على كرسي الاعتراف: انا ماجدة كما لايعرفني الناس!

على كرسي الاعتراف: انا ماجدة كما لايعرفني الناس!

افضل ان ابدأ مقالي بالاجابة على السؤال الخالد: "لماذا لم اتزوج؟"
مضربة عن الزواج؟
لا...
فاتني السوق؟
كلا...
ليس في الدنيا من يملأ العقل والقلب معا؟

فيها...
اذن لماذا يابنت الحلال لا تتزوجين؟
"الحقيقة اقول انني ضقت ذرعا بهذه الاسئلة. انني لم اتزوج لسبب بسيط: ان قسمتي كده! اليس الزواج "قسمة ونصيب".
وقد حاول هذا الزواج ان يتدخل في حياتي عدة محاولات باءت كلها بالفشل، وسأروي لكم هنا جميع قصص هذه المحاولات.
بدأت القصة الأولى وانا في الرابعة عشرة، فتاة ذات احلام كثيرة، كلها تدور حول فارس له قامة طويلة وبنية من فولاذ، يخطفني خطفا ولا يبالي، ويشبعني حبا ولا يكترث، وتمثل لي هذا الفارس: "في تلميذ" يذاكر مع اخر.. وكان اخي في كلية البوليس، كان يجئ عندنا فاترقب ان يفتح باب حجرة اخي صدفة لاختلس اليه نظرة.
او امر من امامه فيملأ عينه مني.. وكنت اعرف موعد قدومه فافتح له الباب ليقول لي "سعيدة" فاحسب الدنيا كلها "سعيدة" ويصافحني احيانا ثم يتركني ارتجف من لمس يده، وعصرها كفي..
ومرة واحدة تكلمنا خلسة.. واتفقنا! طبعا على الزواج..
وتقدم الى اسرتي يطلب يدي. اما الاسرة فقد قالت: لا وعلت وجه ابي سحابة غضب، وقالت امي: "قلة ادب". نعم كانت قلة ادب تستوجب الغضب لان شقيقتي الكبرى لم تكن قد تزوجت بعد، ونحن ناس لنا تقاليد وموازين. ثم انني "عيلة" "مفعوصة" "شعنونة" لا تصلح للزواج...
واصابتني نوبة "كسوف" حادة. فلزمت حجرتي شهرا لا ابرحها ولا اجرؤ على ان اواجه احدا بعيني. فان معنى ان يطلب احد يدي انني كبرت، "وانني كبرت" هذه مسألة تستدعي الحياء "والكسوف".
وقاطعت الاسرة شهراً.. وظنوه احتجاجا، وهو في حقيقته كسوف!
ولما خرجت من السجن الاختياري كان العريس الاول قد طار!
ملحوظة: معذرة لاخي مصطفى لانه الى الان لا يعلم انني حدثت صديقة ذات مرة واتفقنا على الزواج..
الزواج عندنا بالدور..
اذن انتظر دوري..
وجاء دوري فلم يجدني واقفة في الصف
فقد دخلت السينما حياتي، والسينما زوج كالفريك لا يحب الشريك، وانا طموحة، كان كل همي ان اصل الى شيء والسلم عال. والطريق طويل، والشوك كثير، ولم ابال بكل هذا، تسلحت بعزم كتيبة من الفدائيين، وتذرعت بصبر سيدنا ايوب..
ولم تكن طرقات الخطاب تكف من بابي في تلك الاثناء..
واخيرا جاءني احدهم وكان منطقيا قال لي:
- انت شيعت سينما، انت تضيعين حقك في السعادة والحياة والحب.
- انا كده مبسوطة.
- انت تغالطين، عندك الثروة، عندك الشهرة، فلماذا لا تتزوجين؟
واقتنعت بمنطقه، ولكن كان من المستحيل ان اتزوجه هو، لانه كان موظفا كبيرا في السلك الدبلوماسي، وعمله يحتم عليه ان يقيم في الخارج، ولابد ان اقيم معه والعلم لم يتوصل الى الان الى طريقة الزواج بالمراسلة، فرفضت!
