• ترجمة احمد الزبيدي
إذاً سيد نعوم، لقد حدث ما لم يكن في الحسبان: وعلى عكس كل التوقعات، فقد سجل دونالد ترامب نصرا حاسما على هيلاري كلينتون، والرجل الذي وصفه مايكل مور بأنه "بائس، وجاهل، وخطير ومهرِّج "سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة. من وجهة نظرك، ما العوامل الحاسمة التي أدت بالناخبين الأميركيين لصنع أكبر مفاجأة في تاريخ السياسة الأميركية؟
- نعوم تشومسكي: قبل أن أتطرق لهذه المسألة، أعتقد أنه من المهم قضاء بضع لحظات في تأمل ما حدث في 8 تشرين الثاني، وهو التاريخ الذي قد يتحول إلى أن يكون واحدا من اللحظات الأكثر أهمية في تاريخ البشرية، اعتمادا على كيفية رد فعلنا عليه.وهذا ليس من قبيل المبالغة.
في 8 تشرين الثاني، أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) تقريرا الى المؤتمر الدولي بشأن تغير المناخ الذي سيعقد في المغرب من أجل متابعة تنفيذ اتفاق باريس. يذكر التقرير أن السنوات الخمس الماضية كانت الأكثر سخونة على الإطلاق. وشهدت ارتفاعا في منسوب مياه البحر، التي سرعان ما ستزداد نتيجة لذوبان سريع وبشكل غير متوقع في الجليد القطبي، وبالفعل، فان كمية جليد البحر القطبي الشمالي خلال السنوات الخمس الماضية كانت 28 في المئة أقل من معدلها خلال السنوات الـ 29 السابقة ما ادى ليس فقط الى ارتفاع مستوى سطح البحر، ولكن أيضا تقليل تأثير عملية التبريد التي يقوم بها الجليد القطبي لحرارة أشعة الشمس، وبالتالي التعجيل في الآثار المروعة لظاهرة الاحتباس الحراري. وذكرت المنظمة أيضا أن درجات الحرارة تقترب بشكل خطير من المستوى الذي اعلنته قمة باريس للمناخ العام الماضي، بالاضافة الى التقارير والتوقعات المتشائمة الأخرى.
وهناك حدث آخر جرى في 8 تشرين الثاني، الذي يمكن أيضا ان يتحول إلى أن يكون ذا أهمية تاريخية غير عادية، ولأسباب لوحظت بالكاد.
ففي 8 تشرين الثاني، وضعت نتائج الانتخابات في أقوى دولة في تاريخ العالم، السيطرة الكاملة للحكومة - السلطة التنفيذية والكونغرس والمحكمة العليا - في يد الحزب الجمهوري، الذي أصبح المنظمة الأكثر خطورة في تاريخ العالم.
وبصرف النظر عن العبارة الأخيرة، فإن كل هذا لا خلاف عليه. قد تبدو العبارة الأخيرة غريبة، او حتى فاحشة. ولكن أليس الأمر كذلك؟ وهل تشير الحقائق الى خلاف ذلك. فالحزب يمضي قدما وبأسرع وقت ممكن في سباقه لتدمير الحياة البشرية المنظمة. وليس هناك سابقة تاريخية لمثل هذا الموقف.
هل هذه مبالغة؟ للنظر في ما لدينا من احداث شهدناها من قبل.
خلال الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، نفى كل مرشح أن يحدث مانشهده الان - باستثناء عدد من المعتدلين مثل جيب بوش، الذي قال ان كل شيء محتمل.
المرشح الفائز، وهو الآن الرئيس المنتخب، يدعو إلى الزيادة السريعة في استخدام الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم؛ ويرفض تقديم المساعدة للدول التي تسعى إلى الانتقال إلى الطاقة المستدامة ؛ وبشكل عام، يركض بنا نحو إلى الهاوية بأسرع وقت ممكن.
وقد اتخذ بالفعل عدة خطوات لتفكيك وكالة حماية البيئة، ويخطط لإجراء التخفيضات الضريبية على الصناعة (وقطاع الأثرياء والشركات عموما)، ونحوالمزيد من إنتاج الوقود الأحفوري. وقد كانت ردود افعال السوق سريعة. اذ ازدهرت أسهم شركات الطاقة، بما في ذلك أكبر مناجم الفحم في العالم، (بيبودي للطاقة)، التي كانت على وشك الإفلاس، ولكن بعد انتصار ترامب، سجلت ارتفاعا بنسبة 50٪.
