الدوائر التسع في رواية  ايزابيل  للروائي  انطونيو تابوكي

الدوائر التسع في رواية ايزابيل للروائي انطونيو تابوكي

ضحى عبدالرؤوف المل
يقدم الروائي "انطونيو تابوكي" في روايته" ايزابيل" الصادرة عن "دار الساقي" وهي من ترجمة "نبيل رضا المهايني" نوعا من الغطرسة والاستعلاء على الواقع عبر دوائر تشبه دوائر التقاط العدسة، لصورة تحتفظ بتفاصيل زمن رحلنا عنه، ومن ثم نريد العودة اليه من خلال العالم والصورة في حبكة ذكية مصنوعة من استرجاع الذاكرة لاحداث لا يمكن فهمها في لحظة نعيشها ضمن الدائرة الزمنية نفسها لانها تتبلور من تلقاء نفسها عبر الزمن،

او بالاحرى عالمها الخاص الذي فتحه" انطونيو تابوكي" كروائي يبحث عن "ايزابيل " ليمر خلال في رحلة بحثه عبر تفاصيل تسترعي انتباه القارئ وتشد ذهنه، ليبحث ويتوغل في دوائره التي تضيق فعلا كلما اقفل واحدة وانتقل الى اخرى، كأنه يبحث عن الابداع في صندوق عقلي، وبترميز لنقاط تسعة يصعب جمعها، لأنها تتابعية عبر الزمن كتبليغ رسائل النبوة التي تتواصل عبر الزمن تلقائيا، وايجاد الحلول للكثير من المعضلات التي تحدث ولا نستطيع فهمها ما لم نستحضر الزمن ونعيد تشكيل الحكاية من جديد. او بالاحرى اعادة اكتشاف الرواية حيث تتشابه الاحداث عبر الايحاءات والصور والترميز والقراءات المختلفة، والقضايا الادبية الاكثر غموضا من جني الشعر الشبيه بجن الغابة الذي ذكره بتلميح لاختلاف المعاني، فهل حاول تابوكي جمع النقاط التسع في مثلث فلكي له مدلولاته الرياضية وتأثيراته النفسية، وكأنه يلاعب فيزيائيا عقل القارئ ضمن دوائره حيث استطاع اغلاقها في النهاية، وكأنه يتنبأ عن المستقبل في دخول لماضي جمع الاديان فيه دون التعمق فيها وبانتقاد مبطن للكثير من القضايا السياسية والادبية وصولا للصحافة وما تعانيه عبر الزمن " نظر الي الجزار عندها بعينين بدتا لي بقريتين، ثم اجاب بلهجة تنم عن الضيق: أنا لا اعرف من الجرائد إلا ما لف به اللحم."
رواية ذات ابعاد فيزيائية ترنو الى التطلع الماورائي لايجاد الكثير من الاجوبة على تساؤلات سريالية تهاجم الانسان وتضعه ضمن دوائر لا حلول لها ما لم نحاول الدخول اليها وبرمها، لنخرج منها باجوبة مفيدة تكون بمثابة المفاتيح للاجيال الجديدة التي ستصل الى الحقيقة عبر النقطة المركزية التي انطلق منها الانسان الاول، وسيختمها الانسان الاخير. لاننا وبكل بساطة لا نستطيع العيش مئات السنين وبتشويق لا يخلو من انتقاد للكثير من المفاهيم الاجتماعية التي لا يمكن فهمها، الا عندما نقترب منها خصوصا المرحلة الابداعية المحملة بغرائب اكثر، وربما ايضا القصائد ذات التنبؤ للاستعلاء على الواقع ومزجه بالحلم، للقفز نحو نقطة المانديلا والاعتقادات المترابطة ما بين البرتغال والصين والهند والتي تشير الى الانسان الموصول بالعقائد، وبمؤثرات الحدث كالديكتاتورية التي فرضها سالازار ومناضلة شيوعية اختفت، ليحاول فك خيوط شبكة معقدة وضعها امامه كلغز النقاط التسع، كي يصل الى زوايا الزمن ويتلاعب بالمخيلة، ليلتقط بذلك القارئ المبدع الذي يحاول فكر ترميز الحدث الروائي الذي قد يتكرر عبر الازمنة والامكنه التي دخلها وخرج منها بدائرة مرسومة على الرمال وشاهد لقبر ايزابيل."اعلم انني وضعت في رأسي ذات مرة فكرة تقول ان القصص التي يتمخض عنها خيالي تتكرر في الواقع، علما اني كنت اكتب قصصا سيئة" لنقرأ تاريخ البرتغال عبر احجيات دائرية مشوقة هدفها الوصول الى الاشراق ليكشف تابوكي عن نفسه كإله غائب حاضر عبر الزمن.
الزوهار يؤدي الى الكابالا والمانديلا والموسيقى الصوفيه التي تؤثر على الذهن، فتأخذه نحو الاشراق او النقطة المركزية للكون. هذه هي "ايزابيل" التي تغادر كل فرد على الارض ان لم يستطع ترك الاثر الابداعي المؤثر في الناس او لخدمة الذات التي تسمو مع التأمل والتفكر وايجاد الحلول. وليس عبر ما يحدث في المجتمعات من مفاهيم مغلوطة عن الدين او الممارسات السلوكية للبشر. "لاني قادم من مكان يسود فيه البهاء بكل بساطة." مع حقبات زمنية يحولها تبعا لما قرأه الى قصائد وقصص وروايات عبر افراد حملوا راية الابداع بكل مقوماته الجمالية حتى الموسيقية منها. "واذا كنت تصنع دوائرتتحلق حول مركز واحد فسيعهد بهذه الدوائر الى خيالك والى روح الابتكار لديك." مشيرا ايضا الى التعبير الموسيقي الروحي المختلف عن التعبير بالكلمة البشرية او بالاحرى الارضية الخالية من الابداع والترميز والبسيطة بساطة الرجل الصغير في المطعم الذي بدأ به الرواية.
رواية ذكية احاطت بعدة مفاهيم مغلقة فتحها عبر السرد الحركي المحبوك كلعبة ذهنية ذكية تشد القارئ وتتركه يتفكر بايزابيل من هي، ومن تكون وهل هي من الاحياء او من الاموات. لنصل الى النهاية مع عازف ودائرة على الرمال كتنجيم فلكي يتتبع مسار الزمن وتوقعاته للولوج الى الحدث المستقبلي الذي ينتظر الاشراق والعودة الى الاسس التي اختفت محاولا اكتشاف الوجود بالموسيقى او تبعا للكثير من المعاني المبطنة في الرواية الى الانفتاح على الحكمة القديمة، وفك اسرارها الخفية والقدرة على الخلق الابداعي المتعلق بقوة بالخلق الاكبر او نقطة البداية ونقطة النهاية. لاننا دخلنا معه المطعم وخرجنا منه عبر مكان واحد مجازي هو نقطة الوجود الاخير.