فيلم (حرامي بغداد).. طرائف وحقائق

فيلم (حرامي بغداد).. طرائف وحقائق

د. صباح الناصري
شـاهـدت عـنـدمـا كـنـت صـغـيـراً، فِـلـم “حـرامي بـغـداد” عـلى شـاشـة تـلـفـزيـون بـغـداد. وكـان الـتّـلـفـزيـون في ذلـك الـحـيـن بـالأبـيـض والأسـود، فـلـم نـكـن قـد رأيـنـا الـتّـلـفـزيـون الـمـلـوّن بـعـد.
وكـنـت أعـتـقـد أنّـه كـان الـفـلـم الـوحـيـد الّـذي اسـمـهThe Thief of Baghdad حـتّى عـرفـت بـعـد ذلـك أنّ هـنـاك أربـعـة أفـلام لـهـا نـفـس الإسـم أخـرجـت في سـنـوات 1924 و 1940 و 1961 و 1978،

مـا عـدا الـفـلـم الألـمـاني الّـذي أخـرج في 1952 كـصـيـغـة مـحـلـيـة لـفـلـم 1940، والـفـلـم الـهـنـدي الّـذي أخـرج في 1977…

ثـمّ شـاهـدتـهـا كـلّـهـا بـعـد ذلـك في نـوادي الـسّـيـنـمـا ومـكـتـبـات الأفـلام (الـسّـيـنـمـاتـيـك). ويـمـكـنـنـا الآن أن نـشـاهـدهـا في تـسـجـيـلات D.V.D. أو مـبـاشـرة عـلى الأنـتـرنـت.وكـلّ هـذه الأفـلام، كـمـا يـتـوقـع الـقـارئ الـعـزيـز ذلـك، سـاذجـة الـمـحـتـوى بـسـيـطـة الـعـرض، هـدفـهـا تـسـلـيـة الـمـشـاهـد ونـقـلـه إلى أجـواء غـريـبـة عـجـيـبـة، لا عـمـق فـيـهـا ولا ابـتـكـار رغـم الـنّـجـاح الـسّـاحـق الّـذي لاقـتـه.
وعـنـدمـا أقـرأ الـجـرائـد الـعـراقـيـة ألاحـظ أنّ الـكـتّـاب والـصّـحـفـيـيـن عـنـدمـا يـتـكـلّـمـون عـن “فـلـم” حـرامي بـغـداد لا يـذكـرون في الـحـقـيـقـة نـفـس الـفـلـم، فـهـم يـتـكـلّـمـون في الـغـالـب عـن الـثّـاني الّـذي أخـرج في 1940 ومـثّـلـه الـهـنـدي سـابـو Sabu، أو عـن الـثّـالـث الّـذي أخـرج في 1961 ومـثّـلـه سـتـيـف ريـفـز Steve Reeves..
وسـأعـرض بـسـرعـة في مـا يـلي مـحـتـوى الأفـلام الأربـعـة:

