في سبعينية الراهب العلامة.. صفحات من اوراق الاب الكرملي

في سبعينية الراهب العلامة.. صفحات من اوراق الاب الكرملي

اعداد: ذاكرة عراقية
معجم (المساعد).. لم يزل مخطوطا
كتب الاستاذ حارث طه الراوي عن الاب الكرملي، ومما قاله:
لقد استهوته العربية منذ فجر شبابه وبدأ بتأليف معجمه اللغوي الشهير (المساعد) الذي اشتغل فيه اكثر من خمسين سنة وتوفي قبل ان يتمه وينسقه كما يريد.

وقد اتيح لي ان استمع الى حوار مع الاب انستاس الكرملي حول معجمه المساعد من اذاعة القدس خلال صيف سنة 1946 وكان رحمه الله يستشفي يومئذ في فلسطين- فدار بينه وبين المذيع الحوار التالي الذي علق بذهني لطرافته.
المذيع: كم مضى على ابتدائك في تأليف قاموس المساعد؟
الكرملي: اكثر من خمسين سنة.
المذيع: اكثر من خمسين سنة وما انهيته بعد؟.
الكرملي: او تنتهي العربية؟! انا انتهيت..

وعلى ذكر مخطوطات الكرملي يجمل بي ان اذكر ان صاحب دار العودة في بيروت عندما كلفني بتاريخ 19/ 7/ 1974 بتأليف سلسلة كتب عن بعض اعلام الشعر والادب واللغة في العراق كان بينهم العلامة الكرملي فاتيح لي عندما الفت كتابي عنه ان اطلع على مخطوطة من مخطوطاته التي تركها بخطه في كنيسة الاباء الكرمليين، وذلك بواسطة الصديق الاستاذ حكمة رحماني وهي بعنوان فوائد الشرائد او الشوارد وتحمل رقم 15 ولاتعدو هذه المخطوطة ان تكون كشكولا معبأ باللمحات النقدية والطرائف الفولكلورية والفوائد اللغوية والفرائد التاريخية.

القبانجي يتحدث عن الكرملي
كان معظم جلساء (الكرملي) ممن دوّن وبحث في الفولكلور امثال الاستاذ عباس العزاوي وعبد اللطيف ثنيان ورزوق عيسى وغيرهم. وكان الكرملي ـ على ما اتذكر ـ يهش للشعر البدوي وممن كان يروي له بعض اشعار البدو المحامي علي غالب العزاوي وهو اخو عباس العزاوي.وقال (محمد القبانجي) المغني المعروف وأحد الذين عول عليهم المؤلف في جمع مواد كتابه:
(نعم كنت احضر مجلس الاب الكرملي صحبة المرحوم الشاعر الشعبي (الملا عبود الكرخي)، وكان المرحوم الكرملي يستأنس بحضورنا ويتمتع باحاديثنا الادبية والفنية وكان حديثه يدل على اطلاع في الحياة الادبية الشعبية، وكان ينشدنا من الشعر الشعبي القديم ويطلب منا ان ننشده ليزيد من محفوظاته. وكان يطلب مني بعضا غناء وبعضا شرحا لما جاء في ما انشده انا من الشعر الشعبي، وكان كثير الاهتمام بالموالات المسماة (النعماني) وهو المركب من سبعة اشطر بخلاف الموال المسمى بالاعرج المكون من خمسة اشطر الذي تكون فيه القافية على الحرف لا على الكلمة، كما يلتزمها الشاعر في الموال النعماني. اما الموال الرباعي فقديم جدا ويسميه الادباء (دوبيت) بمعنى بيتين وهو كذلك من بحر البسيط، وكان يسمع منا ويدون وكان اجتماعنا به حوالي عام 1930 ـ 1934م).

