ كل انتصار يحققه في اللعب يساويه انتصار آخر في الحب، بل إن مشاهديه ومتابعيه في مباريات البريدج كانوا في الغالبية من النساء.
وقد وقعت كل بطلات أفلامه في غرامه بدءاً من فاتن حمامة وانتهاءً بأنجريد برغمان وباربرا سترايسند، وكانت لكل منهن حكاية يعيشها بصدق وقوَّة ثم ينساها.
في العام 1968، عمل مع بابرا سترايسند في الفيلم الموسيقي «فتاة مرحة».. ولكن عمر الشريف سينتهي ولعه بالعلاقات النسائية بالسهولة نفسها التي تخلى فيها عن عادة تدخين 100 سيجارة في اليوم، عقب أزمة قلبية عام 1994، حين انهار في فراشه بفندق جورج الخامس في باريس.
وعاش بعدها أكثر من عشرين عاماً بدون امرأة. يقول: لقد تعودت على الحياة بمفردي، أتناول طعامي بمفردي، أنام بمفردي، أشاهد التليفزيون بمفردي، أتكلم مع ابني ساعات وألعب مع أحفادي لأعيش لحظات سعادة خيالية، لقد تعودت على حياة العزوبية.
ومن الأحداث التي تركت أثراً أليماً في نفسه، كما يروي عمر الشريف، هو ما حدث في 5 يونيو 1967: فقد كان كارثة بكل المقاييس، وضاعف من ثقلها النفسي عليْ أنني كنتُ أصوِّر فيلماً في هوليوود، وسط اليهود، متأثراً جداً وحزيناً لشيئين، الأوَّل أنني تأثَّرت لحال الجيش المصري جداً وما حدث لجنوده البسطاء الذين رأيتهم أمامي على شاشة التليفزيون في مشهد حزين ومفجع، والأمر الثاني سخرية اليهود مني ومن الجيش المصري، كانوا يذبحونني وهم يتسامرون أمامي، ويقولون إنَّ جيش بلدي ترك الحرب وانهزم، كانت فترة عصيبة عشتها على أعصابي في مذلة وإحساس بالمهانة.
في هذا الوقت كان عمر الشريف في هوليوود يواصل صعوده الفني وكان مشغـــــولاً بتصوير فيلمه الجديد «فتاة مرحة»، الذي شاركته بطولته الفنانة اليهودية بربارا سترايسند، وكانت أحداثه تدور في حي يهودي ببروكلين حول علاقة شاب يهودي بفتاة يهودية، فتلقَّى عمر هجوماً عنيفاً عندما نُشرت في إحدى الصحف الأميركية صورة لمشهد غرامي من الفيلم يجمع الاثنين (عمر وبربارا)..
ما لبثت الصورة أن وصلت إلى القاهرة، ومن ثم نشرت مرفقة بتعليقات ومقالات متتالية تطالب بإسقاط جنسية عمر واتهامه بأنَّه خائن.. أثناء تعرّض الأمة العربية لهذه النكسة التي شرخت قلبها، ولم ينتبه أحد بأن الفيلم كان قد تمَّ تجهيزه قبل النكسة، وأنَّ عمر أساساً يعمل في هوليوود التي يتحكَّم فيها اليهود وليس هو، فيواجه بمقاطعة عربية اتهمته بالخيانة، تألَّم عمر من المقاطعة العربية له:
لم أذهب إلى إسرائيل، رفضتُ الذهاب، فبماذا يتهمونني؟ لأنني صوَّرت فيلماً لم أذهب من أجله إلى إسرائيل؟ لقد شرحتُ كل هذا لجامعة الدول العربية، وعلى هذا الأساس رفع الحظر، فماذا يريدون مني؟.
من جانب آخر تورد المؤلِّفة ناهد صلاح، موقف الشريف من ثورة يوليو 1952: أنا لم أكره عبد الناصر ولا ثورة يوليو أبداً، وكنت معها منذ البداية وشجَّعتها ودافعت عنها كثيراً في مواجهة والدي البرجوازي الذي خاف من الثورة، والذي تعرَّضت أمواله وأملاكه للتأميم، ولو لمْ أكن اتجهت للتمثيل.
وأذعنت لوالدي الذي أرادني أن أعمل معه في تجارة الأخشاب، لكنَّا أفلسنا نحن الاثنين. لكنَّه أعلن عن حبِّه للرئيس أنور السادات، حيث دخل عمر الشريف تاريخ صنع السلام العربي/‏ الإسرائيلي بصمت وبدون علم أحد، حسب وصفه.
حيث حكى أنَّ السادات طلبَ منه أن يجسَّ نبض الجانب الإسرائيلي تمهيداً لزيارته الشهيرة إلى القدس عام 1977، إذ كلَّف السادات عمر بمهمة «جس نبض» رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين في السبعينات من القرن الـ20، والاتصال بالقيادة الإسرائيلية لمعرفة مدى استعدادها لاستقباله في زيارة للقدس، وهي الزيارة التي مهدت لاحقاً لاتفاق السلام في كامب ديفيد.
أما ردَّه على المؤلِّفة حول حياته التي يعيشها فقال: لا أفكِّر في الغد، ولا أنظر إلى اليوم الذي مضى، ولا أعمل حساباً للغد، ولا أنظر إلى الخلف، أعيش يومي فقط من دون خطَّة ومن دون تفكير في شيء آخر.
عن البيان الاماراتية