شكر حاجم الصالحي
لولا جذوة الأمل التي يوقدها في نفوس محبيها , لقرأنا على السينما السلام ولقلنا ان العراق الذي شهد افتتاح اول دار عرض للسينما في بغداد في منتصف القرن الماضي , يعيش اليوم بلا دار واحدة للسينما بفضل التدمير الممنهج لمراكز العلم و الثقافة و المعرفة التي يسعى لتكريسها الظلاميون اعداء الحياة و التقدم ,
ولكن اصراره على تذكيرنا باهميتها ودورها الفاعل في تعمييق وعي الناس والارتقاء باذواقهم من خلال منبره الاسبوعي (الخميس) نسبة الى يوم الخميس , الذي يواصل نشره عبر صحيفة المدى العراقية , جعلنا ننظر الى الكأس بنصفها الممتلئ ولا ننظر الى النصف الآخر , هكذا هو اصرار الصديق علاء المفرجي الذي بقي وحيداً في ساحة النقد السينمائي , يضيء فنونها ويعرض أحد أفلامها ويتابع مهرجاناتها المحلية والعربية , بعد أن تباعد نقد الصديق كاظم مرشد السلوم وتوقف قلم المؤرخ السينمائي مهدي عباس عن هذا الميدان الحيوي , وتوقفت زوايا وصفحات كانت تملأ حياتنا الفنية حضوراً وفاعلية , فلا (مقعد امام الشاشة الصغيرة) للزميل الدكتور مجيد السامرائي ولا مجلة للسينما و المسرح ولا أخرى للاذاعة و التلفزيون.. ولا دور عرض سينمائية من اقصى الوطن الى اقصاه بعد أن تحولت اماكنها الى ورش صناعية و اسواق تجارية..........
ضمن هذه الاجواء القائمة يتحفنا المفرجي علاء بدفقة الجمال والنور باصداره كتابه الأول ــ كلا كيت ــ مقالات في السينما , ليعيد للسينما الروح و ليجعلنا نبتهج معه احتفاءً بهذا الأصدار الانيق الذي يأتي في ظرف نحتاج فيه الى اشاعة جمال الحياة و فنونها الجميلة في يباس هذا الزمن العاهر..
كلا كيت ــ مقالات في السينما (190 صفحة) للصديق علاء المرجي , احتوى على مقدمة كاشفة عن بدايات اهتمامات المفرجي بهذا الفن الراقي , و ثلاثة مباحث هي.. كلاكيت ص 14 ــ ص 86
.. افلام عراقية بعد 2003 (ص 87 ت ص 120)
.. مقالات في السينما (ص 121 ــ 187)
وبهذه الحصيلة نكون قد قرأنا (62) صفحة ــ كلاكيت , و (43) صفحة عن افلام عراقية بعد 2003 , (66) صفحة عن مقالات عن السينما , وبهذا يتضح لنا ان الافلام العراقية في الفترة المشار إليها , لم تكن بتلك الضخامة العددية التي تستدرج الناقد لفحصها و متابعتها , فهي افلام محكومة بظروفها الانتاجية وقلة العاملين في تجسيدها وغياب دور العرض الملائمة لتقديمها الى جمهورها الواسع , في حين نجد ان المبحثين الآخرين قد نالا اهتماماً أوسع بالتنظير لفنون السينما واضاءة وكشف العديد من الافلام العربية والاجنبية التي حظيت باهتمام الصديق المفرجي باعتباره ناقداً متخصصاً وصحفياً متابعا من خلال منبره الاسبوعي. ومن هنا نستطيع ان نلمس حجم ما تعانيه السينما العراقية بعد 2003 م , من ظروف انتاجية و تنفيذية عصيبة ازاء النظرة القاصرة لها.
يقول علاء المفرجي في مقدمته (يوميات مرتاد سينما):
السينما كلمة تتفتح على عوالم البهجة و الحزن , الفوضى والانسجام الحب واللاحب تماماً مثل كالفينو في احساسه ان ما يشاهده على الشاشة فقط هو الذي يمتلك المميزات المطلوبة من العالم: الامتلاء , الضرورة , الانسجام , واحلام اليقظة.ببساطة ملاذ مصطنع تشاغلنا به الحياة.. طفل يحث الخطى في ازقة الكرخ صوب قاعة سينما قدري ــ ستتحول فيما بعد وبقرار (ثوري) الى سينما بغداد , والتي تحتضن عتمتها هذه المرة نزالاً غير متكافئ بين بطليه المفضلين انتوني كوين وكيرك دوغلاس في محطة قطار مهجورة , هو نفسه من سيلج قاعتها بعد سنوات متأبطاً كتاباً أحمر ليشاهد تراجيديا (ساكو وفانزيتي) على ايقاع التصفيق وزهو الشعارات..
