الشاعر والملحن طالب غالي نخلة من ارض العراق

الشاعر والملحن طالب غالي نخلة من ارض العراق

حيدر شاكر الحيدر
في بلد الحضارات ولد الإبداع بأسماء صناعه الكثر ليظــل مـــوروثهــم يحاكي الأزمنة والأجيال ولو أردنا أن نتحدث عــن الغنــــاء ودوره كفــن إنساني سنكون أمام ثقافة عاصرت الإنسانية مذ عرف الإنسان معنى قيـــم الجمال الذي منحه الله لنا... ومهما كان الغناء وان تعددت أشكاله فالنتيجــة هي واحدة والهدف واحد هو محاكاة الإنسانية بمشاعرها وعاطفتها...

وهكذا ظــل صناع الفرح من زمن لآخر يتقاسمون فيما بينهم بث الشجـــن الموسيقي وترجمة الكلمة المعبرة ليصبح القلب والفكر يتناغم مــع هــؤلاء المبدعين... ومن أريد الكتابة عنه نخلة من نخيل بلادي أحب البحر وشط العرب وضل يعشق الربيع باعتباره هو الحبيب فقدم لنـــا حكايــــات مـــن قصص الحياة التي ترجمها بلغة الموسيقى والغناء ليبقى نهر أنغام شجيــة ذلك هو طالب غالي نخلة من نخيل العراق... لنبحث عن إبداعاته المتعددة..

نخيل البصرة ما زال مثمراً.
الكتابة عن فناني البصرة وعطائهم المميز له نكهة خاصة للمتلقـي فبعـــد الكتابة عن رموز البصرة علاء كامل وسيتاهوكيبان ومن ثم فؤاد سالم هذه المرة تأتي دراستي عن طالب غالي الشـــاعر والملحن وقبـــل ذلـــك هـــو المطــرب الجميل الــذي مــا زال يغرد للوطــن وللنــاس وللبصـرة كــيف سأكـتب عن نخــلة أخرى مــن نخيــل شط العرب هــل سأتنـــاول طالـــب غالي ملحنـــاً ,شاعراً ام مطربا , هــل كانت تلك العقود حقاً أساساً ببنــاء شخصيتـــه وأرثه الفنــــي الكبير المتعدد الأغراض أم إن الغربة المتعبـــة وشجونهـــا زادتــه تألقــــاً واندفاعاً نحو سلم الإبداع المتكرر , إن من يبدأ مشواره الفني نهايــة العـــقد الخمسينــي وحتــى إعداد هذه الدراســة أكيــد يستحق منا كباحثين أن نثمـن دور هذا الفنان الخلوق برفـد المكتبــة الغنائية العراقيـــة بذلك الكم الهائل مــن الأعمال الخــالدة.. فلحن الأغنيــة وقدم لنا القصيدة المغناة بأبهــى صـورهـا وتناول الأوبريت والأغنية الوطنية وألف للموسيقـى ولحن للطفل , ألا يجدر بنا أن نكتب عنك ابا سنا ودنى ورنا حكايتي معك لا تخــلو من رسائلـــي المعبرة عن حبي اليك ولرسالتك التي ما زلت تكتبها ألينا رغم بعدك عنا.

للمبدعين اكتب رسالتي
في بلاد ما بين النهرين ظهر الإشعاع الفكري والثقافي بأسماء صناعه الكثر ليحاكي العالم الآخر وبالتالي تصبح الأسمــــاء ضوء ساطع لتتميـــز بــه الحضارات الأخرى... وهكذا توارثت الإبداعات من حـضارة لأخرى ومن عصر لآخر لتستمـر الأسمــاء بكل تفاصيل عطاءاتها رمــوزاً نكتــب عنها وعما تركته لنا من ثقافة متعددة الجوانب التي نعلم بأهميتها بحيــاتنا والتــي أضحت الثقافــة الموسيقيــة جزءاً منها , فثقافــة الأدب والتشكيل والمسرح ما هي إلا جمال الحياة وعلاج للنفس البشرية.
