عاشق الشيطان   الرابط القوي بين الجنس والعنف في العقل الذكوري

عاشق الشيطان الرابط القوي بين الجنس والعنف في العقل الذكوري

أوراق
إذا شئنا تجاوُز ظاهر المشكلات، على مختلف مستويات نقاشها، فإننا نكون أمام إحدى أعقد المشكلات وأصعبها، وهي مشكلة التخلِّي عن الصيغ والنماذج الفكرية المألوفة التي دَرَجْنا على استعمالها في حياتنا اليومية وفي حواراتنا الفكرية، مع أنفسنا أو مع الآخرين.

لا بدَّ من أن نشير، أولاً، إلى أن مشكلات الواقع ليست، في جوهرها، سوى مشكلاتنا نحن. فوعينا هو محدِّدها الأساسي؛ وبتصاعد هذا الوعي يمكن لنا اكتشاف مستويات أعلى للفهم، أي يمكن لنا المخاطرة بطرح نماذجنا الفكرية المحببة من معادلة الفهم واستضافة مفاهيم جديدة تُضاف، بدورها، إلى واقعنا اليومي وتساهم في تغييره.
أن كتاب "عاشق الشيطان" لـ روبن مورغان الصادر عن دار المدى، والذي ترجمه خالد حداد، هو كتاب يبحث في احدى أهم المشكلات العالمية، وهي مشكلة نالت من السجال والحوار المسمى بـ"حوار الديكة" والصراخ والتنديد ما نالت، وقليلا جدًّا ما تم تناوُلها خارج نطاق نتائجها. إنها مشكلة الإرهاب!
لا يمكن لنا، وقد طُرِحَ هذا "الوثن"، إلا أن نستذكر موقفًا خضنا فيه حوارا حول الموضوع، سواء على صعيد عام – وهو الأقل – يُعنى بالإرهاب العالمي كعامل محوريٍّ في سيرورة الدول وفي علاقاتها بعضها مع بعض ومع شعوبها، أو – وهو الأعم – على صعيد أضيق يُعنى بما هو ديني أو قومي أو محلِّي، مستخدمين، في حال فعاليتنا، أحد أكثر النماذج سهولة وخفة، وهو نموذج "الحل" الذي غالبا ما نكون مستعدين لطرحه تحت عناوين مختلفة يجمعها قاسمٌ مشترك مع الإرهاب ذاته.
لفهم هذا لا بدَّ من الإشارة إلى أن مفردة "الإرهاب" لم تتخذ صيغةً محددةً حتى الآن؛ وهو ما توضحه روبن مورغان في الفصل الأول المعنون بـ"سياسة الإنسان العادي: إضفاء الطابع الديموقراطي على العنف"، عبر مناقشة العديد من الطروحات النظرية الفكرية في المجالات السياسية والعسكرية والأدبية. فالإرهاب – "سياسية الملاذ الأخير" في أحد التوصيفات – ما يزال عائما ومباحا للاستخدام من قبل الجميع ضد الجميع!
تصل مورغان في تحليلها السابق إلى ما يشبه زلزلة فكرية، هي مبرِّر هذه المقدمة الطويلة المفردة للدخول إلى عوالم الكتاب فتقول: "إن الإرهابي هو التجسيد المنطقي للسياسة البطريركية في عالم تقني" – مما يعني وضع حضاراتنا الحالية، بكلِّ تاريخها ومنجزاتها وثقافتها وطموحاتها المستقبلية، موضع تساؤل عميق، توغلتْ فيه الكاتبةُ وناقشتْه، إحصائيًّا وسياسيًّا وفكريًّا وأدبيًّا وأسطوريًّا، وخرجت منه بما يشبه زلزلة فكرية أخرى عندما تكلمتْ على الصورة الجانبية الأخرى لبطل جوزف كامبل: البطل بألف وجه، مبينةً أن هذه الصورة ليست سوى صورة الإرهابي نفسه! وأعتقد أن في اختيار جوزيف كامبل أهميةً كبيرة: فبطله ينتمي إلى أرقى مستوى لمعايير التقييم الذكوري للبطل، الذي يمثل، بدوره، تكثيفًا مهمًّا لمختلف الآراء والأفكار والوقائع المرتبطة بالموضوع.
يقوم مفهوم البطل، كما نعرف، على فكرة القوة. وضمن منظومتنا الحضارية، التي يمثل فيها هذا البطل حلم كلِّ رجل وموضع شهوة كلِّ امرأة، يكون العنف حتميًّا بالضرورة. فالعنف "يظهر حين تكون القوة في خطر". والقوة في خطر دائم، كما يبين لنا التاريخ والحاضر، لأنها موضع منازعة بين السادة الرجال الذين يشكل "الإشباع" لديهم هاجسًا ملحًّا لا سبيل إلى مقاومته ولا سبيل إلى الظفر به.
تنقلنا مورغان في الفصل الثالث إلى استكمال دائرة القوة عبر الدين والفلسفة وعلم الجمال، مبينةً انحراف هذه العلوم الهامة عن طريقها الأساسي، المتمثل في السعي إلى إدراك معنى الحياة وجمالها، إلى تعميم "دعاية مسمومة صاغتْها المؤسَّسات البطريركية: الموت في سبيل الحب، ونكران الذات باعتباره أعلى درجات الخير".
لا يفوتنا هنا التطابق بين المنظومة الدينية ومنظومة القوة؛ كما لا يفوتنا التطابق الآخر الخاص بالمرأة: فالمرأة، أداة الشهوة ولعنة الرجل في المنظومة الدينية، هي هدف البطل وعائقه في آن. ويمكن لنا تتبُّع هذا التوزع الغريب لأدوار المرأة في أية ملحمة بطولية من العالم الأسطوري أو من عالم الواقع. وقد أجادت مورغان الكشفَ عن الرابط القوي بين الجنس والعنف في العقل الذكوري، كما أجادت تعريةَ لغة القوة، مبرزةً هيمنة فكرة الاختراق الذكورية على موضوع العنف والسياسة، لتأخذنا بعد ذلك، في استعراض ممتع للأدبيات الذكورية ومقارنتها مع الأدبيات الأنثوية القليلة التي تبحث في العلاقة بين العاطفة والعنف، إلى مقطع جليل يلخص الفارق بين ما هو قائم وما هو ممكن.