د. مؤيد شاكر
وفق النظام الخاص بانتخاب المجلس التأسيسي عد كل لواء من ألوية العراق المختلفة دائرة انتخابية وكل ناحية او محلة في اللواء الواحد شعبة تابعة لهذه الدائرة، وقسم العراق بأجمعه الى ثلاث دوائر انتخابية كان لواء المنتفك ضمن الدائرة الانتخابية الثالثة التي ضمت ألوية البصرة والعمارة فضلاً عن لواء المنتفك.
في البداية سارت عملية الانتخابات وتسجيل أسماء الناخبين الأوليين بشكل جيد لكن رجال الحركة الوطنية الذين هددوا منذ تموز 1922 بمقاطعة انتخابات المجلس التأسيسي ما لم ترفض المعاهدة سرعان ما أعلنوا امر مقاطعة انتخابات المجلس لحين تلبية شروط الحركة الوطنية للدخول في هذه الانتخابات.
لم تستجب الحكومة لمطالب الحركة الوطنية فأعلن علماء الدين اتفاقهم مع رجال الحركة الوطنية وصدروا فتاواهم التي حرمت الاشتراك في هذه الانتخابات. بسبب الارتباط الديني والمذهبي ما بين عشائر اللواء وعلماء الدين المصدرين لفتاوى حرمت الاشتراك في هذه الانتخابات أبدت عشائر اللواء التزاماً كبيراً في هذه الفتاوى، فقد انتشرت بين معظم عشائر اللواء دعوة الرفض وعدم طاعة السلطة المحلية على شكل اتفاق سياسي موجه تبناه كبار رؤساء العشائر مثل بني ركاب وبني زيد وال حميد في الغراف وقلعة سكر، وعشائر خفاجة وبني سعيد في الشطرة، وعشائر المجرة وخيكان في سوق الشيوخ. ومن خلال اجتماعات رؤساء العشائر هؤلاء تم القسم على رفض الانتداب البريطاني والمطالبة بالاستقلال التام. لم يكن يعني هذا الأمر أن جميع عشائر اللواء كانت رافضة لعملية الانتخابات فقد كان هناك تيار آخر من رؤساء العشائر تبنى برنامجاً معاكساً تماماً متمثل بوجوب الاعتماد على بريطانيا كدولة منتدبه على العراق لحين تمكنه من تأسيس دولة قوية بقدراته الذاتية، إلا أن تيار المعارضة عبر عن نفسه بقوة ووصل إلى حد النزاع المحلي. ومهما يكن من أمر، فأن بعض عشائر اللواء كعشائر خفاجة وبني زيد وال إبراهيم وبني سعيد أتبعت الأسلوب التقليدي في مقاومة السلطة القائمة إلا وهو أسلوب الامتناع عن دفع الضرائب، ثم بدأت تلك العشائر تطالب بمساحات الأرض المأخوذة بالقوة التي لا يحق لهم ولا لأفراد عشائرهم التصرف بها، وهذا المطلب يؤكد وبدون شك على الذكاء لأنه كان يهدف إلى ضم الشيوخ المؤيدين للانتداب إلى جانبهم بإغرائهم بهذه الأراضي. كان الملك فيصل الاول على قناعة تامة بأن مصير استقلال العراق برمته يعتمد على إقامة المجلس التأسيسي وقراراته، فقد سبق لوزير المستعمرات البريطانية تشرشل ان ابلغه وبصراحة ان بلاده لا تلتزم بمنطوق المادة السادسة من المعاهدة العراقية- البريطانية إلا بعد إبرامها الاتفاقيات الملحقة بها. وبحكم ذلك ارتأى الملك فيصل الأول أن ينزل بنفسه إلى الميدان كي يلقي بثقله بصورة مباشرة من اجل انجاح العملية الانتخابية فقرر القيام بجولة واسعة شملت مختلف المناطق ومنها لواء المنتفك تأييداً للانتخابات التي رأى فيها ترسيخا للسيادة الوطنية، ففي الثامن عشر من حزيران 1923، زار الملك الألوية الجنوبية فوصل الناصرية بعد ان زار الكوت والعمارة والبصرة، وحال دخوله الناصرية عن طريق محطة قطار اور استقبلته عشائر الغزي ثم حضر هيئة اللواء الإدارية ومفتش الحاكم السياسي البريطاني وشيوخ العشائر البارزين وكبار الشخصيات، وبعد جولة واستراحة قصيرة عقد اجتماع موسع في سراي المتصرفية نوقشت فيه عدة قضايا كان أبرزها مسألة التزام الأراضي ومسألة الري والاهتمام بطرق المواصلات وبعدها تم التطرق الى موضوع الانتخابات كونه كان الشغل الشاغل يومذاك. استثمر الملك فيصل زيارته بتسوية بعض الدعاوي المعلقه ذات الصيغة العشائرية، ثم ألقى خطابا في الناصرية وسوق الشيوخ أكد فيها أهمية الاشتراك في الانتخابات كي يتسنى للأهالي اختيار من ينوب عنهم ويمثلهم بإرادتهم وخاصة في مسألة وضع الدستور الذي يجب ان ينبثق من إرادة وتقاليد وشرائع الشعب.
