الفنان يحيى الشيخ في مدار التحولات

الفنان يحيى الشيخ في مدار التحولات

موسى الخميسي
مجموعة كبيرة من الأسباب دفعت الفنان يحيى الشيخ الى تقديم اتجاهات جديدة في عمله الفني في الآونة الأخيرة، ليختزل إبعاد كثيرة في الرؤيا، محمولا على رؤى مختلفة مكتظة، متمردة، وغنية، الى جانب حريتها الكبيرة، فهو حين يقترب من تجربته الجديدة، التي تمت بقرابة أكيدة الى الفن التعبيري، وأطلق عليها اسم « اشراقات» وركيزتها مادة الصوف واللباد بكل الفتها التاريخية

وطبيعتها الشفافة ذات الخصائص الحرة، تبدو للوهلة الأولى وكأنها رسوم أطفال بما تمتلكه من قوة وسلطة على تعليمنا دروس الحكمة والبراءة في آن واحد، ليكون عمله بعيدا عن قاعدة إعادة إنتاج ما هو مرئي، بل ان يجعل الأشياء مرئية حسب تعبير بول كلي. وتتقلص المسافة كما يقول في إحدى رسائله الشخصية بين اليد والقلب، ليشغله ما
هو أكثر ألفة في الحياة اليومية، وهو الانتقال الى فن يتحالف مع روحه» وينفتح أمام اتساع الرؤيا وشد الخناق على روحي»، روح الإنسان الباحث عن الابتعاد لكل ما ينغص عليّ اتفاقاتي مع نفسي» لأجل الدخول الى عوالم الفن البدائي الأول بعد ان خبر كل وسائل وحرفيات العمل الفني وازدهاره وأفوله وروعته الأكاديمية وتشوهاته التجريدية.
الفنان يحيى من المهتمين بمستقبل اللوحة، وهو شاهد جيد على اختفاء العديد من المعايير الفنية التقليدية واستبدالها من خلال البحث المستمر عن معايير جديدة ترضي الطموح ولا تنسجم مع عمليات التشوية الإنسانية للفن، بل انه كان ولا يزال يعمل من خلال اللوحة لإنقاذ القيم الفنية في ظروف تفشت فيها الروح التجارية والسياسات الرجعية لتدمير كل ما هو إنساني من اجل مصالح الارتزاق لحفنة صغيرة من اللاهثين وراء المال والسلطة في عراقنا.
مشكلة الصورة عند يحيى الشيخ هي البحث عن مصطلحات فلسفية فنية جديدة محددة بدقة وغير معزولة عن المشكلات الفلسفية العامة التي تعيشها البشرية، تعكس حالة التمثيل اللاصوري القائم على تجربة الفنان مع كتلة الصوف بألوانها المتعددة المضاءة، وعلى سطح اللباد، كقاعدة للوصول الى نظام تزييني مؤلف من الرموز المتحررة إزاء ضرورات خارجية كثيرة، الا ان هذا النظام مرتبط بحقيقة موضوعية تحاكي الطبيعة باستخدام جزء من موادها الصافية، لتسجل عاطفة إنسانية تقع تحت مستوى الوعي فهو يدرك بان الوعي أحيانا يكون ثانويا فيما يتعلق بالواقع، لان وعي الإنسان
يدرك الواقع كوجود اجتماعي وهذا الوعي لا يمكن في كثير من الحالات ان يكون مرآة جامعة تعكس العالم الذي يحيطه، فهو بإدراكه للواقع يكافح من اجل التأثير في مجرى تطوره.
والوعي الجمالي هو وكما نعرف، شكل من إشكال إدراك العالم، الذي نعيشه بكل تجرباته التاريخية، يستطيع أي فنان مقتدر ان يصور جوانب كثيرة من الحياة وينقلها عبر حواسه ومشاعره على اعتبار وجود إشكال مختلفة لتصوير الواقع باشراقاته الجمالية، بكثير من الإشارات الميثولوجية، من اجل الابتعاد عن داء مصطلحات القوالب في الفن الذي يخلقه بؤس إدراك الواقع وحركته الذي نلاحظه عند عدد من الفنانين. وفنان مثل يحيى الشيخ، ينزع للتعامل مع الفكرة والشعور او الحس، او ما يسميه كاندنسكي» الضرورة الداخلية» في محاولة لجعل اللامرئي مرئيا الذي لم يهمل المبدأ الهام من ان اكتشاف العناصر الجديدة المميزة في الحياة وتصويرها الجذاب يتطلب بحثا ملهما ودائبا يفضي في النهاية الى إحراز وحدة المحتوى والشكل، التي هي وحدة فريدة على الدوام، للوصول الى المصادر الذاتية وعلاقتها بالمصادر الطبيعة في عملية إدراك متناغم للفضاء والأشياء ودينامية الحركة للاقتراب من الواقع الداخلي للطبيعة.
هذه اللوحات التي تبدو موجزة في تفاصيلها الغنية بمحتوياتها الأنيقة في ألوانها، تقدم حالة للعالم المحيط بنا، ففي الوقت الذي تتثبت بعض الأواصر في العمل الفني، تركز لوحات يحيى الشيخ على العديد من السمات والخصائص المتنوعة لما هو متميز وهام بشكل شمولي، وتظهر قوتها من خلال بعض التفاصيل التجريدية في تركيبات العمل نفسه والتي حددت سمات خاصة عديدة للموضوعات التي تطرق اليها ومن خلال التعميم المتنوع وتدفق الحياة من خلال تركيب العواطف والجمال الإنساني فيها.
وبمعزل عن عقد مقارنات بين فترات سابقة ولاحقة في عمل الفنان، الا انه يبدو ناقدا وساحرا، معبرا، مخففا من عنف الصورة باعتماده الرمز، محاولا التعبير عن رغبته في الانعتاق وإرادة العيش في غياب أوهام كثيرة في الحياة ومنها أوهام الأساليب التقليدية في الرسم.