ملكات اوربا واميراتها بين البدانة والنحافة

ملكات اوربا واميراتها بين البدانة والنحافة

الدوقة المكورة
تجلس الأميرات في قصور أوربا الملكية ويروين أحدث أخبار الملوك والملكات، فتقول احداهن:
- ما رأيكن في أن ماري ملكة رومانيا انقصت وزنها بضعة ارطال..؟
فتقول أخرى:
- مسكينة انها تخشى ان تكون في ضخامة أمها المرحومة..

***
والواقع ان الملكة ماري ارتاحت كثيراً لنحافة جسمها، فقد كانت تخشى ان تأخذ بأسباب السمنة فتشبه والدتها الدوقة أوف كوبرج، فان هذه الدوقة كانت من أضخم المخلوقات.
ومما زاد في ضخامتها انها لم تكن طويلة القامة عريضة المنكبين كسائر أفراد أسرتها، بل كانت قصيرة القامة فاصبحت مستديرة مثل الكرة وأصبح (لغدها) يغطي صدرها، وانتفخ خداها لدرجة حالت دون ظهور انفها وعينيها من طيات خديها الهائلين.
وكانت ذراعاها اشبه بساقي الفيل ولم تكن يستطيع ان تدخل عربة القطار إلا بجنبيها، ومع ذلك فانها كانت تتحمل هذا التشويه في وقار وعظمة، فكان مظهر وقارها يمنع الناس من الضحك عليها، إلا اذا بدأت هي تضحك على نفسها وتمزح، ففي مثل هذا الظرف تهقه الجماهير ثم تقهقه..
أشياء تافهة
ولعل السبب في بدانة ملكات الجيل الماضي واميراته افراطهن في الأكل والراحة، وإمتناعهن عن الرياضة والحركة.
ومن قصص الأميرات السمان قصة الدوقة أوف الباني، زوجة الدوق أوف الباني الابن الاصغر للملكة فكتوريا ملكة انجلترا السابقة، فقد كانت هذه الدوقة عند زواجها نحيفة القد ضامرة الجسم، وكانت تفتخر بأن خصرها انحف الخصور في الامبراطورية البريطانية.. ولكنها ما كادت تضع طفلها الاول حتى دبت اليها السمانة وزادت بدانتها فتخطت كل الحدود.. ثم مات زوجها واعتكفت في قصرها حداداً عليه، فكان في هذا الاعتكاف ما زادها بدانة حتى اصبحت تعد من عجائب المخلوقات!!
واضطرب بال الملكة عليها فأوفدت اطباءها لمعالجة الدوقة من هذه السمانة المفرطة، وفحصها الاطباء فقرروا تقليل طعامها ولكنها رفضت ذلك بأباء وشمم، فاقنعها الاطباء بانه معرضة للموت السريع ان لم تكف عن الافراط في الطعام.. ثم ان هذا أمر الملكة.
فتنهدت الدوقة في ألم ورضخت لأمر الملكة والاطباء وابتدأت بالعلاج وبعد ستة أسابيع أعيد وزنها فاذا بها ازدادت عشرة كيلو جرامات تقريبا بدلا من ان تنقص!!
وفزع الاطباء واسقط في يدهم وسألها احدهم هل تاكل شيئاً بين وجبات الطعام فاجابت:
- طبعاً لقد سرت حسب أمركم فكنت اتناول في الفطور والغداء والعشاء ما وصفتم لي، ولكن كنت اشعر بالجوع وآكل بين هذه الوجبات وكاد الطبييب يخرج عن عقله وسألها:
- وما الذي تاكلينه بين أوقات الطعام؟
- اشياء قليلة تافهة لا تذكر فاني اتناول عشرين او ثلاثين فطيرة فقط، وعشرات الاقداح من الشكولاتة الساخنة.. فهل هذا شيء يذكر؟
جوع مخيف
وعلى عكس ذلك كانت الامبراطورة اليصابات امبراطورة النمسا السابقة، فانها كانت تخشى البدانة وتزن نفسها في كل يوم وتتلف صحتها بالاضراب عن الطعام، وبالمشي الطويل، وارهاق نفسها في التمرينات الرياضية العنيفة.
وكانت ترغم وصائفها على ان يخرجن للسير معها في رياضتها اليومية التي كانت عبارة عن سير سريع بخطوات واسعة لمدة ست ساعات أو سبع. وكثيراً ما كان بعض الوصائف يسقطن أرضا وقد زاد بهن الاعياء وخارت قواهن.
وقضت الامبراطورة ايامها الاخيرة لا تأكل شيئاً مطلقاً، بل تشرب بين كل يوم ويوم قدحاً صغيراً من اللبن وتتناول احيانا عصير برتقالة.. وعبثاً كان اطباؤها وزوجها وبناتها يتوسلن اليها ان ترحم نفسها من هذا الجوع المخيف.
وبذلك ماتت الامبراطورة وكان وزنها عند موتها 36 كيلو جراما فقط!
ولا ريب في ان هذه الامبراطورة المسكينة كانت مصابة بهواجس غير عادية سببت لها الفزع الرهيب من السمانة، وذلك نوع من الجنون.
آخر كلماتها
وما دمنا نتحدث عن نظام الطعام والاقلال منه، او الافراط فيه، فلا يفوتنا ان نذكر الدوقة مالكمبورج شوبرن شقيقة الامبراطور وليم الاول امبراطور المانيا، فقد كانت شغوفة بالوان الطعام الشهية وصحافه المختلفة، وقد نظمت لغدائها برنامجها يخيف الكثيرين.
كانت تتناول في الساعة الثامنة من كل صباح قدحاً من الشاي وبعض البسكويت المدهون بالزبدة وبيضتين وفاكهة.
ثم ترتدي ثيابها، وعند الساعة العاشرة تتناول فطورها من القهوة والسمك واللحم البارد والفطير الدسم والمربة والفاكهة.
وتتناول غداءها في الساعة الواحدة وهو يتكون عادة من ستة اصناف.
ثم يعقبه شاي العصر ومعه الساندوتش والكافيار والحلوى والفطائر.
وتتناول عشاءها في الساعة الثامنة ويتكون من ثمانية اصناف وقنينة شمبانيا.
ثم تعود الى الطعام في الساعة الحادية عشرة وتدخل فراشها في منتصف الليل بعد ان تأمر بأن يوضع بجوار سريرها قطع من اللحم البارد والبسكويت والفطائر إذ انها تستيقظ ليلا وتشعر بالجوع فتأكل مما بجوارها.
واعجب ما في الأمر ان هذا الافراط الشديد في الاكل لم يقتلها، بل انه لم يزد وزنها، فانها كانت ابعد الناس عن السمانة.
وماتت وهي في الثانية والتسعين من عمرها.. وكانت آخر كلماتها قبل ان تجود بروحها:
- انا جائعة.
سامحها الله..

كل شيء والدنيا/
تشرين الاول-1935