الشعر ونهاية القرن.. مجموعة مقالات تفوز بجائزة نوبل عام 1990

الشعر ونهاية القرن.. مجموعة مقالات تفوز بجائزة نوبل عام 1990

زينب المشاط
" بانتظام معين ترتفع الأصوات لتحذرنا أن النهاية قريبة. إذ يبدو وكأن الحداثة قد تغدت على النفي المتتالي الذي ولّدته من شاتوبريان إلى نيتشه، ومن نيتشه إلى فاليري. "، " لقد تماهت الحداثة مع التغيير، واعتبرت النقد رسولا للتغيير، وساوت بينها وبين التقدم."
نص من مقالة " شعر التقارب " والتي تعدّ واحدة من عشرات المقالات التي قدمها الكاتب المكسيكي " أوكتافيو باث ".

جمع أوكتافيو باث مقالاته في كتاب واحد بعنوان " الشعر ونهاية القرن (الصوت الآخر) " وحصل هذا الكتاب على جائزة نوبل عام 1990، وكانت هذه المقالات تدور حول موضوعة واحدة وهي الشعر ومكانته في عصرنا.
لقد بدأت كتابة القصائد في فترة مبكرة من حياة باث، وبدأ ايضاً بتأمل مسألة كتابتها، فالشعر حرفة في غاية الغموض، وهو لغز ومهمة صعبة بالنسبة لباث، بالجانب الاخر والمناقض تماماً يرى باث أن الشعر تسلية " تمضية وقت " رغم أنه سرّ مقدس، صنعة وعشق.
كتب أوكتافيو باث مقالته الاولى عام 1941، وكانت تأملاً (وربما كان من الملائم أكثر، وبسبب عرضيتها واعتباطيتها، قرر أن يسميها استطرادات مضطربة).
وبين التحربة والعزلة والتواصل، يرى باث تجاربه في كتابة المقالات الشعرية والقصائد أيضاً متجسدة في شاعرين اعتاد قراءتهما بحماس وهما " كويفيدو " و " سينت جون أوف ذ كروس " في كتابيهما " دموع النادم " و " انشودة روحية ".
وكتب باث، فيما بعد كتاباً كاملاً هو " القوس والقيثارة " تبعته عدة مقالات، وبعد فترة طويلة كتب كتاباً آخر وهو " أطفال الوحل: الشعر من الرومانسية إلى الطليعة " وقد عالج في هذا الكتاب الأخير موضوعة الشعر الحديث عبر حركات الرومانسية والرمزية والطليعية.
أن المقالات التي يحويها هذا الكتاب هي استمرار للجزء الاخير من " أطفال الوحل ". وهي تعالج بزوغ الفجر ومكانة الشعر في العصر الحالي. ذلك لأن الشعراء لا يواجهون نهاية الشعر بل ينظرون إلى نهاية التراث الشعري الذي يبدأ مع كبار الرومانسيين وبلغ ذروته مع الرمزيين ثم حقق اشراقاً مدهشا مع طليعيي قرننا الحالي.
لقد سميت تلك المرحلة التي كتب عنها باث بمرحلة " ما بعد الحداثة " وهي تسمية ملتبسة، فإذا كانت تلك الحقبة هي مابعد الحداثة، فماذا سيسمي الجيل التالي حقبتهم؟؟
حيث يعتقد القارئ والشاعر والناقد أن مجموعة الأفكار والمعتقدات والقيم والممارسات التي تميز ما سمي بالحداثة تتعرض الان لتغييرات جذرية. فإن صح ذلك فإن هذه المرحلة لا يمكن الاكتفاء بتسميتها " مابعد الحداثة "، بل هي ببساطة ما جاءنا بعد الحداثة فهو شيء مختلف، ذي مواصفات خاصة.
اننا نشهد الان تحطم الفكرتين اللتين شكلتا الحداثة منذ ولادتها: وهي رؤية الزمن على انه تتابع خطي متقدم نحو الغد الافضل، وفكرة أن التغيير هو افضل اشكال التتابع الزمني، وهاتان الفكرتان كانتا قد توحدتا لتشكلا فهمنا للتاريخ على انه مسيرة نحو التقدم: المجتمعات تتغير باستمرار، ويكون التغيير احياناً عنيفاً. ولكن كل تغيير هو تقدم ولم يعد الزمن البدئي هو الماضي، العصر الذهبي الخيالي والوهمي، والزمن الذي هو خارج الزمن – ابدا من الملائكة والشياطين، العادلين والملعونين – فكرة انزاحت امام فكرة التقدم. و (الارض الموعودة) صارت في المستقبل. ففي مجال الفعل السياسي كانت مظاهر التغير في فكرة الثورة، أما في ميدان الفن والادب فكانت فكرة (الفن الجديد) تقوم على قطع الصلة بالماضي المباشر. واليوم يعد المستقبل مغناطيساً جاذباً. ورؤية لازمن، على انه يدعم هذا المستقبل ويبرره، وهي رؤية آيلة للأنتهاء، ومعها تختفي الاسطورة الكبرى التي ألهمت الكثيرين في القرن العشرين، أي اسطورة الثورة، إن فجر الثورة يتواكب وفجر الطليعة الشعرية والفنية، وليست تلك بالمصادفة. فالفن الحديث قد تولد بصفته رداً – هو صدى وجواب – على الثورة الفرنسية التي بشرت بالحداثة. ولهذا فقد توحد مصير الفن الحديث مع فكرة الثورة.
القسم الاول من هذا الكتاب يتضمن ثلاثة مقالات، ناقشت الاولى اصول "القصيدة الشاملة" وهذا شكل شعري كانت له فرصة كبيرة في القرن العشرين. ولا يعني هذا ان افضل القصائد هي الطويلة بل قد يكون العكس هو الاقرب الى الحقيقة. فاتلركيز الذي قد يوجد في قصيدة الثلاثة ابيات او الأربعة كثيراً ما ينجح في اختراق جدار الزمن. ولكن القصائد الطويلة – قصائد ت. س إليوت وسان جون بيرس وجوان (خوان) رامون جيمينيز، يتتوقف عندها الكاتب كثلاث امثلة معروقة جيداً – كانت التعبير عن عصرنا وقد تركت بصمتها عليه. اما المقال الثاني فقد عالج مسألة الشعر الحديث ونهاية تراث الانقطاع المفاجئ. اما الثالثة فهي تأمل موجز للعلاقة الغامضة والتعيسة أيضاً بين الشعر والثورة.
اما القسم الثاني من الكتاب فيتفحص وظيفة الشعر في المجتمع المعاصر. وينتهي الكاتب إلى سؤال، مالذي ستكون عليه مكانة الشعر في الايام القادمة؟ تاركاً لنا الجواب " الذي هو أكثر من توصيف وأقل من نبوءة " هو نوع من الايمان وهذه الصفحات التي يضمها الكتاب هي ببساطة تنويع – لكنه مختلف – على الدفاع عن الشعر الذي كان الشعراء يقومون به دون كلل منذ اكثر من قرنين.