من الصعب أن تجد الكلمات المناسبة للتعبير عن حقيقة أن البشر يواجهون السؤال الأهم في تاريخهم – هل سيستمر تنظيم حياة الإنسان على النحو الذي نعرفه – ام سنعجل من سيرنا نحو الكارثة.
وهناك ملاحظة مماثلة تتعلق بقضية أخرى تتعلق ببقاء الإنسان: وهي التهديد بالدمار النووي، الذي يلوح فوق رؤوسنا منذ 70 عاما ويتزايد خطره الآن.
كشفت استطلاعات الرأي أن الدعم العاطفي لترامب في اوساط الطبقات العمالية كان مستوحى أساساً من الاعتقاد بأنه يمثل التغيير، في حين كان ينظر الى كلينتون بأنها المرشحة التي من شأنها إدامة محنتهم. لكن"التغيير" الذي يمثله ترامب من المرجح أن يكون ضارا أو يجلب ما هو أسوأ ان الناس يعملون اليوم تحت أكبر تهديد اقتصادي منذ فترة الكساد العظيم في ثلاثينات القرن العشرين.
وهناك عوامل أخرى في نجاح ترامب. وتشير الدراسات المقارنة أن مذهب تفوق العرق الأبيض يحكم قبضته بقوة أكثر على الثقافة الأميركية اكثر مما يحدث في جنوب أفريقيا، وأنه ليس سراً أن عدد السكان البيض آخذ في الانخفاض. وفي عقد أو عقدين، من المتوقع أن يكون البيض أقلية في قوة العمل، وبالتالي أقلية من السكان. وتتعرض الثقافة التقليدية المحافظة أيضا لهجوم من قبل النجاحات التي تحرزها سياسة الهوية الوطنية، وتجد النخب المحافظة بلادهم التي عرفوها تختفي أمام أعينهم.
و من الصعوبات التي واجهت المهتمين بزيادة قلق السكان من الأخطار الكبيرة جدا التي تمثلها ظاهرة الاحتباس الحراري هو أن 40 في المئة من سكان الولايات المتحدة لا ترى في هذا الأمر مشكلة، لأن المسيح سيظهر في غضون بضعة عقود. ونفس النسبة من السكان تعتقد أن العالم قد خلق منذ بضعة آلاف من السنين. وكلما تصارع العلم مع الكتاب المقدس، فالنتيجة تكون أسوأ بالنسبة للعلوم. الأمر الذي تجد من الصعب العثور على مثيل له في المجتمعات الأخرى.
• هل يمثل ترامب حركة جديدة في السياسة الأمريكية أم ان نتائج هذه الانتخابات تمثل في المقام الأول رفضا لهيلاري كلينتون من قبل الناخبين الذين يكرهون كلينتون، وضاقوا ذرعا من"الساسة كالعادة؟"
- انها بلاشك حركة جديدة. لقد انتقلت جميع الأحزاب السياسية إلى اليمين خلال فترة النيوليبرالية. والديمقراطيون الجدد اليوم هم الى حد كبير من اصطلح على تسميتهم بـ "الجمهوريين المعتدلين"، وابتعد الجمهوريون عن التفاني من أجل كسب الأغنياء وقطاع الشركات حيث لا يمكن أن يأملوا في الحصول على اصواتهم، وتحولوا إلى تعبئة قطاعات السكان، غير المنظمة بائتلافات سياسية قوية: مثل العنصريين وضحايا أشكال العولمة التي تهدف إلى جعل الأشخاص الذين يعملون في جميع أنحاء العالم في منافسة بعضهم مع البعض الآخر في الوقت الذي تحمي فيه الأثرياء أصحاب الامتيازات وتقوض التدابير القانونية وغيرها من انواع الحماية التي منحت الى العمال، وتبتكر طرقا للتأثير على صناعة القرار في النقابات العمالية الفعالة في القطاعين العام والخاص.
لقد اعتبروا كلينتون تمثل السياسات التي يخشونها ويكرهونها، في حين كان ينظر الى ترامب باعتباره رمزا "للتغيير" - تغيير ما يتطلب نوعا ما نظرة فاحصة على مقترحاته الفعلية،. وكانت حملة الانتخابية نفسها تتجنب الخوض في المسائل المهمة وقد امتثلت تعليقات وسائل الإعلام لذلك الأمر عموما، والحفاظ على مفهوم أن الحقيقية "الموضوعية" تعني التقارير التي تتحرك بدقة "داخل الطريق الدائري"، ولكن لا تغامر بالخروج منه.