ومن فضيلة هذه المقدمة الجميلة ان اشارت بسطورها الى بدايات السينما في العراق , و يذكر المفرجي دور المؤسسين الاوائل بشيء من الاشادة والتقدير , وهو بهذا ينصفهم بقوله الحق:
فإن يهود بغداد هم من أسهم في دخول السينما الى العراق , عندما نظم تاجر يهودي عراقي أول عرض سينمائي عام 1909 م , قبل تأسيس الدولة العراقية بأكثر من عقد من الزمن في دار الشفاء بالكرخ , وان اول دار عرض سينمائي بناها يهودي عراقي هو (بلوكي) وحملت اسمه أبان الحكم العثماني. وهي الخطوة التي تعزرت بعد تأسيس الدولة العراقية , في اوائل العقد الثالث من القرن المنصرم فكانت سينما سنترال ورويال والرشيد و الزوراء و غيرها...
ويستعرض المفرجي في مقدمته هذه اهم دور العرض السينمائي انذاك , و تخصص كل واحدة منها في عرض افلام معنية كما يشير الى دور المركز الثقافي الفرنسي و السوفيتي و البريطاني , كما يقدم المفرجي جرداً بالافلام العراقية المنتجة مثل افلام: القاهرة ــ بغداد , من المسؤول , الجابي , عروس الفرات , المنعطف , و يختتم المفرجي خلاصته بحقيقة مفادها:
نخلص الى ان بغداد لم تكن كمكان وحدث موضوعاً لفيلم عراقي على الطريقة التي استعرضنا بها افلاماً لمدن حملت تواقيع مخرجين كبار.
ومع هذا الجهد الكبير الذي بذله المفرجي في مقدمته و تذكيرنا بنماذج ما انتجته السينما العراقية في سنوات زهوها إلا انه تحاشى الاشارة الى العديد من الافلام العراقية التي مازالت في ذاكرة الاجيال الغابرة كــ افلام بيوت في ذلك الزقاق , الظامئون , افترض نفسك بعيداً... الخ...
ولكي لا أفسد متعة القراءة على القارئ النابه في هذا العرض المبتسر سأضع امام عينيه عنوانات مبحث المفرجي (افلام عراقية بعد 2003) , ليذهب بنفسه للبحث عنها والاطلاع على ما فيها من خلال اقتناء و قراءة كلا كيت علاء المفرجي الذي اتاح بمجهوده هذا فرصة اكتشاف واقعنا السينمائي في مثل هذه الظروف التي نعاني فيها من اضطرابات بنيوية شائكة , و نأمل ان نكون قد قدمنا ولو بصورة قاصرة هذا الكتاب المهم الذي نتمنى ان يحظى بالاهتمام ولا نقول ان نضعه ضمن المناهج الدراسية لمدارسنا...
و هذه هي الافلام العراقية بعد 2003 م واللبيب يفهم:
.. الرحيل من بغداد ص 89
.. همس المدن ص 91
.. خيال ص 94
.. كل الطرق تؤدي الى الموسيقى ص 96
.. ابن بابل ــ ثلاثية الدراجي المقترحة ص 98
.. كنت هناك في بغداد ص 101
.. الجغرافية الحزينة في (اغاني الغائبين) ص 104
.. حفل الماني في حديقة باريسية ص 107
.. الجنابي وكوروساوا و فاكهة سيزان ص 109
.. عشر سنوات من حياتي ص 112
.. رحلة (قطن) مع الجوائز ص 117
وفي ختام هذا العرض أشد على يد الصديق المفرجي واتمنى له مواصلة الحفر والتنقيب للكشف عن كنوز وذخائر السينما العراقية باعتبارها فن الشعب الطامح الى غد أفضل وحياة لائقة ببني الانسان...
شـــكراً علاء المفرجي أيها المهووس بحب هـــذا الابداع الـــراقي.... ْْْْْْْْْْْْْ