شابلن.. الاصل والصورة

شابلن.. الاصل والصورة

هذا العام تمر الذكرى الـ128 لميلاد الفنان الكوميدي العالمي شارلي شابلن (1889-1977) ، وشابلن هو الإنسان الذي انتزع أكبر قدر من الضحكات الصاخبة من أفواه البشر، وأضحك -وما يزال- كما يقال "الجدود والآباء والأبناء والأحفاد" وسيظل الملايين يضحكون مستقبلا كلما شاهدوه بثيابه الغريبة المتناقضة، وحذائه المثقوب، وعصاه الشهيرة، وهو يجري هنا وهناك هروبا من بطش مطارد له بحجم الفيل أو شرطي همجي، أو وهو يرتكب الأخطاء بلا حساب أثناء عمله أو سيره أو حتى جلوسه.

وعلى قدر ما أضحك شابلن البشر حتى الثمالة، فإنه كان في الحقيقة يسخر وينتقم من سنوات البؤس الشديد التي عاشها في صباه مع أمه المجنونة وأبيه السكير، وهي مرحلة زمنية انضوت ضمن العصر الفيكتوري الذي بلغ فيها الغنى والفقر الحدود القصوى.
في تلك المرحلة اجتمع لأسرة شابلن كل أنواع الفقر والجوع والتشرد، والحياة في ملجأ الأيتام، والنوم في الشوارع، وبيع الثياب وما تبقى من الأثاث الحقيرة لتوفير قيمة الطعام الضروري للحياة، وصولا إلى ترك المدرسة قبل تعلم القراءة، والعمل في مهن حقيرة حتى وضع قدميه على بداية طريق الفن عندما عمل ممثلا لأدوار الحيوانات الصغيرة لاستدرار الضحكات.. والبنسات.
من المفارقات أن شابلن عندما أنتج أعظم أفلامه الكوميدية ضد الفقر والجوع والتشرد كان مليونيرا ورجل أعمال ثريا منغمسا في عالم النجوم والمشاهير ومندمجا في ترفهم وحفلاتهم الفارهة، على عكس ما يصوره على الشاشة الفضية من حياة الفقراء والمشردين. ويبدو أنه حسم أمره بأنه نال ما يكفيه من الجوع والتشرد، وقد حان وقت الانتقام واستثمار حياته البائسة الماضية على شكل ضحكات وابتسامات ينتزعها من جمهور المشاهدين ومعها دولاراتهم!
وكتب شابلن رأيه صريحا في الفقر أنه عدو لإنسانية الإنسان، فلا يوجد فقير يحن إلى الفقر، ولا الفقر يمكن أن يكون جذابا، أو معلما للقيم بقدر ما هو وسيلة لتشويه الجميل من الحياة والقيم.
ويعترف بأن الثروة والشهرة وليس الفقر هما ما علمه أن يرى العالم على صورته الصحيحة، ويكتشف الزيف في المحيطين حوله من رجال المجتمع والعائلات الشهيرة، على عكس ما يفعله الفقر الذي يجعل الفقراء يبالغون في تقدير فضائل ومحاسن الأغنياء والطبقات الراقية.
الظريف أن الصورة الشهيرة التي كان يظهر بها شابلن في أفلامه لم تكن صورته الحقيقية، بل كانت مكياجا متقنا، حتى أن الجمهور المجنون به لم يكن يعرفه عندما كان يراه على صورته الحقيقية، ويروحون يبحثون عنه. كانوا يبحثون عن الفقير المتشرد ولم ينتبهوا أنه هو هذا الرجل الثري الأنيق الذي يقف بجوارهم.