مغامرة شارلي شابلن وصوفيا لورين السينمائية

مغامرة شارلي شابلن وصوفيا لورين السينمائية

محمد علوان جبر
بعد انتهائه من كتابة ونشر سيرته الذاتية بدأ شارلي شابلن في عام 1964 الاستعداد لاخراج فيلم ” كونتيسة من هونغ كونك “ الفيلم الذي قال عنه شابلن: ”لقد استلهمت قصة” كونتيسة من هونغ كونك” من رحلة قمت بها الي “شنغهاي” في عام 1931 وهي الرحلة التي اتاحت لي فرصة التعرف علي عدد من المهاجرين الروس الذين كانوا جميعهم من الارستقراطيين

الذين قد فقدوا كل شئ ابتداء من وطنهم …كانوا يعيشون حياة تعيسة فالرجال كانوا يعملون في جر عربات النقل باليد اما النساء فكن يكسبن قوتهن بالعمل في مجالسة الزبائن في المراقص الحقيرة.

وعندما انفجرت الحرب العالمية الثانية كان معظم هؤلاء الارستقراطيين قد قضوا نحبهم كان اولادهم قد انتقلوا الي هونغ كونك حيث لاقوا مصيرا اكثر بؤسا بسبب ازدحام المدينة باللاجئين… هذا هو الاطار الخلفي الذي استخدمته في فيلمي. وقد حاولت أخراج فيلم الكونتيسة باكثر الاساليب صرامة لاضفاء جو واقعي علي الموقف انه فليم كوميديا رومانسية ولكنه مع ذلك ليس من طراز عتيق فالرومانسية مازالت مطلوبة مثلها مثل الجنس والحب وعلم النفس فهي الشرط الضروري للانسانية وبدونها لاقيمة للحياة “….كان شابلن قد عاد الي الصين في عام 1936 بعد العرض الاول لفلم “العصور الحديثة” بصحبة الممثلة “بوليت غودار” حيث تزوجا في مدينة كانتون بسرية تامة. مكث الزوجان في هونغ كونك بعض الوقت ثم عادا الي سان فرانسيسكو….وفوق الباخرة التي استقلاها التقيا الشاعر/ السينمائي “جان كوكتو” الذي كان يقوم بجولة حول العالم كمراسل لصحيفة فرنسية. ويشير ابن شابلن الي أن اباه قضي في اعقاب تلك الرحلة عدة اسابيع في كتابة سيناريو خصيصا لبوليت غودار ضمنه دورا سينمائيا لها … وكان بطل القصة مليونيرا شابا يقوم برحلة سياحية في الصين، يلتقي خلالها بمهاجرة روسية بيضاء تعمل في مرقص، وتنشأ بينهما قصة حب. ويضيف ابن شابلن ” … لقد كتب ابي السيناريو واضعا في ذهنه اسناد بطولته الي الممثل ” غاري كوبر”، لشدة اعجابه به، لاكممثل جيد، وانما لانه لم يكن يحاول التمثيل. كان ابي متحمسا لهذا السيناريو ولكنه لم يستطع ان يمنع نفسه من كتابة سيناريو فيلم جديد عن هتلر …” ان الاحداث السياسية العاصفة بعد منتصف الثلاثينات دفعت شابلن الي الانشغال بفيلم ” الدكتاتور” وتخلي عن فيلمه ” الصيني ” بعد ثلاثين عاما قرر شابلن العودة الي المشروع، لكن كل شيء كان قد تغير …. شابلن انفصل عن غودار، و غاري كوبر في عالم الخلود، صورة العالم تغيرت كثيرا، لذا عمد شابلن الي ادخال الكثير من التعديلات علي القصة والسيناريو والشخصيات. جري تصوير الفيلم في استديوهات ” باين ود ” في لندن ومولته شركة ” يونيفر سال ” التي وفرت الامكانيات الهائلة لشابلن من اجل تحقيق المشروع. وتجدر الاشارة في هذا المجال، الي أن شابلن كان سيرفض تصوير فلمه في هونغ كونك او فوق سفينة حقيقية، إذ أعلن مرارا انه يحتاج دائما الي تصوير افلامه في الاستوديو، لان ذلك يتيح له فرصة كافية للتركيز. لم يسمح بزيارة البلاتوه سوي مرة لعدد قليل من الصحفيين والسينمائيين الذين أكدوا حرص شابلن كمخرج علي ادق التفاصيل، يتوتر احيانا لكنه في الوقت نفسه لطيف العشرة، يراقب كل صورة ويشرح بلا كلل ما يريده من العاملين معه. بلغ مجموع الفترة التي عملتها “صوفيا لورين” مع شابلن اربعة عشر اسبوعا، اضطرت خلالها للسفر الي مدينة “كان” لبعض الوقت في مايس 1966 للاشتراك في عضوية تحكيم المهرجان. وقد منعتها ظروف حملها عن حضور العرض الاول للفيلم في باريس، وبعثت برقية الي المخرج قالت فيها:”كنت اعتقد انني علي علم بكل ما يتعلق بمهنة