الـفـلـم الأوّل
فـلـم أمـريـكي بـالأبـيـض والأسـود، وهـو فـلـم صـامـت أي أنّ الأصـوات الـوحـيـدة فـيـه مـوسـيـقى خـلـفـيـة. وعـنـدمـا يـتـكـلّـم الـمـمـثـلـون تـظـهـر قـطـع مـكـتـوبـة عـلـيـهـا مـا يـقـولـون.
وقـصـة الـفـلـم لا أصـل لـهـا في حـكـايـات ألـف لـيـلـة ولـيـلـة وإنّـمـا هي تـقـلـيـد لـهـا كـتـبـهـا دوغـلاس فـيـربـانـكـس Douglas Fairbanks الّـذي كـان أشـهـر مـمـثـلي هـولـيـوود في ذلـك الـزّمـن.
وقـد مـثّـل هـو نـفـسـه دور الـحـرامي أحـمـد في الـفـلـم، وهـو الّـذي أنـتـج الـفـلـم أيـضـاً! وقـد اخـتـار لإخـراجـه راول ولـش Raoul Walsh..نـرى في بـدايـة الـفـلـم الـحـرامي أحـمـد يـسـرح في دروب بـغـداد ويـمـرح، ويـتـسـلى بـسـرقـة أثـريـائـهـا. ويـسـرق في أحـد الـمـشـاهـد حـبـلاً مـن سـاحـر ويـتـسـلّـق عـلـيـه إلى شـرفـة لـيـهـرب مـن مـطـاردة الـشّـرطـة ويـسـخـر مـنـهـم وهـم يـتـصـادمـون بـحـثـاً عـنـه في كـلّ الإتـجـاهـات.
وفي مـشـهـد آخـر يـتـسـلّـق شـجـرة. ومـن أعـلاهـا يـلـمـح الأمـيـرة بـنـت خـلـيـفـة بـغـداد في حـديـقـتـهـا، فـيـجـنّ بـهـا حـبّـاً. ويـتـسـلـل في الـلـيـل إلى داخـل الـقـصـر لـيـنـظـر إلـيـهـا غـارقـة في نـومـهـا، ويـدرك عـنـدهـا انّـه فـقـد حـريـتـه وسـقـط في أسـرهـا.وفي يـوم عـيـد مـيـلاد الأمـيـرة يـأتي ثـلاثـة مـن أكـثـر أمـراء الـدّنـيـا تـسـلـطـاً وثـراءً يـطـلـبـون يـدهـا مـن أبـيـهـا الـخـلـيـفـة: أمـيـر الـهـنـد وأمـيـر الـفـرس وأمـيـر الـمـغـول. ويـأتي أحـمـد أيـضـاً مـتـنـكّـراً في زي أمـيـر مـمـتـطـيـاً فـرسـاً.
وتـطـلـب الأمـيـرة مـهـلـة لـتـفـكّـر، ثـمّ تـأمـر أن يـأتي لـهـا كـلّ أمـيـر مـنـهـم بـأنـدر مـا في الـدّنـيـا مـن خـزائـن قـبـل أن تـمـضي سـبـعـة أقـمـار (سـبـعـة أشـهـر) وسـتـخـتـار مـن يـقـدّم لـهـا مـا لا مـثـيـل لـه ومـا لـم يـره أحـد مـن قـبـل.
وبـعـد مـغـامـرات طـويـلـة ومـخـاطـرات رهـيـبـة.يـعـود أحـمـد بـأنـدر مـا عـلى الأرض ويـتـزوّج بـالأمـيـرة، ويـحـلـقـان عـلى بـسـاط الـرّيـح فـوق بـغـداد.ولا يـمـكـنـنـا هـنـا إلّا أن نـشـيـد بـالـحـسّ الـجـمـالي لـدوغـلاس فـيـربـانـكـس الّـذي أشـرف عـلى ديـكـورات مـشـاهـد الـفـلـم، مـن إعـدادهـا بـرسـوم ألـوان مـائـيـة بـديـعـة إلى تـنـفـيـذهـا الـنّـهـائي الـشّـديـد الـجـمـال كـمـا في ديـكـورات مـديـنـة بـغـداد (الـخـيـالـيـة)وبـعـد الـنّـجـاح الـبـاهـر الّـذي لاقـاه الـفـلـم، صـدر كـتـاب يـدّعي أنّ كـاتـبـه هـو أحـمـد عـبـد الله Achmed Abdullah أي حـرامي بـغـداد. وأنّـه يـعـتـمـد عـلى نـصّ دوغـلاس فـيـربـانـكـس الـمـأخـوذ مـن ألـف لـيـلـة ولـيـلـة.
وقـد كـتـب الـنّـصّ في الـحـقـيـقـة إلـتـون تـومـاس Elton Thomas. كـمـا كـتـبـت لـوتـا وودز Lotta Woods تـلـخـيـصـاً لـه. واحـتـوى الـكـتـاب عـلى عـدد مـن الـصّـور الـمـأخـوذة مـن الـفـلـم.

الـفـلـم الـثّـاني
The Thief of Baghdad (1940):
فـلـم بـريـطـاني بـالألـوان أنـتـجـه الإسـكـنـدر كـوردة Alexander Korda وعـهـد بـإخـراجـه لـثـلاثـة مـخـرجـيـن: لـودفـيـغ بـرغـر Ludwig Berger ومـايـكـل بـويـلMicheal Powel وتـيـم ولان Tim Whelan..وقـد اخـتـار الإسـكـنـدر كـوردة مـوسـيـقـاراً مـجـريـاً مـشـهـوراً: مـيـكـلـوس روزسـا Miklos Rozsa لـيـؤلّـف مـوسـيـقى الـفـلـم. وقـد اشـتـهـرت هـذه الـمـوسـيـقى وصـدرت في أسـطـوانـات مـنـفـصـلـة يـمـكـن إيـجـادهـا عـنـد بـاعـة الأسـطـوانـات. ويـمـثّـل الـحـرامي في الـفِـلـم شـاب مـن أصـل هـنـدي كـان آنـذاك في الـسّـادسـة عـشـرة مـن عـمـره: سـابـو Sabu. وهـو الـفـلـم الّـذي شـاهـدنـاه في تـلـفـزيـون بـغـداد في مـنـتـصـف الـسّـتـيـنـيـات.
نـرى في بـدايـة الـفـلـم شـحـاذاً وكـلـبـه يـحـكي لـلـنّـاس قـصـتـه.ونـعـرف أنّـه الـمـلـك أحـمـد وأنّ وزيـره الـشّـريـر جـعـفـر كـان يـضـطـهـد الـنّـاس بـاسـمـه حـتّى أثـارهـم ضـدّه وأنـزلـه مـن الـعـرش لـيـأخـذ مـكـانـه بـعـد أن ألـقـاه في الـسّـجـن. وفي الـسّـجـن الـتـقي الـمـلـك أحـمـد بـحـرامي بـغـداد، واسـمـه في هـذا الـفـلـم أبـو Abu. ويـحـتـال أبـو عـلى الـحـرّاس ويـخـرج الـمـلـك أحـمـد مـن الـسّـجـن. ثـم يـذهـبـان إلى الـبـصـرة، ويـلـتـقي فـيـهـا الـمـلـك أحـمـد بـبـنـت سـلـطـان الـبـصـرة ويـعـشـقـهـا، ولـكـنّ الأقـدار تـبـعـده عـنـهـا.
ويـجـمـع الـمـلـك أحـمـد أنـصـاره ويـعـود إلى بـغـداد ويـسـتـرجـع عـرشـه بـمـسـاعـدة الـحـرامي الـصّـغـيـر ويـتـزوّج بـالأمـيـرة.ولـمـكـافـأة الـحـرامي أبـو، يـقـرر الـمـلـك أحـمـد أن يـرسـلـه إلى الـمـدرسـة لـيـتـعـلّـم ثـمّ يـجـعـلـه وزيـره، ولـكـن أبـو كـان يـكـره الـمـدرسـة ويـفـضـل أن يـركـب عـلى بـسـاط الـرّيـح ويـحـلّـق فـوق بـغـداد تـاركـاً الـمـديـنـة نـحـو مـغـامـرات جـديـدة.

