ضحى عبدالرؤوف المل
يحاول الروائي "سنان انطون" في روايته " فهرس" الاستدلال بالمنطق للدلالة على العقل الذي لم يستنتج الى الان ما يحدث في العالم جراء ما حدث في الماضي محاولا الاضاءة على عدة محاور من منطق فصله وشرحه تشريح الناقد لا الروائي. لتتخذ روايته فلسفات خصصها بمنطق نهائي هو منطق داوود برمزية هي أبعد من شخص واقرب الى العقل من حبل الوجدان الذي لم يمده في روايته،
لتكون مشبعة بالافكار التي تضج في نفسه بداية، كأنه يروى بشكل ذاتي ما يفكر فيه الانسان المغترب البعيد عن وطنه والمدرك اهميه الماضي المرتبط بالكتاب الذي يحيا اكثر من الانسان، فالمكتبات في الدول الغربية غنية بترجمات الكتب من المؤلفين العرب القدماء واضعا كتاب منطق الطير في جعبة الرواية، وكأن روايته النورس المحلق في قصائد وقع في فخها وادخلته في مضمار المستكشف لاشعار هي ومضة تاريخ لامم ما زلنا نبحث عنها في كتب التاريخ والادب. فهل كتب الروائي "سنان انطون" افكاره ام سرد رواية هي مقاطع وفواصل لمراحل تاريخية مهمة؟ مما جعلها تنعكس على تاريخ العراق في نفسه كعراقي يعاني من الحروب في بلد هاجر منه ويزوره كمترجم، تاركا للصور السالبة مهمة اظهار ما حدث في بلده، ومازال حتى الان يعاني من تفجيرات وفقر وتشرد، وتراث مازال الحنين اليه يشكل صورة سالبة وضعها في منطق الصور السالبة. فكل منطق في روايته يحمل قصة معينة توحي بمنطق جنوني يعيد الى الذات الهدوء والسكينة، ولكن بمضض عبر النتائج المستوحاة من كل منطق قدمه "سنان انطوان" كفيلم وثائقي في رواية جعلت من المنطق اداة للفهرس الذي لا نهايات له، لأنه اشبه بشتلة نخلة كلما قصها الانسان عادت للظهور من جديد، لتثمر وتطرح ثمارها لمن شاء ان يتذوق منها كما يتذوق القارئ الادب.
رواية هي فهرس لمقروءات تثير عدة انطباعات في النفس، لانها تشبه شتلة مزروعة في أرض تمتد فضاءاتها في رواية نهاياتها هي بداياتها. لان ديباجته لم تتسلسل افكارها، انما اعتمدت على العبثية والعدمية والاتجاه الى الانتفاضة على القديم بالتجديد عبر اسلوب المنطق الذي انسجم معه، وتهجم عليه بشكل مبطن، كأنه يلجأ من خلال المنطق الى مراوغة روائية يضع فيها القارئ ضمن متاهة فكرية هي عبارة عن "حلم لتغيير الماضي" فهل يحاول الاشارة الى الاهتمام بالماضي الذي هو بحق جزء من الانسان الذي اعتمد منطق الطير كمنظومة رمزية هي من المنظومات البديعة التي نظمها بالماضي "فريد الدين العطار" والتي يبحث من خلالها عن الطائر الوهمي، وهي مخطوطة ذات اهمية لتكون وثيقة الانسان المدرك للقيم وللحياة، وللثروة الفكرية التي تنازلت عنها حضارة وتسابقت اليها حضارات اخرى، وهي بالتأكيد ليست بربرية او ما سوى ذلك. انما هي اركيولوجيا الكتاب التي يجب ان تكون مماثلة لاركيولوجيا الانسان، فالكتب تحيا بعد موت اصحابها " لا يمكن التشريح الكامل لجسد الا بعد الموت" ومن ثم يقول" نحن جميعا كتب " فهل من استثناءات بين الكتب ام منطق الطير هو منطق الحيوات التي تنتهي وتبدأ تباعا تماما كروايته التي يضعنا في دائرتها ولا سبيل للخروج منها لاننا شعب تتحدث عنه الصحف كغاسل الموتى رعد عبود، ولكن كيف للتبعية ان تنتهي وهي معضلة او هي الداء الذي لم يجد له الانسان الدواء؟
حقائق تخيلية لجوانب واقعية تتمحور حول المنطق، والتنقل من خلاله الى المكونات السردية في الرواية حيث تلتصق بالنقد واهميته وقدرته على تبيان اهمية المخطوطات بل! وتشريحها، لتكون بمثابة الضوء الذي يريد له ان يزيل العتمة عن مخطوطاتنا العربية واهميتها للشعوب الاخرى التي تعمل على فهرستها والاهتمام بها. الا انه خلط الكثير من المشاكل الاجتماعية مع المواضيع الفكرية والسياسية بأسلوب اصاب القارئ بالتيه، لكثرة المواضيع التي طرحها، وكأنه يستنبش الكثير من الاحداث والمرور بها مرور الكرام، كأنه يتركها في زمن روائي لم يصحح الماضي بل! دخل منطق الذكريات دون الاهتمام بتصحيح المسارات التي حاول منذ بداية الرواية الاشارة اليها. اذ يحلم نمير بتصحيح الماضي والعودة اليه بثنائيات فقدت توازنها في الكثير من النقاط التي تركت ودود في حالة لا وجود. فهل اعتمد المؤلف "سنان انطون" على محاكاة الذات؟ ام ان القارىء يتعاطف مع نمير التائه بين بلده وعمله كمترجم استطاع قراءة الكثير من المخطوطات التي تأثر بها والتي تعيدنا الى مراحل منطق الطير.
ارتبط المؤلف" سنان انطون" بمبدأ المنطق متناسيا مشروعية القارئ العربي المتعب من التبعيات التي عالجها وشعر بها، وجعل منها نقطة لم تتمحور لتتشعب منها المفاهيم بل! ترك للتبعية الروائية علاقة تميزت بمتأثراتها عليه، ولم يستقل عن النص كما ينبغي اذ اندمج بعلاقة ذاتيه معه وتلاحم معها، لتتفاوت بانماطها وبذلك لم يصل الى نهاية او حتى الى صيغة سرية او مبطنة تتماشى مع منطق شبعاد والتلميح الى توظيفها، ليستند على كاشان " خافت وظنت أنهم استغنوا عنها او انها ستقع في الظلام الى الابد." الا ان منطق الخوف من المستقبل هو الذي ساد على رواية لفها غموض منطقها والاقتباسات التي ارهقتها، ليبقى الفهرس مفتوحا الى ما لانهاية..