دكتور جيفاكو  ... الرواية المتهمة سياسياً

دكتور جيفاكو ... الرواية المتهمة سياسياً

زينب المشاط
قصة حب مفعمة بالرومانسية للأديب الروسي بوريس پاسترناك. احداث القصة تجري بين عامي 1903 و1929، وهي أعوام الضياع والاضطرابات الدموية في روسيا، حيث تدوّن لنا قصة الثورة البلشفية من وجهة نظر تلك الشخصية المثقفة والمتعمقة في فهم النفس البشرية: الطبيب والشاعر يوري جيفاكو الذي ولد أواخر القرن التاسع عشر وأنهى دراسة الطب أثناء الحرب العالمية الأولى.

فبينما يتغير المشهد السياسي ويسقط نظام القياصرة الروس، تعكس علاقات دكتور جيفاكو الاضطراب السياسي الذي كان يسيطر في جميع الاوساط نتيجة احداث الثورة وكذلك الحرب العالمية الاولى التي كانت تدور رحاها في تلك الفترة.
لا تناقش القصة الاحداث السياسية ولكنها تركز على ماذا يحصل للناس الذين تجرفهم الاحداث السياسية دون ان تكون لهم القدرة على احداث اي تغيير فيما يدور حولهم. وكيف تتغير المواقف وتتبدل الأفكار بين الثوار قبل السلطة والثوار بعد السلطة وماذا تفعل السلطة في البشر.
القصة متعددة الطبقات تبدأ بموت والدة جيفاكو. أما والده، وهو صناعي غني، فقد انتحر جراء التأثير المحبط الذي مارسه عليه محاميه. يتزوج جيفاكو قبل الحرب العالمية الاولى من امرأة جميلة ويعيشان حياة مرفهة سعيدة. في اثناء ذلك تظهر امرأة اسمها لارا، حيث ان عشيق والدتها الجنرال سترينيكوف كوماروفسكي يحاول اغواءها ولكنها تتخلص منه بالزواج من شاب مثالي لكنه يتركها لاحقاً. اثناء الحرب العالمية الاولى تتطوع لارا للعمل كممرضة وتلتقي بالدكتور جيفاكو الذي كان يخدم في الجيش كطبيب، فتربطهما قصة حب جارفة تنتهي بنهاية الحرب.
عندما تحدث الثورة الروسية يلجأ زيفاجو وزوجته الى قرية في الريف الروسي في منطقة الاورال، ويلتقي مرة اخرى بلارا التي كانت تبحث عن زوجها في نفس المنطقة لتتفجر مرة اخرى مشاعر الحب والحنان التي كانت تجمعهما والتي تتعرقل مرة اخرى بسبب احداث الثورة وبسبب الجنرال سترينيكوف كوماروفسكي الحبيبب السابق للارا.
ويعود الدكتور جيفاكو إلى موسكو عام 1922 ليعيش في فقر مدقع، ويشعر في أحد أيام عام 1929 بالغثيان متأثراً بكل ما يدور، حوله، حين يكون في عربة الترام وبلحظة خاطفة قاتلة يلمح عن بعد حبيبته لارا تمشي على الرصيف المحاذي للشارع الذي يعبره الترام حاول اللحاق بها ولهث وراءها كحلم ودون أن يتسنى له لفت انتباهها ودون أن تدرك هي أنه حبيب عمرها كان وراءها على مسافة بضع خطوات وقع أرضا وباغتته سكتة قلبية ليموت على الرصيف الذي كانت قد عبرته لارا لتوها، هكذا عبّر لنا پاسترناك عن لهاثنا المخيف وراء السعادة.‏
الرواية عبارة عن ملحمةِ رومانسية شاملة، تقدم قصة الحب والثورة بمشاهد رائعة وتأسرنا بطبيعة موسكو الخضراء قبل الحربِ والثورةِ الإجتماعيةِ العَنيفةِ التي حصلت.
بسبب الانتقاد الشديد الموجه للنظام الشيوعي، لم يجد پاسترناك ناشراً يرضى بنشر الرواية في الاتحاد السوڤييتي، لذلك فقد هرّبت الرواية عبر الحدود إلى إيطاليا، ونشرت في عام 1957، مثير أصداءً واسعة: سلباً في الاتحاد السوفياتي، وإيجاباً في الغرب. رغم أن أحداً من النقاد السوفييت لم يكن قد اطلع على الرواية إلا أنهم هاجموها بعنف، بل وطالبوا بطرد پاسترناك. في العام التالي 1958 منح پاسترناك جائزة نوبل للآداب، وهو الكاتب الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل عن رواية واحدة، كما ذكرت لجنة الجائزة حينها "إن سبب منح پاسترناك الجائزة يتمثل في القيمة الفنية لرواية دكتور زيفاجو". لكن پاسترناك رفضها (غصباً عنه). وقد صدر مؤخراً كتاب عنوانه: "د.زيفاجو بين المخابرات الأمريكية والمخابرات الروسية"، لباحث يكشف فيه أسرار تدخل وكالة المخابرات الأمريكية بالتعاون مع نظيرتها البريطانية للدفع في اتجاه فوز رواية "دكتور جيفاكو" بجائزة نوبل. حيث تؤكد وثائق الكتاب أن المخابرات الأمريكيةCIA كانت وراء ترجمة الرواية إلى أكثر من40 لغة عالمية.
حولت رواية "دكتور جيفاكو" إلى فيلم سينمائي ملحمي عام، 1965 من إخراج ديفيد لين، بطولة عمر الشريف وجولي كريستي، حصد الفيلم خمس جوائز أوسكار، ويعد ثامن أنجح فيلم على مستوى شباك التذاكر العالمي متجاوزاً فيلم تايتانيك اذا حذفنا معدلات التضخم المالي.
بوريس پاسترناك (1890 - 1960): كاتب وشاعر روسي، عرف في الغرب بروايته المؤثرة عن الاتحاد السوڤياتي "دكتور زيفاجو" لكنه يشتهر في بلاده كشاعر مرموق. درس في كلية الآداب والتاريخ في جامعة موسكو وحين اهتم بالفلسفة سافر في 1912 إلى ألمانيا لدراسة الفلسفة في جامعة ماربورج. ولد في موسكو لأب كان يهودي وتحول إلى الكنيسة الارثوذوكسية، وهو رسام متميز وأستاذ في معهد الفنون، والدته كانت عازفة بيانو مشهورة. خلال الحرب العالمية الأولى، عمل باسترناك و درس في مختبر للكيميائيات في الاورال.