الرسالة التي لم تتمها بباعزالدين!

الرسالة التي لم تتمها بباعزالدين!

فقد المسرح الاستعراضي في هذا الاسبوع، ركنا ركينا من اهم اركانه، وعلماً من اعلامه بوفاة "ببا عز الدين".
فقد كانت الفقيدة العزيزة ذات شخصية قوية يحترمها الجميع ويقدرونها، ومن ثم استطاعت ان تقود فرقتها نحو هدفها الفني بكياستها ولباقتها.

وقد رأيتها ذات مرة تؤنب راقصة ناشئة في غرفتها لانها تهمل نفسها ولا تهتم بتعلم اصول الفن.. وقد تأثرت الراقصة الناشئة لهذا التأنيب فبكت.. ولم أشا ان اتدخل بينهما.. فلما انصرفت الراقصة قامت الفقيدة وصحبتني الى احد محال الازياء لتشتري فستاناً انيقاً لهذه الراقصة الناشئة.. وتكلف الفستان ثلاثين جنيهاً!!
لقد كانت زميلتي العظيمة تعتبر افراد فرقتها كأفراد اسرتها، وكان بيتها مفتوحا لهن، ومن رأت منهن ان تعتبره مسكنها الخاص فلتفعل.
**
وفي بداية الحرب الكبرى الثانية التحقت بفرقتها مطربة صغيرة السن لم يسبق لها الاشتغال بالفن.. ولاحظت الفقيدة ان هذه المطربة منطوية على نفسها، شديدة النفور من الناس، ميالة الى العزلة، فقربتها اليها ومازالت بها حتى روت لها الفتاة قصة حياتها الاليمة.. فقد مات والدها وتركها وامها وشقيقها الطالب بالمدرسة، فنزلت هي الى ميدان الفن لتعيل اسرتها، ولكنها تجد في هذه المهنة غضاضة، وتتمنى لو يتم شقيقها دراسته لتعتزل الفن!
فهل تعرف ماذا فعلت الفقيدة؟ لقد اعادتها الى بيتها، وظلت ترسل اليها مرتبا شهريا يعينها على الحياة ويساعد شقيقها على استكمال دراسته حتى تخرج في إحدى كليات الجامعة!
***
وكانت للفقيدة اياد بيضاء في ميدان البر والاحسان.. ولولا انني اعرف عن الفقيدة انها كانت تحرص على ألا يعلم احد بما تقدمه من بر وخير، لذكرت اليوم الكثير من العائلات والاشخاص الذين كانت تمدهم بعونها ومساعدتها في الخفاء.
***
وكانت تراود فقيدتنا العزيزة احلام تنشد تحقيقها لتوطيد دعائم الفن، وتثبيت اركانه.. من ذلك انها حدثتني كثيرا عن رغبتها في إنشاء معهد لتعليم الرقص اسوة بالمعاهد المعروفة في البلاد الاوربية، وكانت تعتقد ان لا حياة للمسرح الاستعراضي الا بانشاء هذا المعهد..
ولعل الكثيرين لا يعلمون انها سافرت خصيصاً الى فرنسا في الصيف الماضي لنزور معاهد الرقص الحكومية هناك، وقد عادت من رحلتها بعد ان اختمر المشروع في ذهنها.. ولولا المرض الذي اصابها واضطرها الى دخول المستشفى لاجراء عملية جراحية بعد عودتها مباشرة، لخرج هذا المشروع الى حيز التنفيذ.
وكانت تدور برأسها مشروعات ضخمة للنهوض بالمسرح الاستعراضي.. هذا المسرح الذي افنت زهرة شبابها في سبيل نهضته وجعلت منه فناً محترما بعد ان كان لونا من الوان التسلية الرخيصة.
هذه كلمة سريعة عن صديقتي، فقيدة الفن ببا عز الدين التي خسر الفن بفقدها فنانة مجاهدة، وخسرت صديقاتها صديقة مخلصة وفية!

الاثنين والدنيا /
شباط- 1951