الفتاة التي ستحكم بريطانيا

الفتاة التي ستحكم بريطانيا

يقول المؤرخ الكبير غميل لودفيج: إن ازهى عصور بريطانيا هي العصور التي تولت فيها عرشها النساء!
وهذا الرأي يعجب النساء ويرضيهن، ولكن اذا عرفن السبب غضبن وسخطن! والسبب في هذا هو انه عندما تملك النساء يكون الرجال هم الحاكمون الفعليون، اما عندما يملك الرجال فتكون النساء هن اصحاب الكلمة العليا..!

ولنعد الى التاريخ..
تولت"الملكة فيكتوريا"عرش بريطانيا بعد ان قهر الانجليز اكبر قائد عرفه التاريخ وهو نابليون بونابرت، فصارت لبريطانيا المكانة السياسية والاقتصادية الأولى بين دول العالم جميعا – كذلك سوف تتولى الاميرة اليزابث في عصر ينظر فيه العالم نظرة التقدير والاكبار لبريطانيا التي قهرت اقوى اداة حربية واخطر هيئة سياسية عرفتها الدنيا وهي المانيا الهتلرية.
وهكذا ترى ملكات بريطانيا موفقات دائما.. فهن لا يتولين العرش إلا بعد ان تنتهي الحروب ويستتب السلام، وينصرف الناس الى التعمير والانشاء والاستمتاع بمباهج الحياة..
ولكن ملكة بريطانيا المقبلة تختلف عن جدتها"فيكتوريا"في طريقة تربيتها وتنشئتها.. فهذه نشأت في عصر لم يعترف للمرأة – ولو كانت اميرة او ملكة – بالحرية الكاملة اسوة بارجل تماماً.
فكانت تعيش في جناح من القصر يشبه تماما جناح الحريم في قصور السلاطين القدماء، حتى انها لم تجلس مع ابيها مرة واحدة، وحتى انها كانت تنام مع امها في غرفة واحدة الى ان تولت الملك، وكان اول مر اصدرته حين صارت امبراطورة بريطانيا هو: نقل فراشها من غرفة امها الى غرفة نوم خاصة بها!
أما الاميرة اليزابث فشأنها شأن فتيات عصرها: تحررت من التقاليد البالية وخرجت الى الحياة الحرة الطليقة، فهي تجيد ركوب الخيل والسباحة، وقيادة السيارات، وتتعلم الان قيادة الطائرات. وقد جاء في البرقيات الاخيرة انها تطوعت سائقة لاحدى لوريات الجيش البريطاني، التي تحمل الفتيات المجندات!
وقد ساهمت الاميرة في مجهود بريطانيا الحربي اسوة بسائر فتيات بريطانيا ونسائها، فتطوعت في فرق الاسعاف، وفرق التمريض، وفرق الترفيه عن الاطفال، وفي اعمال الدفاع المدني.
ومع ان والديها عنيا بتعليمها ما يجب ان تتعلمه امبراطورة المستقبل من اللغات فصارت تتكلم الالمانية والفرنسية كاحدى بناتهما المنفقات، فضلا عن دراسة حافلة في التاريخ والسياسة والاجتماع توسع آفاق تفكيرها – فقد وجدت متسعا من الوقت لاشباع هواياتها الخاصة، فدرست الكهرباء حتى صارت مهندسة كهربائية بارعة!
وقد ورثت الاميرة عن امها حبها للموسيقى والغناء، وملكة بريطانيا من اسرة موهوبة في فن الموسيقى وان كانت مكانتها الاجتماعية تحول بين افرادها وبين العزف والغناء امام الجماهير.
وقد اسندت الى الاميرة رئاسة الكلية الملكية للموسيقى اعترافا بنبوغها في هذا الفن الجميل. وكذلك تعلمت الاميرة فن الرقص وبرعت فيه، وتشترك هي واخواتها الاميرات في دروس راقصة خاصة تقام كل اسبوع في القصر ويدعى اليها بعض امراء البيت المالك الشبان.
وبدأ والدها بتدريبها على شؤون الملك التي ستتولاها يوما ما. فهو يطلعها على بعض ما يعرض له من امور الامبراطورية، ويبين لها وجهة نظره فيها، وما يجب على الملك اتخاذه بشانها وعندما ذهب جلالته الى شمال افريقيا منذ عامين، تولت عنه الاميرة بعض الشؤون الهامة تحت اشراف والدتها، مع انها لم تكن حينذاك قد بلغت سن الرشد السياسي، فقد ولدت في 21 ابريل سنة 1926.
فهي الان في التاسعة عشرة من عمرها، وقد احتفل بذلك يوم السبت الماضي، وكان الاحتفال بسيطا اقتصر على اطلاق المدافع ودق اجراس الكنائس الكبرى في بريطانيا.. ذلك ان جلالة ملك بريطانيا رأى منذ قيام الحرب الا تستنفذ شؤون الاسرة المالكة شيئاً من مجهود الشعب او الحكومة الذي يكرس كله لكسب الحرب وتحقيق النصر.
وقد قالت ملكة بريطانيا ذات مرة: إن ابنتها اليزابث لا تملك سوى ثوبين اثنين للسهرة.. وهما ليسا جديدين.. بل كانا من اثواب والدتها ثم اصلحتهما وجعلتهما وفق قوامها!
ولعل هذا ابلغ دليل على ان عرش بريطانيا تحمل من التضحية والارهاق طوال هذه الحرب مثلما تحملت كل اسرة انجليزية مهما كانت مكانتها.
وسوف تؤدي هذه الفتاة الناشئة دورا خطيرا في حياة العالم المستقبلة، فان الناس يظنون ان عرش بريطانيا يملك ولا يحكم ولكن الواقع ان هذا العرش يتولى اكبر مهمة في الامبراطورية البريطانية، فهو الذي يجمع اجزاءها المتفرقة النائية في وحدة واحدة، حتى لقد قالوا: ان ملك بريطانيا هو سبعة ملوك في جسم ملك واحد. وان تاج بريطانيا هو سبعة تيجان فوق رأس واحد.. وهكذا تكون الاميرة اليزابث ذات يوم سبع ملكات في ملكة واحدة تحمل فوق رأسها الجميل وجبينها المشرق سبعة تيجان مجتمعة في تاج واحد!

الأثنين والدنيا /نيسان- 1945