الرواية التي سماها النقاد   رواية الروائيين  لـ وليم فوكنر

الرواية التي سماها النقاد رواية الروائيين لـ وليم فوكنر

زينب المشاط
" غداً وغداً وغداً، وكل غد يزحف بهذه الخطى الحقيرة يوما إثر يوم حتى المقطع الأخير من الزمن المكتوب، وإذا كانت كل أماسينا قد أنارت للحمقى المساكين الطريق إلى الموت والتراب. ألا انطفئي، يا شمعة وجيزة! يتبختر ويستشيط ساعتهاعلى المسرح، ثم لا يسمعه أحد: انها حكاية يحكيها معتوه، ملؤها الصخب والعنف، ولا تعني أي شيء."

عند تصفحي لرواية "الصخب والعنف"، ومحاولتي الكتابة عنها، استدركت للحظات، لأن الكاتب جبرا براهيم جبرا هو من ترجم هذه الرواية للكاتب الامريكي وليم فوكنر، والتي حصدت نوبل عام 1949، وصدرت هذه الرواية عن مؤسسة "المدى" للاعلام والثقافة والفنون بطبعتها المترجمة من قبل جبرا.ولأن جبرا قدم العديد من الكتب التي لها اثر كبير في الوسط الثقافي العراقي، وتركت صداها في الوسط الادبي والفكري العراقي سواء اكانت مؤلفات شخصية او ترجماته.
يعتقد جبرا ان على القارئ ان يطلع مقدماً على موجز الاسطورة التي تجعل من روايات فوكنر اجزاء متواشجة.
ان الصخب والعنف هي أول رواية نشرها فوكنر عن قصة الجنوب هذه وكان قد كتب قبلها رواية " سارتوريس" ولكنه نشرها فيما بعد. وقبل هذين الكتابين أمل المؤلف أن يحظى بالشهرة في روايتين اخريين، ولكن دون جدوى، لأنهما كانتا عاديتين، أما أول ما نشر من كتبه فهو ديوان من الشعر عنوانه " الظبي المرمري "، وهو شديد التأثر بالشعر الرومانسي، لم يلتفت اليه آنئذ أحد، وهذا يدل على أن فوكنر "ككثير من الروائيين ومن جملتهم بلزاك " بدأ حياته الأدبية شاعراً. ولما تحول إلى النثر بقيت الروح الشاعرية في كل ما يكتب. فنثره مشحون بالصور الشعرية والألفاظ غير المتوقعة، مذكراً القارئ احياناً بثروة شكسبير اللفظية.
"الصخب والعنف" هو كتاب فوكنر الخامس وقد شغل به زهاء ثلاث سنوات وكان عمره عند نشره اثنتين وثلاثين سنة، وفي الحال التفت النقاد إليه ورأوا في كتابه رواية رائعة البناء، والاسلوب، سماها البعض "رواية الروائيين" غير أن القارئ يحتاج في تذوقها وتخطي صعوباتها إلى حساسية فنية مرهفة، وأناة شديدة, فكان الكتاب نصراً ادبياً لصاحبه وإن لم يكن نصراً مادياً.
والآن، وقد كتب فوكنر نحو الثلاثين كتاباً، واتضحت خطته فيها، نجد أن " الصخب والعنف" ما زالت أحسن ما كتب، وقد يضع البعض رواية "نور في آب" في المرتبة العليا ليسر تناولها ووضوحها، غير أن التركيب الفني في الصخب والعنف ما يزال في جماله وبراعته معجزة من معجزات الخيال.
ان هذا الكتاب،من نواح كثيرة، تبدو فيه الاتجاهات الاسلوبية والشكلية التي شاعب بين عامي 1920 و930 وهي الفترات الاهم واخصبها في تاريخ الرواية لا لظهور عدد من الروائيين الكبار فيها فحسب، بل لكثرة التجارب ونجاح الكثير منها في فن القصة، فهي الفترة التي لمع فيها شعراء كبار مثل آليوت وإزار باوند وغيرهم.
في بداية هذا الكتاب نجد أن معظم الحوادث قد حدثت ولن يعود إليها المؤلف إلا متسذكراً هنا هناك، كأن القارئ يعرفها، وما على المؤلف إلا أن يرى اثرها ووقوعها في نفس أحد الأبطال، والصعوبة في قراءة الكتاب تبدو في عدم معرفة القارئ للحوادث التي يشير إليها المؤلف كأنها معلومة لدى القارئ وهو في الواقع لن يستوفي معرفتها إلا حين ينهي الكاتب. وعليه حينئذ أن يعيد قراءة الرواية من جديد ليستمتع بها المتعة الكاملة. ولعل هذا هو السبب في أن فوكنر بعد نشره الرواية بستة عشر عاماً كتب لها ملحقاً يوضع في الطبعات الحديثة كمقدمة يشرح فيه الحوادث المهمة في الكتاب بإيجاز.