ولما احس بانه كفء فخيرني بينه وبين السينما..
واخترت السينما...
وثالت يليق، ولكني علمت انه زوج غاضب من زوجته، وانني اذا اوصدت الباب في وجهه سيعود الى زوجته..
وعاد الى زوجته..
ورابع وخامس وسادس، وكلهم يصلحون لولا وجود ظرف ما.. وكلهم اكفاء لولا حبي للسينما.. وستظل الوسادة خالية عندي حتى اجد رجلي!
وستسألون من هو؟ ما شروطك فيه؟
فاقول لكم: تقدم لي شاب في مثل سني فرفضت، انا اريد رجلا مجربا، يحترمني ويحبني معا، اريد رجلا عرك الدنيا وتخرج في جامعة الحياة، فانها جامعة لا تدانيها جامعة اخرى...
ويحبه قلبي!
فانا فتاة.. وفي صدري احلام كاحلام كل فتاة، ولكني اومن بالقسمة والنصيب، وفي الغد متسع لهذه القسمة وذاك النصيب..
انتهينا من حديث الزواج!
نتحدث اذن عن فاق.. في البيت!
نعم فانا في البيت : فاق.. او القطة.. صغرى البنات والصبيان واخر العنقود.. وعايدة هي بكرية الاسرة، وهي الان زوجة لاستاذ في الجامعة هو الاستاذ احمد علي يوسف، وبعدها توفيق وهو محاسب يعمل في مالية الكويت، والثالث مصطفى ضابط برتبة بوزباشي، وهو الان في الواحات..
وعلاقتي بشقيقتي وشقيقي علاقة مودة وحب، وهم اول جمهوري.. يوجهونني ويقولون في رأيا صريحا اقيم له وزنا، وامي كانت دائما عوني، واذا كان لاحد فضل على فهي هذه السيدة العظيمة الطيبة التي رافقتني في كل مراحل كفاحي، وكانت سندي الذي لا يتخلى عني، اقنعت ابي بان اعمل وسهرت الليل معي في الاستوديو وسافرت معي هنا وهناك تحرسني بالعين والقلب.. وتكاد تحملني حملا كما كانت تفعل وانا طفلة صغيرة!
وبالرغم من انني كبرت وخلاص، فلا زلت عند امي تلك الطفلة الصغيرة.. القطة!
وحتى لو صار لي احفاد ينادونني بالجدة فسأظل في نظر امي طفلة صغيرة.. قطة!.
واذا لزمت امي الفراش لعلة، فان احدا من اهلي لابد ان يرافقني، والا فانني انا القاهرية ساتوه في القاهرة! وكثيرا ما تهت وسألت اين انا. وفي الخارج تلازمني حكاية "التوهان" هذه. تهت مرة في فرانكفورت، وغادرت الطائرة، التي ساسافر عليها، ارض المطار وانا الف وادور ولا اصل اليه. ومكثت نهارا بطوله في المطار حيث اجرت الشركة عملية ايجاد مقعد لي على طائرة اخرى..
وعلاقتي بالناس على ما احب، ولكن عندي ما اشكو منه.. فانا اثق بالناس ويبدو انه لم يعد في هذه الدنيا امان..
ان الذين اثق بهم يخونون الثقة عند اول وهلة تغفل فيها عيني، ان هناك من يجيئون فيحذرونني من فلان او علان فاقول لهم انهم خير البشر جميعا، ثم لا البث ان الدغ من جحرهم!
وليت اللدغ من الجحر مرة واحدة، انني طيبة القلب انسى "القسية" بسرعة، ولهذا لا ارى بأسا في ان الدغ من جحر واحد مرتين!
عبط..
اليس كذلك؟

***
ويقولون عني انني بخيلة.. والعبط الذي اعترفت به على نفسي ينفي هذه التهمة.. تهمة البخل. إلا اذا كانت مظاهر الكرم فيّ نظر الغير هي ان اقامر، او اترك عملي واذهب للسياحة، او اقف في شرفة مكتبي في عمارة ايموبيليا وانثر النقود على المارة في الطريق..