الـفـلـم الـثّـالـث
فـلـم إيـطـالي عـنـوانـه الأصـلي بـالإيـطـالـيـة Il ladro di Bagdad، ولـكـنـه عـرض في بـغـداد بــنـسـخـتـه الأمـريـكـيـة. أخـرجـه أرتـور لـوبـيـن Arthur Lubin وبـرونـو فَـيـلاتي Bruno Vailati، ومـثّـل دور حـرامي بـغـداد فـيـه سـتـيـف ريـفـز Steve Reeves، الّـذي كـان مـمـثـلاً هـولـيـووديـاً شـديـد الـشّـهـرة في ذلـك الـزّمـن.
يـرى حـرامي بـغـداد (واسـمـه في هـذا الـفِـلـم كـريـم) الأمـيـرة أمـيـنـة فـيـفـقـد صـوابـه ويـجـنّ بـهـا حـبّـاً، ويـحـتـال لـلـقـائـهـا مـدعـيـاً أنّـه خـطـيـبـهـا الأمـيـر عـثـمـان الّـذي لـم تـكـن قـد رأتـه بـعـد. ولـكـنّ عـثـمـان يـصـل إلى بـغـداد وتـنـكـشـف الـخـدعـة.وقـد غـيّـرت الأمـيـرة رأيـهـا بـعـد أن رأت كـريـم، ومـاطـلـت في تـحـديـد يـوم زواجـهـا بـالأمـيـر عـثـمـان. ثـمّ اسـتـطـاعـت أن تـقـنـع أبـاهـا بـأن يـعـلـن أنّ مـن سـيـواجـه كـلّ الأخـطـار لـيـأتي لـلأمـيـرة بـوردة الأسـاطـيـر الـزّرقـاء سـيـتـزوجـهـا ويـصـبـح سـلـطـان بـغـداد. وبـعـد أن قـام الـحـرامي كـريـم بـأعـمـال بـطـولـيـة لا مـثـيـل لـهـا عـاد إلى بـغـداد وقـدّم وردة الأسـاطـيـر الـزّرقـاء لـلأمـيـرة. وهـكـذا تـزوّجـهـا وأصـبـح سـلـطـان بـغـداد.

الـفـلـم الـرّابـع
وهـو فـلـم أمـريـكي لـلـتّـلـفـزيـون أخـرجـه كـلـيـف دونـر Clive Donner،ومـثّـل الـحـرامي فـيـه رودي مـاكـدويـل Roddy McDowel.واسـم الـحـرامي في هـذا الـفِـلـم حـسـن.وهـو فـلـم لا يـسـتـحـق إضـاعـة سـاعـة ونـصـف في مـشـاهـدتـه. والـحـرامي حـسـن يـسـاعـد الأمـيـر تـاج ضـدّ سـاحـر شـريـر ويـتـزوّج بـالأمـيـرة يـاسـمـيـن.ولـم أذكـر هـنـا وبـسـرعـة إلّا أهـم مـا أخـرج مـن أفـلام عـن “حـرامي بـغـداد”، مـن غـيـر إشـارة إلى الإنـتـاجـات الـتّـلـفـزيـونـيـة أو إلى أفـلام الـرّسـوم الـمـتـحـرّكـة أو كـتـب الأطـفـال والـنّـاشـئـة أو إلى ألـبـومـات الـشّـرائـط الـمـرسـومـة (كـومـيـكـس).
ومـازال حـرامي بـغـداد يـشـغـل جـزءاً مـن الـمـخـيـلـة الـغـربـيـة، ويـكـفي أن أذكـر لـذلـك فـلـم رسـوم مـتـحـرّكـة مـن سـلـسـلـة الـسّـامـبـسـون Sampson الـشّـديـدة الـشّـهـرة أو لـعـبـة فـيـديـو ذائـعـة الـصّـيـت عـنـوانـهـاThe Thief of Baghdad.

عن (بين دجلة والفرات) مدونة الدكتور صباح الناصري