سقوط جزء مهم من طاق كسرى

سقوط جزء مهم من طاق كسرى

رفعة عبد الرزاق محمد
يزخر العراق بمواقع آثارية كثيرة ولمختلف العهود التاريخية، منذ انبثاق الحياة البشرية الأولى على الأرض، وتتباين هذه المواقع بما تضمه من آثار وأبنية صارعت الزمن وبقيت الى العهود الحديثة، فقد اندثرت الكثير من المواقع الآثارية برمتها بسبب الفيضانات المدمرة فضلا عن الجهل والطمع الإنساني. غير إن من اكبر الأبنية الأثرية في العالم، كان ايوان كسرى حيث بقي جزء كبير منه الى القرون الأخيرة.

إن هذا الأثر العملاق يعود الى عهد الدولة الساسانية التي حكمت العراق وفارس قبل الفتح الإسلامي، وقد بناه أشهر ملوكها كسرى انوشروان، وكانت عاصمة الدولة الساسانية (طيسفون) أو المدائن من اكبر مدن الشرق آنذاك، وقد بنى العاهل الفارسي قصره الكبير وسط تلك المنطقة وضم إليه مقر حكمه وبلاطه، وهو ايوان كبير تحيط به جدران شاهقة وظل الايوان يصارع الزمن، واندثرت منه أقسام كبيرة، غير ان باحة الايوان وسقفه الكبير والحائطين الشاهقين المحيطين بالايوان بقوا الى يومنا. وقيل إن الخليفة المنصور لما أراد هدم الايوان والاستفادة من آجره لبناء مدينته المدورة (بغداد)، لم يستطع الاستمرار بالهدم لرصانة البناء وقوته، فاكتفى بهدم أجزاء منه دلالة على جبروته.
وفي يوم 15 نيسان من عام 1887، وبسبب فيضان نهر دجلة انهار الجناح الشمالي من الحائط الكبير الذي يقع بجوار الايوان، وكان لسقوطه بأكمله صوت كبير سمع من مسافات طويلة، وقد سجل عدد من الرحالة الأجانب هذا الحادث، كما ان بعضهم قد التقط صورا لطاق كسرى قبل سقوط حائطه وبعده.
يذكر الاستاذ يعقوب سركيس في مباحثه العراقية (الجزء 3):
كان جوزيف زفو بودا كاتب (مجيدية) احدى بواخر شركة الفرات ودجلة لسير البوخر المحدودة المعروفة عند الاهلين بـ "مراكب بيت لنج" وكان هذا الكاتب يختلف بمقتضى وظيفته بين بغداد والبصرة ويدون يوميا تصرفاته الذاتية بتفاصيل كثيرة دقيقة مملة جدا وكل ما يحدث له وما يسمعه ويطلع عليه ذلك حتى 17 كانون الثاني 1908. وكانت وفاته بعد ذلك بيومين. ومجموعة يومياته واحدة وستون دفترا بشكل سفينة صفحاتها بقطع الكف وهي الوف كثيرة. ومما رواه فيضان دجلة فيضانا مفرطا في نيسان 1887 واحاطة المياه ببغداد حتى ابوابها من غير ذلك من تفاصيل الغرق. هذا وبينما كانت باخرته راسية في بغداد قدمت اليها الباخرة "خليفة" وهي كذلك لهذه الشركة فاخبره كاتبها اخوه بانهيار قسم من هذا الايوان. وقد دون ما يلي في يومياته وهي مكتوبة كلها بالانكليزية..
"16 نيسان 1887 يوم السبت، قدمت الباخرة خليفة بعد الزوال بربع ساعة وجاء الى باخرتنا هنري ونقل لي انهيار طاق "طيسفون". وقد رأى اليوم صباحا واجهته والجدار كله من المدخل الى البهو فالشمال قد سقط على الارض. وسبب انهيار هذا القسم المتداعي فيضان النهر ووصول الماء اليه وهطول الامطار الخ... ان المؤسف حقا ان نخسر هذا المنظر الجميل والاثر القديم الوحيد الباقي في ما بين النهرين. ولكن مما يسرني ان عندي صورة لجبهته وللخلف صورت في سنة 1871. واظن ان فتح خياط كان معي". ثم قال بعد ان بارحت الباخرة بغداد في اليوم التالي:
"في 17 منه يوم الاحد انزلنا في الساعة الثامنة اربعة نوتية ونجارا عند طاق كسرى ليذهبوا اليه ويحاولوا الحصول على قطع الخشب من القسم المنهار.. وفي الساعة الثانية والدقيقة 55 وصلنا الى "الصافي" وانتظرنا الرجال الذين انزلناهم فجاؤا سورنا في الساعة التاسعة والنصف وقالوا انهم رأوا قطعتين كبيرتين من الخشب طول كل منهما نحو 12 قدما وان العرب منعوهم من اخذهما لانهما محفوظتان للمدير (مدير الناحية) والمتولي لقبر سلمان الفارسي.. ويقول العرب ان الانهيار كان يوم الجمعة ليلا في نحو الساعة 11 وسمع له صوت مريع".

الصور من مجموعة الاستاذ علاء الخزعلي