السخرية من الألم والخراب في   القصة القصيرة الروسية الساخرة

السخرية من الألم والخراب في القصة القصيرة الروسية الساخرة

حين تلامس الجرح، وتظهر العيب وانت ترسم الابتسامة على وجه القارئ باستخدام الفاظ تجعله يضحك فأنت تسخر... وحين يضحك الموجوع من ألمه ويعيش واقعه بضحكة تخفف عنه آلامه ويضع حلولاً ولو بالاحلام فهو يسخر... وحين نعبر عن حالة رفض للواقع دون الاصطدام أو خلق مواجهة مباشرة مع السلطة فنحن نسخر..!

مجموعة قصص لمجموعة من المؤلفين اجتمعوا في كتاب واحد " القصة القصيرة الروسية الساخرة" صدر عن مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون، ترجمة د. نوار عيون السود.
وقد عرّف احد علماء النفس السخرية بأنها " سلاح ذاتي يستخدمه الفرد للدفاع عن جبهته الداخلية ضد الخواء والجنون المطبق، إذ أن السخرية رغم هذا الامتلاء الظاهر بالمرح والضحك والبشاشة إلا انها تخفي خلفها أنهاراً من الدموع."
والأدب الساخر فن له أصوله وقواعده الكتابية. فمن حيث المضمون يتسع الأدب الساخر لنقد أي موضوع من مواضيع الحياة العامة والخاصة، كالمواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. فمجاله واسع بلا حدود. والسخرية فن شعبي، قريب من الجماهير ومواضيعها من صميم حياتهم وهمومهم واهتماماتهم، وانها سلاح الضعيف في مواجهة الطغاة والنفاق والفساد ومن حيث عناصره الفنية والشكلية يتميز الأدب الساخر بالعناصر التالية:
كسر ظاهرة اللفظ وتكثيفه باستخدام لغة غير تقليدية، مجازية، مزدوجة المعنى تبعث على الطرافة، بحيث تتحول الكلمة إلى حركة مع مراعاة السلاسة والوضوح، إضافة الى القدرة على التخيل وطرح المغزى بين سطور الموضوع بعيداً عن المباشرة في الطرح، والالغاز المؤدي إلى إثارة تفكير القارئ وحدسه ودفعه لإدراك الفكرة بعيداً عن طرحها المباشر.
وتضخيم العيوب وجوانب الضعف التي يسخر منها الكاتب بتهكم لاذع يتحاشى التهجم والتعرض للاشخاص بالسب أو الشتم أو القذف والقدح، فهذا يدخل في باب الاستهزاء وليس الادب الساخر.
واستخدام النقائض والمفارقات والمتضادات، فقد نضحك من الألم حين يصل الجرح إلى اقصى مداه، واخيراً بث عناصر التشويق باقتباس قصة خفيفة معروفة أو مثل شعبي أو بيت من الشعر.
ثمة علامة فارقة تميز الآداب العامة، والأدب الروسي خاصة. وهي ازدهار الأدب الساخر أو ما يمكن أن ندعوه مجازاً بـ " أدب العدسة المكبرة " في المراحل الانتقالية الصعبة التي يمر بها هذا المجتمع أو ذاك. وهذه ظاهرة طبيعية ايجابية. فمن الملاحظ في الآداب عامة، أن ازدهار السخرية والفكاهة وانتشار التورية والعبارات القارضة والتلميحية والمبالغة يتزامن أكثر ما يتزامن مع مراحل التحولات الثورية والتغيرات الاجتماعية الكبيرة والانتقال من نظام اجتماعي – سياسي إلى نظام آخر. ولم يشذ الأدب الروسي عن هذه القاعدة. فقد ازدهر الادب الروسي الساخر والقصة الروسية القصيرة الساخرة تحديداً، وانتشر انتشاراً واسعاً في السنوات العشر الأولى التي اعقبت ثورة اكتوبر 1917، وفي اعقاب " البيريسترويكا " وانهيار الاتحاد السوفييتي في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وتعد هذه الفترات الزمنية المذكورة بحق (العشرينات والثمانينات والتسعينات من القرن العشرين والعقد الأول من القرد الحادي والعشرين) من الفترات النادرة والفريدة في مجال الادب الساخر والقصة الروسية القصيرة الساخرة والانتقادية الفكاهية.
ولعل اصدق دليل على ازدهار هذا الأدب الساخر في المراحل المذكورة، صدور الاعداد الكبيرة في المجلات الساخرة والفكاهية فيها. ورغم انتشار الأدب الساخر في الأجناس الأدبية المختلفة (الرواية، المسرحية، القصة، القصة القصيرة... إلخ) لكنه كان أكثر انتشاراً وتركيزاً من أدب القصة القصيرة.
لقد اختيرت هذه المجموعة من القصص من أفضل نماذج القصص الروسية القصيرة الساخرة والفكاهية، الأقرب إلى فهم القارئ العربي لأبرز الكتاب الروس الساخرين في العشرينات والثلاثينات وهم: ميخائيل زوشينكو، بوريس سمسونوف، ليبيديف – كوماتش، ليف نيكولين، سيرغي زاياتسكي، وغيرهم كثيرون.