وتهمة البخل تنفيها عني اشياء كثيرة، منها ظاهر، فلم يحدث في حياتي مثلا ان رفعت قضية اطالب باجر اكله علي منتج، ومنها باطن لا استطيع ان اكشف عنه.. لانه علاقة بين الانسان وربه..
وانا صريحة.. اقول للاعور انه اعور في عينه، هذا عندي احسن من المنافق الذي يقول للاعور ان نظره ستة على ستة.. واحسن من المبالغ المتجني الذي يقول للاعور: انت اعمى.
وصراحتي هذه تسبب لي خسائر جسيمة.. يحدث ان يجئ لي منتج ليتفق معي على بطولة فيلم، فاقرأ القصة او السيناريو ثم اقول له بصراحة ان القصة لا تعجبني.. فيثور ويغور، ولا يهمني فارفض العمل ويخرج ساخطا.
واحب في النساء الوفاء.. واكره فيهن الجحود، واحب في الناس الصدق واكره فيهم الكذب.. فان الكذب جبن وتفاهة وغثاثة.. واحب في الناس الجراة واكره فيهم التردد. واحاول دائما ان اكون على ما احب في الناس حتى اعجب الناسن ومسألة انني اعجب الناس اولا اعجبهم تستطيع ان تجيب عنها انت ياعزيزي القارئ.
ومتعتي الاولى باحلامي، منذ ايام، حلمت انني امضي في موكب من الناس وهم يهتفون باسمي، وفي اليوم التالي وهم يهتفون باسمي، وفي اليوم التالي جاءني خطاب يقول انني فزت بجائزة مهرجان، كارلو فو قارئ للسينما في الاتحاد السوفيتي..
وقد يكون الحلم مفزعا فاتشاءم منه، حدث منذ اسابيع ان حلمت بانني اقع من فوق جبل وقد امسكت بطرف ثوبي صديقتي مارسيل صالح المونتير.. والذي حدث انني في صباح نفس اليوم اختلفت مع الزميل عز الدين ذو الفقار الذي كان سيخرج لي فيلم جميلة بوحريد، وانتهى الامر بان ترك الفيلم، وخسرت بهذا مبلغا لا يقل عن عشرة الاف جنيه.. ضاعت بسبب التأخير في دخول الاستديو، وفي "عرابين" عند فنيين لم يردوها لي..
وحياتي وان كانت فاراغة من الحب الا انها مليئة بالعمل!
اقوم في الصباح فاقرأ الصحف، واتناول طعام الافطار، واذهب الى الاستديو واعمل حتى يقبل المساء، فاذهب الى المكتب، فاصرف شؤوني، فانني منتجة وموزعة في ان معا، واعود بعد ذلك الى البيت لانام، وخلال هذا كله احمل معي "راديو صغير" تنبعث منه موسيقى هادئة، تلطف جو الكد في الاستديو، وتخلق الصبر في جو المناقشات في المكتب، وتحول الصراخ الذي يكتنفني.. صراخ الحياة اليومية، الى شيء محتمل لا يصيب الاعصاب بانهيار!.
وانا مجدة.. نلت ثماني جوائز، الاولى في عام 1951 عن دوري في فيلم ليلة غرام.. والثانية والثالثة والرابعة الى السابعة عن دوري في فيلم "اين عمري". كانت الاولى من برلين والثانية من دمشق والخمس جوائز الباقية من مصر.
اما الجائزة الثامنة فهي جائزة كارلو فوفاري عن دوري في فيلم "ارضنا الخضراء" تلك الجائزة التي حلمت بها في الليل واخذتها في الصباح!
ولكن هذا كله ليس كل ما اتمنى.. وقد تقولون ان امنيتي هي ان اتزوج لا واله العظيم.. لا وديني!
ان امنيتي ان يخرج الفيلم المصري الى مجالات عالمية، ان امنيتي ان نتقدم الى الاوسكار ونفوز به، ان امنيتي ان نجعل من السينما رسالة نباهي بها الدنيا تماما مثلما نباهي بآرائنا في الحرية، والحياد، والسلام..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!
المصور / أيلول- 1958