لو أردنا التعمق بالفنون عامة سنعلم بقيمة تلك الفنون بحيــاة الإنسان مذ وطأة قدماه الأرض.. أما الموسيقـى والغنــاء فهذين المؤثريــن بوجـــدان الإنسان فالحديث عنهما لا حدود له ومن أبدع بالموسيقى أو الغناء أصبــح رمزاً لأمته وولحضارته , ولا يخفى علــــى المثقف الأسماء والمنجز لكل مبدع من عقد لآخر , وفي العراق مــا أكثر مبدعيه من الموسيقيين الذين تنوع إبداعهم بهذا الفن القريب من النفس ومشاعرها وأحاسيسها. وكي لا أبتعد كثيراً وأدخل في تأريـــخ الموسيقـــى والغنــــاء عنــد العراقيين فالحديث طويـــــل وفيــه من القصص والحكايـــــات لهــــا عالمها الممتلئ بذلك الإرث الذي لولاه لما وصلنا على مـا نحن عليــه الآن نتحدث ونفتخر بموروثنا هذا.
القرن العشرون هو القرن الــذي وثقت به أعمال مبدعينـــا وصنفت بــه ثقافاتنا الغنائية وبقية تفاصيل حياتنـا الموسيقية فظهرت الأغنيــــة وظــهر الشعراء وتعددت أسماء المطربين والمطربات ومعهــا تنوعـــت مـــدارس التلحين العراقي عبر تلك العقود وصناعها , المتابع يدرك ان مدارس التلحين العراقية كانت حاضرة بنفوس أبناء المجتمع العراقي فبعد الغناء الدينــــي والمقام وأطوار الأبوذية والأغنية البغدادية والفولكلور الرصين وبقية أنواع الغناء الشعبي أو ألوانه الكثر الممتــدة حسب رقعـة العــراق
الجغرافية ما هـي إلا صور مــن ذلك الماضي الذي رأينـاه يتجدد بوجـود قامــــات من الاسمـــاء الشامخة التي ستظل خالدة بمسلة التأريخ الموسيقي والغنائي العراقي.
شكراً لكل قامة إبداعية قدمت نفسها رمــزاً وتأريخاً ليـــأتي دورنــا نحـــن الباحثين المتابعين لما كتبه أساتذتنا وما عاصــرناه لبعض جوانب الإبــداع الذي لا ينقطع عنه العراقيون بعطائهم كنهري دجلـــة والفـــرات وبســـاتين النخيل وهذه هي صورة مبدعينا الأحبة..
حينما نكتب عن رمز بمجال معين فذلك أمر تعودنا عليه خلال دراستنا السابقة والتي تناولنا رموزاً كثيرة وتحديداً الفن الموسيقـــي والغنائـــي منه وبأسمائه التي تركت ارثها بين أيدينا لنبحث عن أهميته بحياتنا كباحثين أو متذوقين للفن الغنائي والموسيقي العراقي
هذه المرة الأمر يختلف عن سابقاته فمن اكتب عنه هو متعدد الإبداع الذي نعرفه ونعلم بأهميته نراه شاعراً وفي الأخرى ملحناً له مدرسته الآتية مــن موهبته وثقافته هو إضافة لتأريخنا الغنائـي الرصين هكذا هو طالب غالــي الشاعر والملحن الذي درس الموسيقى عزفاً وأبدع من خلالها ملحناً وقـبـل هذا وذاك فهو مطرب ببداية الأمر, من أيــن ابدأ حكايتي مــع هذا الرمـــز الذي هو احد أعمدة المدرسة العراقيـة والبصريــة وبذلك الإبداع الشعــري والتلحيني.
تعرفت على طالب غالي قبل خمسة وأربعين عاماً حينما كنت اردد أغنية عاد الربيع حبيبي بذلك الزمن.. زمن الأسمـاء والتــألق.. زمــن التطــور والانتقالية الكبيرة التي طرأت بعالم الأغنية العراقيــة والتــي كانت مستمدة ذلك التألق من عقود خالدة من الغناء بدءاً من مطلـع القرن العشرين ليكون العقد السبعيني هكذا حاله فسميناه بالعقد الذهبي..
لم تكن الأعوام 1969-1979 مجرد تحصيل حاصل بتأريخ الأغنيــــة العراقية بل ظهرت مدارس تلحين وتزامنت بظهور أسماء لمطربين كبــار
إضافة لوجود المطربات اللواتي بدأن حياتهن مذ عقود قبل ذلك العقد مـــع استمرار كبار ملحني المدارس البغداديــة بالتواصــل مع التطور الغنائـــي العربي والعراقي بمطلع العام 1968 أضيفت أسمــاء لمواهب جاءت مــن مدن العراق الشماء تحمل أفكــاراً آتيــة من ثقافتها الذاتية ومن خلال مــا تمتلكه من موهبة أضافت لنا أشيــاء كنــا بأمس الحاجــة إليهــا كمتذوقين لشيء عنوانـــه الغناء والموسيقى.
