رسالة النور.. قراءة في كتاب  رسالة النور  رواية عن  زمان ابن المقفع  للمؤلف  محمد طرزي

رسالة النور.. قراءة في كتاب رسالة النور رواية عن زمان ابن المقفع للمؤلف محمد طرزي

ضحى عبدالرؤوف المل
يبدأ كتاب "رسالة النور" وهو رواية عن "زمان ابن المقفع " بثلاثية في رواية زمنية قسمها المؤلف الى كتب ثلاثة متماسكة السبك وان كانت مقسمة الى ثلاثة اقسام: كتاب دمشق، كتاب الكوفة، وكتاب المدينة التي تحرسها الانهار محاولا الاضاءة على شخصية فارسية سعت لان تكون جسراً ثقافيا بين حضارتين: العربية والفارسية من جهة اخرى،

حيث تسمو الافكار مع التسلسل البناء، المساعد في تبلور الافكار ذات الاهمية الزمنية التي تكشف عن نشأة الثورات وشن الحروب والمواجهات القديمة مع المثقفين عبر اسقاطات اجراها "محمد طرزي" على زمان ابن المقفع المثقل بالعديد من الاحداث التي ساعدت الرواية على جذب القارئ الى لب الصراع والخروج منه بفكرة الحرب التي تشن على المثقف واعماله حتى عبر الزمن. لمحو الاثارالفكرية التي انبثقت من عدة تاثيرات، واهمها نشأة المفكر في زمن معين،بتتابع وكأن الشعلة يتم تسليمها من يد الى يد،وان عبر التاريخ المتخيل منه وعبر حقائقه ايضا، فهل زمان ابن المقفع يعيد نفسه في زمن العولمة والادب المعاصر؟
لم تفتقر رواية "رسالة النور"وللروائي "محمد طرزي" الى الدعائم الاساسية التي تبنى عليها الرواية، ولكنه استخرج النقاط الاساسية من الزمن الماضي، ومنحها للرواية لتحاكي الحاضر وتعصف بالاحداث كافة، ليحث القارئ على البحث، بل! واثارة فضوله في معرفة المزيد عن حياة رجل عاصر الامويين والعباسيين، وهو فارسي اعلن اسلامه ومات قتلا بل! وباسلوب لم يخل من وحشية اضاء من خلالها على مجريات الواقع الحالي مستنداً الى مراجع تاريخية كـ"مروج الذهب"، "تاريخ الرسل والملوك"، "الأغاني" وغيرها. الا انه قدم نصاً روائياً محبوكاً بنسيج سلس يلامس الوجدان واحكم بنيانه ايحائيا، ليحاكي القارئ وفق تخيلات ترمي الى تذوق التاريخ عبر رواية جمعت خيوط الاحداث المهمة في زمان ابن المقفع الذي ناله ما ناله من وحشية في نهاية وصل اليها وهو مقطع الاطراف امام تنور وباسلوب وحشي لا يستحقه صاحب كتاب كليلة ودمنة.
اسقاطات زمنية تلاعب بها بين ما هو ظلامي وما هو نور او استبصار، لتجليات قسمها تبعا لعصرين مر بهما "ابن المقفع" وتذبذب بمواقفه فيهما، بين زمنين، زمن رستم الذي حاول محو واتلاف اعمال وكتب وابن المقفع، والارهابي الذي حاول تفجير المكتبة عام 2015م. منتقداً التطرف والجهل والقتل الذي تتم ممارسته منذ عصور مضت حتى الان. يرويها المريد المتخفي بثوب روائي يحكي للتاريخ المعاصر، تاريخ ابن المقفع وفي الحقيقة هو التاريخ المتباين او الايحائي بتفاصيل ربما! هي نوع من الرؤية التعليمية التي تصب فكريا في رواية جمعت الادب والخيال في تاريخ يعشق الظهور ليحاكم الزمن الذي عاشه المفكر "ابن المقفع " وعبدالحميد الكاتب، فهل قدم الروائي "محمد طرزي" نوعا من المقاربات التي يمكن ان تكون كبحث هو في الحقيقة رواية تاريخية.
وعي حاضر في رواية تاريخية منسوجة عن مراجع تدفق فيها الوجدان ليبث شوق الاهتمام بالتاريخ في نفس القارئ الذي تعاطف مع جارية وقصة عشق استمرت مع امرأة اخلصت لمن لم تعرف فك حروفه ومعانيها. انما هي مؤمنة بالرجل الذي احبته فاحبها، فهل تتوارى الحقائق عبر التاريخ ام تصبح اكثر ظهوراً واقوى قراءة، لكن يبقى السؤال! الا يمكن تحريف التاريخ احيانا او نقله تبعا لنوعية الحكم ورجالاته؟ ام انه مصحح من الاخطاء في حاضر يعيد الرواية بالافعال والاحداث، وبتحديث معاصر قد تختلف فيه الاساليب، لكن لمضمون واحد هو الصراع الانساني وفوز الجهل المتفشي بين الناس في عقول الاكثرية، ليتم التراشق او رمي المثقف بتهم مركبة بكيد يصل باصحاب الفكر الى الموت المحتم، لكنه غالبا الموت الجسدي لتبقى افكارهم في الكتب ضمن مكتبات تحتاج للنور وبقوة لتمنح الانسانية ولادة جديدة لتاريخهم الحي عبر الكتب والتاريخ.
لم ينتحل الروائي" محمد طرزي" صفة ذاتية في سبك الاحداث الروائية لزمن "ابن المقفع "بل اندفع بعقلانية خلف التخيلات التاريخية المبنية على حقائق احداث وردت في الكثير من الكتب التي عالجت حياة ابن المقفع. الا انه اظهر النقاط التي تحاكي الحاضر بهدوء واناة، لتدخل الذهن وتثير التساؤلات التي ارادها ان تكون الاساس في عقل القارئ، بمنطلق فكري وادبي وبانعكاس ترك اثره الفني على رسالة النور التي اهتم هو شخصيا بكتاباتها، لتصوير الحاضر والثورات التي تحدث، وبتزايد بات المثقف فيه هو المحاصر، مكتفيا بكتاب يتركه للتاريخ. اما ان يبصر النور او يبقى كرسالة بيضاء تحتاج لمن يكتبها. فالرواية رغم بساطتها وتكوينها السهل الممتنع. الا انها تحمل في طياتها الاخاء والابتعاد عن التطرف والعيش بفكر من نور.