التمثيل، لكنك علمتني كل شئ …. كنت اعتقد انني ممثلة جيدة، ولكني في واقع الامر كنت اكتفي بالظهور وتخليص نفسي بالامكانيات التي تتيحها لي بعض الخبرة، لقد علمتني فن التمثيل بجسمي وروحي وقلبي. ولكني كنت في الواقع فتاة صغيرة… واليوم بدأت ادرك تماما ماهو الدور الجيد… لقد عشت خلال ثلاثة اشهر تحت سحر لايمكن وصفه “… اختار شابلن لندن مقرا للعرض العالمي الاول لفيلمه، في سينما _كارلتون_ في 1967/9/5 بحضور الكسندرا دوقة كنت. وقد شهد شابلن العرض مع زوجته وثمانية من اولاده، وبدا مبتسما… ومع ذلك فقد سئل لماذا يبدو متوترا، ورد شابلن بعبارة من فيلمه “مسيو فيردو”:” انني اشعر وكانني انتظر وضع راسي تحت المقلصة وكل شيء علي مايرام طالما ان سكين المقصلة لم تسقط بعد …”. لقد سقط السكين في نفس تلك الليلة، وصدرت الصحف البريطانية في اليوم التالي بعنوان اكبر فشل لشابلن”…. إذ اجمع نقاد الصحف اليومية، من اليمين الي اليسار، علي مواجهة الفيلم…. وكان عنوان احداها” شارلو في البحر “، اما صحيفة “ديلي ميرور” فقد صدرت بعنوان” امر مؤسف:اين اختفي شابلن؟”.ولاشك ان “فليكس بارك” كان يعبر عن اراء اغلبية النقاد البريطانيين حينما فسر هذا الحكم بالاعدام بقوله في احدي الصحف قائلا:” ظننت لمدة ساعتين اني عدت الى عام 1930…. وقد يمكن ان تكون العودة في تلك المدة شيئا ساحرا لولا التكنيك المستخدم، فهو ايضا تكنيك تلك السنة…. انه عمل انجزه رجل كان مخرجا عبقريا، لكنه لم يعرف طريق التطوير مع وسيلة التعبير التي استخدمها.” والحقيقة، انه لايمكن انكار الحقيقة ان السيناريو المكتوب في سنة 1937 يحمل بعض بصمات الثلاثينات رغم التعديلات الكثيرة التي ادخلت عليه بعد ذلك… وتحذو حبكته حذو الافلام الكوميدية الامريكية الخفيفة التي حدد المخرج “فرانك كابر” شكلها في فيلم “حدث ذات ليلة” عام 1934.لقد عالج اكثر من عشرين أو ثلاثين فيلما بعد ذلك نفس الدقيقة ويكشفان انهما وقعا في حب بعضهما قبل النهاية السعيدة بقليل ويتم الزواج حيث ان احدهما بالضرورة من اصحاب الملايين. ويمكن تلخيص سيناريو اخر افلام شابلن علي الوجه التالي:عندما يغادر دبلوماسي امريكي مليونير (مارلون براندو) مدينة هونغ كونك، يكتشف في دولاب غرفته _علي ظهر الباخرة_ وجود كونتيسة روسية (صوفيا لورين)، لاتحمل جواز سفر وتسعي الي الهروب من المدينة ومن مهنة الدعارة…. ويفكر الدبلوماسي في الابلاغ عنها لكنه يعدل علي ذلك ويقرر اخفاءها، ليكتشف بعد ذلك سلسلة من مواقف سوء التفاهم أنه يحبها … وفي النهاية يهجر زوجته وعمله ويقرر العيش مع تلك الكونتيسة الجذابة التي كانت تجالس الزبائن في ملهي حقير.
بعد اسبوع من العرض المأساوي “في لندن، عرض فيلم “الكونتيسة” في دار اوبرا باريس في حفل كبير. وقد بدا واضحا قبل بداية العرض، ان الفرنسيين يريدون رد الشأن للسينمائي العظيم الذي اهانتة الصحف البريطانية. لقد تجمهرت اعداد غفيرة من الناس امام باب المسرح لتحية شابلن وعائلته، وعندما ظهر امام مقعد المقصورة تحت السقف الذي زينه برسومه الفنان “شاغال”، نهضت الصالة باكملها للترحيب به والهتاف له كانت بداية حماسية ومشجعة… وقد احس كل من تابع _مع شابلن_ رد فعل الجمهور خلال الدقائق العشرين الاولي بان المشاهدالاولية للفيلم استقبلت بأدب أو مجاملة، لكن عندما بدأت مواقف سوء التفاهم الكلاسيكية وتكررت كثيرا، وعندها شعر شابلن بأنه كسب جولة، إذ لم يكن التصفيق الحاد والطويل تحية للفيلم عند انتهائه، وأنما كان تصفيقا حماسيا وصادقا. لاحقا شاهد شابلن الفيلم في لندن مرة ثانية مع متفرجين عاديين…. هذه المرة، كانت ردة فعل الجمهور الحماسي بمثابة “انتقام من الحكم بالاعدام الذي اصدرته الصحف البريطانية بالاجماع ليلة الافتتاح.