هكذا استقبلت الإذاعة والتلفزيون هؤلاء الرموز أمثــال حميد البصـــري ومجيد العلي وفؤاد سالم وسيتاهوكيبان وطالب غالي من البصرة الفيحــــاء كما استقبلت حسين نعمة وحسن الشكـرجي وفتـــاح حمدان وكمــال السيــد من الناصرية , ومن بين تلك الأسمـاء يظهر اسم طـــالب غالـــي موضوع دراستي هذه موهبة لن تتكرر حتى إعداد موضوعي هذا.
فلقد احتضنته الاذاعة والتلفزيون مطرباً وشاعراً وملحنـاً ممتلئ بالثقافــة الآتية من عمق شط العــرب وأمــواج الخليج ومـــن عمق مدرســة السياب وكل الأسماء التي نعلم بأهميتها بخارطـة الثقافــة العراقيــة أدبا وموسيقــى ومسرح وتراث خالد لمدينــة الفراهيدي والحسن البصري.. ليأتــي طالب غالي مــع زملائه حاله جديدة ولــه مدرستــه فــي الحياة الثقافية وتحديداً في الشعـــر والغنــاء والتلحين.
متى ابتدأت المواهب لهذا الفنان الذي ظلمـه الأعـــلام والبـــــاحثين كثير وليأتي العام 2016 لأجد حلمي يتحقق وأنا استمــع لصوتــه يناديـــني بألم وحنين لماذا نسيتمونــي يا أخ حيــدر.. وهنا تمالكـــني شيء غريــب وانا أتحدث مع قامة كبيرة ما بين الفرح والألــم أيضا الــذي يعتصره البكــــاء الداخلي قلت له إنني أعرفك ولا أعرفك قبل خمسة وأربعين عام من خلال أغنية أحببتها وارددهــا مــع نفــسي وأعيــش مع كلامها وهـــي بصــــوت سيتاهوكيبان فيروز البصرة هي أغنية عاد الربيع حبيبي مع الندى إلا إني لا أعرف شاعر الأغنية ولا ملحنها بسبب ثقافتي المتواضعة آنذاك حيــث كان مــا يهمني هــو المطرب , إلا إن السنين وما أضافته لــي من ثقافــة أدركت شاعر وملحن تلك الأغنية الخالدة أو القصيدة الخالدة وبعــدها بـدأ
الحــلم يكبر معــي بكيفيــة اللقــاء بك وبأي وسيــلة إلا إن الظــروف والمتغيرات الكثيــرة بحياتنــا حــالت دون ذلك هل كــان طالب غالــــي وشخصيته الثقافيـــة حالـــة طبيعية لمن يريد البحث عن الرموز العراقيــة أعتقد لا , فهــذه الشخصيــة تحمل جوانب متعددة من حالات الإبداع التــي نتحـدث عنهـــا فهــو الشــاعــر وهــو الملحــن وقبـــل هــذا أو ذاك هــــو المطــرب الذي استهوتـــه المدرســـة المصرية الغنائية فراح يستمع ليجــد حبه لصوت (حليم حافظ) ومدرستـــه ومــن اهتموا ببنائها مــن عمالقـــة التلــحين المعروفين لدينــا من محــمد عــبد الوهــاب مـــروراً بالسنباطي وصــولاً لكمـــال الطويل والموجـي وحلمـي بكـــر وبليغ حمدي ليقدمــوا أجمل أحاسيس لأجيال ما زالت تتأثر بهــــؤلاء تلك هي مدرسته الغنائية الأولى التي عشقها طالب غالي وما أحلاها مــــن مدرســــة, إلا إن ذلك لـــم يمنـــع ذائقته بحـــب موروث مدينته البصــرة وأصــالة تراثهـا الخالد حيث يعتبر ذلك جزء مهم من بناء شخصية طالب غالي الموسيقية.