وكتب الاستاذ شكيب كاظم:
لقد قرأت مقالا للاستاذ الشيخ جلال الحنفي البغدادي رحمه الله في مسألة كتابة اذن بالنون لا بالالف، راجعا بهذا الترجيح الى رأي العلامة الكرملي قائلا ليقل قائلكم اذن بنون ظاهرة، ولا يقل اذا بالف عليها فتحتان. وذلك ان الوقوف على هذا الحرف انما يكون بنون مسموعة، فان كتبت بالف عليها فتحتان فوقف عليها وقف بالف وهذا ما يتأتى به من المعنى ما ليس بالمراد، والذين يكتبون ذلك بالف عليها فتحتان ينطقون اللفظ عند الوقوف عليه بالنون الساكنة.
لقد علمنا العلامة الكرملي ان نكتب اذن بالنون، اخذا بما استصوبه من طريقة كتابة بعض الائمة الاقدمين، ممن كانوا يكتبون ذلك بالنون لا بالالف ذي الفتحتين اي بالتنوين، وكذلك لابد من ابراز النون وقفا ووصلا، في مثل ان لا يتعرض مصحح لمذهبي الاملائي في رسم الكلمة فان هناك من يكتبها الا وفي ذلك من مواقع الاشباه ما لا يخفى، وما دمت بدأت حديثي هذا عن الرسائل المتبادلة بين احمد باشا تيمور، والاب انستاس ماري الكرملي فبودي ان اقدم بعد ان تحدثت عن الكرملي نبذة مختصرة عن احمد باشا تيمور، هذه الشخصية الثقافية الباهرة مما قد لا يعرفه شباب ايامنا هذه فقد ولد سنة 1228 هـ 1871م وهو من عائلة ثرية شُغف بحب القراءة والكتابة، واقتناء المخطوطات النادرة، حتى اصبحت مكتبته من كبرى المكتبات، واكثرها احتيازا للمطبوع والمخطوط، وسميت بالخِزانة التيمورية وقد اهديت المكتبة الى الحكومة المصرية بعد وفاته وهو شقيق عائشة التيمورية التي كانت من رائدات النهضة العربية نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الى جانب ماري الياس زخور زيادة التي عرفت باسم مي زيادة ومَلَك حفني ناصف الذي تولى ابوها حفني ناصف رئاسة الجامع الازهر، وابو المفكر الذي طواه الموت سراعا وخلف لنا كتابا رائعا عن الديانة الموسوية؛ الدكتور عصام حفني ناصف. واحمد باشا تيمور هو ابو القاص والروائي المصري المعروف المتوفى صيف عام 1973م محمود تيمور، وكان سبب موته مرض نجله الاديب كذلك محمد، وما ان اخبره الطبيب الفرنسي المعالج لنجله محمد، ان حالته ميؤوس منها حتى سقط الاب مغشيا عليه، فكان هذا الخبر سببا في موته ومكث ثلاثة ايام على هذه الحال وتوفي محمد بك وهو لم يدر بما حدث ولم يجرؤ احد على اخباره بموت ابنه، وتوفي في الثاني من مايس، عن عمر يناهز الحادية والثمانين.

