افغانستان في عهد الملك محمد ظاهر شاه

افغانستان في عهد الملك محمد ظاهر شاه

رفعة عبد الرزاق محمد
في 17 تموز 1973 نجح السردار محمد داود خان المعروف بميله نحو الاتحاد السوفييتي بالاطاحة بالحكم الملكي في افغانستان بانقلاب عسكري مع مجموعة من الضباط منهم قائد الجيش، منتهزا غياب ابن عمه الملك محمد ظاهر شاه وذهابه برحلة استجمام في ايطاليا. وقد اعلن محمد داود خان نفسه رئيسا للجمهورية في اليوم التالي،

وبعد نحو شهر اعلن الملك المطاح به تنازله عن العرش، لينتهي عهد مهم من تاريخ افغانستان، بدأ منذ ان اعلنت البلاد استقلالها واعلان النظام الملكي فيها سنة 1921.
ومن فترات العهد الملكي في افغانستان كانت تولي محمد ظاهر شاه العرش بعد وفاة والده محمد نادر شاه سنة 1933. واستمرت لنحو اربعة واربعين عاما، وكانت فترة ذهبية في تاريخ هذا البلد الذي شهد صراعات سياسية وقبلية ودينية تخللتها حروب مسلحة بين المتصارعين. وقد شهد عهد هذا الملك تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية تزامنت مع فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وسعي كل منهما للاستحواذ على مناطق النفوذ. وكان عهد هذا الملك بكل ما تضمنه من صعود ونزول موضوع الرسالة الجامعية للدكتورة مي فاضل مجيد الربيعي. وقد صدرت عن دار الحكمة في لندن سنة 2017. وهي من الرسائل الجديرة بالتقدير والتنويه، الدالة على ان الكثير من الرسائل العلمية المقدمة للجامعات العراقية بذل في انجازها جهد علمي كبير، وتعاون معدها مع المشرف عليها لتقديم بحث متكامل اعتمد على مختلف المصادر والمراجع والوثائق المتنوعة.
استهلت الباحثة القديرة كتابها بمقدمة عرفت بها بما انجزته، والسبب في اختيار هذا الموضوع الشائك والتفصيلي، ومما قالته: ان افغانستان جسر غريب، وبلد شاءت الظروف ان تحركه الاقدار، لان طبيعته الجبلية ووديانه شبه المغلقة على نفسها بالقمم العالية، ومناخه القاري القاسي جعلته نموذجا لذلك.فهو معزول وعازل مطروق ولكن بشروط، اهمها التوافق مع اهل البلاد، وموقع البلاد في وسط اسيا على هضبة مرتفعة تطل على شبه القارة الهندية وعلى القوقاز والصين وايران، وامتلاكه حدودا جغرافية مهمة تحدد كلا من الاتحاد السوفييتي (السابق)، وشبه القارة الهندية جعله محط اطماع القوى الكبرى التي تصارعت للاستحواذ على مناطق النفوذ فيه عبر مراحل التاريخ، مرة باستخدام الوسائل الدبلوماسية واخرى بالسبل العسكرية مما زاد من اهمية التطورات السياسية والعسكرية التي مرت بها المنطقة.
اعلنت بريطانيا استقلال افغانستان سنة 1919 وتم عقد معاهدة الصداقة مع الاتحاد السوفييتي في شباط 1921 التي تعد انتصارا سياسيا لافغانستان لما حصلت عليه من امتيازات اقتصادية مختلفة. وبدأ العهد الجديد لافغانستان بتولي الامير امان الله الحكم الملكي وقيامه بالعديد من حركات التجديد والاصلاح لتحديث افغانستان التي كلفته عرشه على الرغم من دوره التاريخي في استقلال بلاده،اذ امتدت الثورة التي قادها رؤساء القبائل ورجال الدين الى العاصمة كابول فاضطر الى التنازل عن العرش سنة 1928 لاخيه الاكبر عناية الله. غير ان انتشار الثورة في جميع انحاء البلاد وانتشار الفوضى والاضطراب ادى الى استيلاء احد الثوار الطاجيك (سقا باشا) على الحكم. ولم يستطع الحاكم الجديد من انهاء حالة الفوضى والارتباك السياسي وسيطرة رجال الدين ورؤساء القبائل ومحاولة الملك السابق امان الله اعادة عرشه، حتى تمكن وزير الحربية السابق محمد نادر خان مع انصاره وحلفائه من الزحف نحو العاصمة كابل ودخولهافي تشرين الاول 1929 والقاء القبض على سقا باشا واعدامه، ومن ثم اعلان توليه عرش البلاد.
امتد حكم محمد نادر شاه حتى اغتياله باطلاق النار عليه في تشرين الثاني 1933 على يد ابن احد الشخصيات المعارضة التي اعدمها الملك. وتولى نجله محمد ظاهر شاه الحكم في الثامن من تشرين الثاني 1933، الا انه كان صغير العمر ولم يمر بعد بتجارب سياسية فتولى اعمامه محمد هاشم خان وشاه محمود خان الهيمنة على مقدرات البلاد وادارة الحياة السياسية، اذ استمر محمد هاشم خان رئيسا للوزراء من عام 1933 حتى عام 1946 كما ان اخاه استمر رئيسا للوزراء من بعده الى سنة 1953.وتقول الباحثة:
ان فترة تولي اعمام الملك محمد ظاهر شاه للحكم تعد نهاية لحكم الاخوان المصاحبين التي استمرت ربع قرن كانت حافلة بالمنجزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكان دور الملك ضعيفا في الحياة السياسية اذ لم يظهر الا في المناسبات الوطنية. شعر الملك بعد ذلك بضرورة اجراء تغيير حكومي وحكم البلاد بنفسه بمساعدة ابن عمه السردار محمد داود خان الذي كلفه بتشكيل الوزارة في ايلول 1953، وهو نفسه الذي قاد الانقلاب الذي اطاح بالحكم الملكي بعد عشرين عاما.ويمكن ان نعد هذا الفترة الثانية من تاريخ افغانستان السياسي في عهد الملك محمد ظاهر شاه.
في الفترة الثانية التي تكرست فيها مظاهر النشاط السياسي وتبلورت الاتجاهات والافكار وظهرت الاحزاب السياسية وبرزت الحركة الوطنية. وقد تولى رئاسة الوزراء عدد من الشخصيات المهمة مثل محمد داود خان الذي تولى المسؤولية عشر سنوات 1953 ــ1963 الذي تميز حكمه باعلان الخطة الخمسية للبلاد لمرتين، والدكتور محمد يوسف (خريج المانيا في الفيزياء) الذي تولى رئاسة الوزراء لسنتين شهدتا انبثاق دستور 1964 والانتخابات النيابية في السنة التالية، ومحمد هاشم الصحفي والدبلوماسي 1965 ـ 1967، ونور اعتمادي1967 ــ 1971، والدكتور عبد الظاهر 1971 ــ 1972، الذي تفاقمت في عهده حركة المعارضة ،وفترة محمد موسى شفيق التي انتهت بوقوع الانقلاب العسكري وانتهاء العهد الملكي في افغانستان.
ان عهد محمد ظاهر شاه في افغانستان مليء بالعبر ومثال على تصادم الافكار والمصالح في بلد شهد تاريخا مثيرا من الصراعات السياسية والاجتماعية وتدخل القوى الاجنبية في تطور احداثه لما يحمله من خطورة جغرافية جسيمة، واعتقد ان الكتاب جاء مستوفيا لبيان تلك التطورات وفق منهج علمي اعتمد الكثير من المصادر والمراجع والوثائق النادرة بمختلف اللغات.