و لقد قال ترامب بعد ظهور نتائج الانتخابات انه "سيمثل كل الأميركيين". كيف يمكنه ذلك عندما تنقسم الأمة وهو نفسه قد أعرب بالفعل عن كراهية عميقة للعديد من الجماعات في الولايات المتحدة، بما في ذلك النساء والأقليات؟
• لا توجد لدى ترامب عقيدة سياسية تعريفية إرشادية لموقفه من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكن هناك ميولاً استبدادية واضحة في سلوكه. لذلك، هل تجد أية صحة في الادعاءات التي تقول ان ترامب يمثل ظهوراً لنوع من"الفاشية الناعمة" في الولايات المتحدة الأمريكية؟
- لسنوات عـــدة، كنت اكتب واتحدث عن خطر صعود شخص ذي كاريزما وأيديولوجيا لها تأثير طاغ في الولايات المتحدة، شخص يتمكن من استغلال الخوف والغضب الذي وصل حد الغليان في معظم قطاعات المجتمع، والذي يمكن أن يوجهه بعيدا عن الأهداف الفعلية من الشعور بالضيق إلى اهداف خطيرة. ويمكن أن يؤدي ذلك في الواقع إلى ما اسماه عالم الاجتماع بيرترام كروس بـ "الفاشية الناعمة" في دراسة له قبل 35 عاما. ولكن ذلك يتطلب إيديولوجيا حقيقية، من نوع ايديولوجيا هتلر، و مع ذلك فالمخاطركانت حقيقية لسنوات عديدة، وربما اصبحت أكثر من ذلك الآن في ضوء القوى التي أطلقت العنان لترامب.
• مع دخول الجمهوريين الى البيت الأبيض، وتحكمهم أيضا بمجلسي النواب والشيوخ والشكل المستقبلي للمحكمة العليا، كيف ستبدو عليه الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع القادمة على الأقل؟
- يعتمد ذلك بشكل كبير على موظفيه ودائرة مستشاريه. وبعبارة مخففة فإن المؤشرات الأولية غير مشجعة.
ستكون المحكمة العليا في أيدي الرجعيين لسنوات عديدة، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها. وإذا ما اتبع ترامب السياسات المالية لتخفيض الضرائب، فسوف يكون هناك فوائد كبيرة للأغنياء - فحسب تقديرات مركز السياسة الضريبية يؤدي تخفيض الضرائب الى أكثر من 14 في المئة عن الطبقة الغنية التي تمثل 1 بالمائة من السكان الى خفض كبير بشكل عام في الحد الأعلى من سلم الدخل، ولكن تاثير تخفيف الضرائب يكاد ينعدم بالنسبة للآخرين، الذين سيواجهون أيضا أعباء جديدة وكبيرة. وتتوقع الصناعات الكبرى،وبورصة وول ستريت، والصناعة العسكرية، وصناعات الطاقة وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الكبرى مستقبلا مشرقا جدا.
• هناك أيضا العديد من التوقعات حول مستقبل السياسة الخارجية، ومعظمها لم تتم الإجابة عنها. فهناك إعجاب متبادل بين ترامب وبوتين. هل هناك احتمال ان نشهد حقبة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا؟
- ان المرء يحدوه الأمل في أن يكون هناك خفض للتوترات الخطيرة جدا والمتزايدة على الحدود الروسية: واذكر هنا "الحدود الروسية" وليست الحدود المكسيكية. من الممكن أيضا أن أوروبا قد تنأى بنفسها عن أمريكا ترامب، كما اقترحت بالفعل المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل وزعماء أوروبيين آخرين - والتي ربما تؤدي إلى جهود أوروبية لنزع فتيل التوتر، وربما حتى لبذل جهود للتحرك نحو شيء يماثل رؤية ميخائيل جورباتشوف لنظام الأمن الأوروبي الآسيوي المتكامل دون تحالفات عسكرية، والذي رفضته الولايات المتحدة لصالح توسيع الناتو، تلك الرؤية التي احياها مؤخرا فلاديمير بوتين سواء على محمل الجد أم لا، نحن لا نعرف.
• هل ستكون السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة ترامب ذات توجهات عسكرية أكثر أو أقل مما رأيناه في ظل إدارة أوباما، أو حتى إدارة جورج دبليو بوش؟
- لا أعتقد أن أحدا يستطيع الإجابة بأي قدر من الثقة. فسياسات ترامب لا يمكن التنبؤ بها الى حد بعيد. فهناك الكثير من المسائل المعلقة. ما يمكننا قوله هو أن تعبئة الناس وتفعيل نشاطهم، وتنظيمهم بشكل صحيح، يمكن أن يحدث فرقا كبيرا.
وينبغي أن نضع في اعتبارنا أن الرهانات كبيرة جدا.
عن: مجلة تروث اوت