رسالة من يعقوب سركيس، المؤرخ العراقي الثبت، الى الكرملي:
بغداد في 15 شباط 1934 الى القاهرة
حضرة العلامة الكبير الاب الفاضل انستاس ماري الكرملي المحترم
احتراما جزيلا وتحيات كثيرة واشواقا غزيرة. وعسى ان يكن ايابكم قريبا فتقر العيون. جاءنا امس حضرة الاب الرئيس وبيده كتابكم المؤرخ في 9 الجاري ولم اكن في الدار اذاك , فشكر لحضرتكم على تذكركم اياي. كنت سألت عنكم الاباء عدة دفعات فكان جوابهم انكم بخير وسرني ماافادوني به من اخبار عنكم.
لكم الشكر ثانيا على ارسالكم الي بالكتاب المسمى (بنو معروف) فقد وصلني هذا الاسبوع مع بريدالهند ولم اجد فيه ماكنت اؤمل الحصول عليه وهو سبب تسمية القوم بنو معروف وماكان تطلبي له الا لهذه الغاية لامر تاريخي.سبحان الله قبل اخذي رسالتكم كنت انوي ان اكتب اليكم شاكرا لكم على البعث بهذا الكتاب وكان في نيتي ان ارجو منكم اهداء التحية والاحترام للاستاذ المحقق المنقب عيسى اسكندر المعلوف وان لم يتعارف احدنا مع الاخر لامواجهة ولا مكاتبة والذي كان يدفعني الى ذلك شغفي بكل مايكتبه على ماتعلمون والان اجد في كتابكم تحياته فقد صدق من قال (من القلب الى القلب سبيل) ولحضرتكم مني الف تحية وسلام.
ارتئي رايكم في الاستاذ مصطفى جواد فاذا كان له في البداء ان يعرف نفسه في مصر وقد تم ذلك لذا عليه الان على مااعتقد وانا فضولي في هذا القول ان ينصرف عما يشغله في درس الفرنسية تفرغا له ثم يعود الى مايريده بعد اتمام دروسه المطلوبة في فرنسا وارجو منكم اهداء تحياتي وهي بمقدار مايشعر به من الكثرة.
منذ سفركم لم الاق الاستاذ عباس العزاوي الا قبل يومين فقد صادفته في مكتبة نعمان الاعظمي وكان هناك طائفة من الكتب المطبوعة والمخطوطة فقد جلبت من النجف وكنت قد نظرت فيها قبل مجيئه ولم اعثر فيها عما يروقني ثم جاء فبان لي انه كان قد وقف عليهل فاشترى بعضها بحضوري بنحو نصف دينار وقد سالني عن حضرتكم ولم اكن قد اخذت كتابكم بعد لاحكي منه طرفا.
اخبركم عن مخطوط لمؤلفه وله شهرة وقد اشتريته في 16 كانون الثاني الماضي بنيف ودينارين. وصفحات هذا المجلد هي 277 ومقياسها 22 س × 16 بخط خشن وهو (الجزء الاول من اخبار بغداد وماجاورها من البلاد) للشيخ محمود شكري الالوسي. ولاعتقادي انكم ترغبون بالوقوف على وصفه ومضمونه ومصادره فاني ابادر الى ذلك مع كلمات في نقده غير متوسع خوف الاطالة.
قال الاستاذ الاثري عن هذا الجزء في اعلام العراق (ص 150) انه في 15 كراسه
وقال نعمان الاعظمي (صاحب المكتبه في مقدمته على المسك الاذفر بعد ان تكلم على ان تاريخ بغداد للالوسي في ثلاثة اجزاء: اما الجزء الاول والحاله هذه غير ميسور نشره فيما نظن) وذلك بعدما نقل ماقاله الاثري في اعلام العراق. هذا ماقيل فيه اما الدافع فهو غير ذلك فقد جاء في مخطوطي الخاتمة بحروفها التالية: (وحيث وقف بنا القلم في هذا المقام من المجلد الاول من عدة مجلدات عزمنا بحوله تعالى ان نبتديء من المجلد الثاني بالكلام على من تولى بغداد من الحكام الى عصرنا.. ثم نتبع ذلك فيما بغداد من المساجد والمعابد والمدارس والتكايا والزوايا.. (فهو كتاب كتاب مساجد بغداد واثارها الذي طبع) ثم ذكر تاريخ بعض المباني الجسيمة ووصف اصحابها ثم نتبعها بذكر بعض البيوتات في بغداد وبعض تراجم العلماء المشهورين فيها وشعرائها وادبائها الذين نبغوا في القرن الثالث عشر الى عصرنا هذا (فهو المسك الاذفر وان لم تذكر فيه البيوتات) ثم نبسط الكلام على مذاهب العراقيين ونحلهم وعلو شأن ائمتهم وعوائدهم في الماكل والملابس والافراح والماتم ثم نتكلم على من سكن ارض العراق من القبائل الرحالة.. ممايستفيد منه كل من نظر اليه من بحوله تعالى وتوفيقه..) انتهى كلام المؤلف وقال الناسخ انه فرغ من نقله عن مسودة المؤلف في ليلة نصف شعبان سنة 1327.