كان صدى زيارة الملك فيصل إلى لواء المنتفك ايجابيا في نفوس الأهالي، وقد اكد هذه الحقيقة متصرف اللواء جميل المدفعي في برقيته التي أرسلها إلى وزارة الداخلية في الرابع من تموز1923 والتي اكد فيها ان الأوضاع في اللواء من الممكن في ظلها إجراء انتخابات المجلس وان ما يعرقل إجراء الانتخابات سابقا قد زال وهذا ما استنتجه من خلال جولته التي شملت جميع نواحي اللواء. تزامنت هذه التطورات مع تغير أسلوب التوجيهات الدينية التي وصلت من الكاظمية إلى عشائر لواء المنتفك اذ نصت هذه التوجيهات بشأن الانتخابات بجواز الاشتراك فيها اذ ما حصل إكراه واجبار بالقوة عليها. بذلك تجدد أمل الحكومة في اجراء الانتخابات فتألفت هيئة تفتيش في مناطق اللواء المختلفة، ففي الناصرية كانت هناك هيئة تفتيش من تسعة أعضاء أبرزهم عبد اللطيف جلبي وخضوري افندي هارون وايوب صبري، وفي الشطرة كان الحاج طعمة والسيد احمد السيد مهدي، وفي سوق الشيوخ تألفت هيئة تفتيش من الحاج احمد اليوسف وعبد الكريم الحاج حمادي وسالم العبد العزيز وغيرهم. تمكنت وزارة عبد المحسن السعدون الأولى المؤلفة في 18 تشرين الثاني 1922 من إكمال عملية انتخاب الناخبين الثانويين والبالغ عددهم)383) ناخبا وذلك في 2 كانون الأول 1923 بأسلوب اتبع فيه تسجيل العشائر مرادفا لأهل المدن وهذا عكس ما كان يحدث في بعض الألوية وتم إجراء أمر التسجيل هذا داخل اللواء بمعاضدة بعض شيوخ العشائر، إلا أن هذه الوزارة قدمت استقالتها قبل انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي، فألف الوزارة الجديدة جعفر العسكري وذلك في 28 تشرين الثاني 1923 فتمكنت من إجراء الانتخابات والانتهاء منها في 25 شباط 1924 في ظروف غير يسيرة بالنسبة للحكومة فقد جاء في تقرير متصرف اللواء المرفوع إلى وزارة الداخلية ما نصه "أن أمر الانتخاب في اللواء قد رافقته مشاكل جمة، وان السلطات لم تكن مرتاحة لعبد الكريم السبتي المرشح من منطقة سوق الشيوخ وهو الوحيد الذي يستلزم التعليق عليه، كذلك جرت محاولة العبث بصناديق الاقتراع السري، وفي قلعة سكر لم يكن الوضع مستقر خاصة في عشيرة الشويلات، وفي سوق الشيوخ كان صادق بن الشيخ بكر يحرض العشائر على عدم الاشتراك في الانتخابات. كانت نتيجة الانتخابات فوزتسع نواب ليمثلوا اللواء في المجلس التأسيسي وهم:
السيد عبد المهدي )قلعة سكر)الشيخ موحان الخير الله )قلعة سكر)
الشيخ سالم الخيون )الجبايش)
الشيخ صكبان العلي )الشطرة) محمد حسن حيدر )سوق الشيوخ)عبد الكريم السبتي )سوق الشيوخ)
الشيخ منشد الحبيب )الناصرية) الشيخ عبد اللطيف جلبي المعروف )الناصرية)
الشيخ زامل المناع )الناصرية). اكتمل نصاب لواء المنتفك مرة أخرى بانتخاب النواب التالية أسماؤهم عوضا عن النواب الاربع المستقيلين:
- قريش بن علي )الناصرية)
-الشيخ كاطع البطي )الناصرية)
-محمد حسين الموسوي )قلعة سكر)