وتبتدئ هذه النسخة التي في يدي بالفهرست ثم تتلوه مايلي (اخبار بغداد وما جاورها من البلاد) وفوق هذا الكلام قد اضاف المؤلف بخطه (الذي اعرفه ماكنت رايته عندكم) قوله: (المجلد الاول من كتاب) ونجد له بعض الكلمات في القليل من الصفحات في الحواشي.
ويمكن تلخيص مافي هذا الجزء ان المؤلف جمعه من مقدمة الخطيب ومعجم البلدان ومراصد الاطلاع في صفحاته الاولى شيء من التاريخ عن الحيرة وبناء الكوفة والبصرة وواسط وبغداد و سامراء وهو منقول من مصادر معروفة لاغير ذلك وليس فيه تتبع عميق وقد تكلم المؤلف عن على دارين او ثلاث كان بناؤها في زمنه ووصفها مع الاطراء.
وادرج ماقيل في ذلك عن القصائد كما انه تكلم على مجرى الفرات في الهندية مع نقل بعض المضابط التي رفعها اهل الحلة الى الحكومة واورد ماقيل في سدة الهندية في سنه 1308 هجرية من خطب وقصائد ومايعود الى هذا الزمن قديبلغ نحو ثلاثين صفحة له فيها بضع صفحات. ومما رايته غريبا في بابة الؤلف (ص 182 من مخطوطي) عد مراصد الاطلاع من مؤلفات ياقوت وكان قد فاته اذ ذاك ان مقدمة مؤلفه نفسه تنقد ياقوت فالكتاب لغيره وهو لصفي الدين كما تعلم.وخلاصة الكلام ان تاليفاً على المنوال الذي اتبعه المصنف لايحتاج الى علم غزير ودراية وافرة فانه نقل لايتبعه تحقيق وبوسع كثيرين ان يضعوا تلك الكتب امامهم وينقدوا مايرونه داخل الخطة التي رسموها لانفسهم فميزة هذا الجزء الوحيد انه جمع مافي المصنفات في مجلد واحد هذا ولا ادري هل انه وعى كل مافي المعجم وصنوه المراصد عن البلاد والمواضع وما قصده المؤلف في تصنيفه وللكتاب ميزة اخرى انه للالوسي كما ان لنسختي ميزة خاصة انه نظر فيها.
ولعل نسختي وحيدة لقول الاثري ان المؤلف لم يتم الجزء الاول فنظر انه لم ير نسخة حوت مافي هذه ولو قال غيره قوله لما كنا نعيره بالا لكنه من الذين لايفوتهم الوقوف على هذا الجزء لو كان موجودا في في خزانة المؤلف ولعله اول هولاء الناس واي رجل منهم له صلة بالالوسي وخزانته اكثر من الاثري!
وقد عد الاستاذ الاثري ـ ومثله مقدمة الكتبي نعمان ـ المسك الاذفر جزءا ثانيا من الكتاب مع ان خاتمة المؤلف للجزء الاول تفيدنا ان الجزء الثاني سيكون بحثه في من تولى بغداد من الحكام واذا نعلم شيئا نت عن هذا الجزء فهل لم يضف؟ ويجوز انه ضاع فلم يعرفه الاثري كما انه لم يعرف اتمام الجزء الول.واقرب ماوجدناه من صاحب الكتاب الى عصرنا ماورده عن الحلة وسدة الهندية وهذا بعضه: وانقطع مجرى ماء الفرات عن الحلة... وعاد الى سكنة تلك البلاد ماكانوا عليه من البلاء.. وشرع اولياء الامور يعللونهم بالاماني.. حتى انقلب الامر وصارت الدولة مشروطة بالقوانين.. من ذلك في اواخر جمادي الاخرة وتكررت الشكوى مررارا الى ان ورد الجواب اسماع شكواهم وارسال المهندسين من الافرنج (يريد بهم السر وليم ويلكوكس وجماعته) لاصلاح السد... والمهندوسون الان باشروا بالاعمال والله المسؤول ان يصلح امرنا..).
واذا كان الكتاب اكثره على غرار مقدمة الخطيب ومعجم ياقوت والمراصد قلما فيه من التاريخ فاسمه لايوافق مضمونه وهكذا الاجزاء التالية انها ليست تاريخية فقد جرى من الالوسي مجرى الخطيب البغدادي اذ سمى كتابه تاريخ بغداد وهو كتاب تراجم لاتاريخ ىهذا قليل من كثير اطلعكم عليه برجعوكم سالمين غانمين بمنة وكرامة.
اشكر للحبيب فيليب شيحا الصديق القديم على سلامه وارجو منكم اذا لاقاكم ان تهدوه سلامنا مثله مع مزيد وعسى ان يكون ناجحا في اشغاله وقد ذكرني اسمه ايام الصبا والشباب.
الوالدة لاتزال طريحة الفراش غير قادرة على سير خطوة واحدة وان لاتشكو شيئا هي والاخ وقرينته وولداه والاختان جوزفين وفريده يشكرونكم على سلامكم وجميعهم يقدمون الى حضرتكم واجبات الاحترام والتكريم مع الامل بقرب ملاقاتكم في مجمعكم الادبي ودمتم باحترام وخير وعافية
المخلص يعقوب سركيس