هذه بدايات متميزة بذلك العقد الستيني الذي كان أيضا عقداً لا يخــلو من الإبداع له , فمن دار العلمين بالبصرة ومسارحها قدم طالب غالي نفســه ملحنا وعازفاً لآلة العود التي ما زالت رفيقته , لحن لفرقة دار المعلمــين ولفرقة الموانئ وغنى مابين الأصدقاء ورفاق الأمس... هنا يتبادر سؤال لمن يريد معرفة أساتذته من الموسيقيين اللذين تركوا بصماتهم علــى تلك الموهبة فلابد إن تكون أسماء ياسين الراوي رحمــه الله وحميد البصــري أطال من عمره هي كانت السبب بخلق وبلورة موهبتـــه حيث يذكــر تلك الأسمين بأجمل معاني الحب والعرفان.
إذن بدأت حياته الفنية بوجود قامتين كبيرتين ونشاطات بفرقة الموانئ وحفلات دار المعلمين وتعمق بتراث البصرة وأسماء مبدعيها وتعمق بدور الشخصيات المجتمعية المهمة بمدينته.
كيف لنا ان نتحدث عن مسيرة هذا الفنان هل أن حياته الفنية انتهت وهو ما زال يعطي إبداعه رغم عمر الخامسة والسبعين لذلك ارتأيت أن اتناول حياته ومسيرته الفنية العامرة بالانجازات إلـــــى ثلاث مراحـــــل ولتكون المرحلة الأولى عند نهاية العقد الخمسيني وحتى العام 1979 حالات مــن الإبداع بمرحلتها الأولى.

المرحلة الأولى من العام
1958-1979
في تلك العقود التي اثمرت عن التطور الحقيقي للأغنية العراقية وأسماء ملحنيها ومطربيها وشعراء أغانيها لابد ان تكون تلك الأمور مع وجـــود المدرسة المصرية العريقة حاضرة بذائقة طالب غالي التــي ما هــــي إلا عبارة عن ذائقة شاعر وموسيقــي يتطور فنه مـــع الزمــن , ففـــي الـــعقد الخمسيني تعلم طالب غالي العزف على آلة العود وهو بدار المعلمين فـــي البصرة على يد الملحن الراحل ياسين الراوي ليصبح ياسين الراوي علامة بتأريخ غالي ويضاف اليه صديقه حميد البصري هكذا هي بدايـــة مبدعنــا دار المعلمين وحفلات المعهد لتأتي فرقة البصرة مع وجود الراحل مجــيد العلي وأسماء أخرى ليجد غالي نفسه ملحناً ومطرباً لمن أحبه بحياته ذلك هو عبد الحليم حافظ الذي كانت أغانيه تردد من قبل طالب غالـي ومحبيــه حيث كانت مسارح البصرة ومنتدياتها الثقافيــة أماكن لنضوج هذه الموهبة العراقية بزمن التعملق الغنائي فبعد تعلم العزف علـى العود وقبــله الشعــر إلـى... مطـــرب , أصبحت شخصيته ذات كيان ولها عالمها الذي ما هــو إلا رصانة لتصبـح الأمور آتية لهذا الرائع كي تأخذ دورها بمساحة العراق وتأريخه الغنائي العــــريق.
في العام 1968 كانت الإذاعة والتلفزيون على موعد مع مواهب قادمـــة من جنوب ووسط العراق وبقية المناطق فمن خلال لجان الاستكشاف كانت أسماء المواهـــب تتحــدث عن نفسهـــا أمثــال حســـن الشكرجي ومجيـــد العــلي يضاف إليها حميد البصري وكوكب حمزة والراحـلون فؤاد سالـــم وفتـــاح حمدان والفنان حســين نعمـــة وموضوع دراستـــي طالب غالـــي الإنسان والفنان ماذا قدم لنا غالي لنا كمتذوقين بتلك الحقبة الزمنية المليئــة بالنجوم من كلا الجنسين فالتأريخ يذكر روائع الأعمال لطالب غالي حــيث ما زالت قصيدته عاد الربيع حبيبي والتي قام بتلحينهـــا عمــلاً مــن ابــرز أعمال سيتاهوكيبان الذي تتذكره سيتا ونتذكـــره نحن معاصـــري الغنــــاء العراقي في عاد الربيع حبيبي يؤكد طالب غالي علو مدرسته التلحينية هنا نجد استخدامه لمقام الكرد بشكله الجميل ودخوله لقلب المتلقــي حــيث عبر لنا بموسيقى تتلائم وأجواء الربيع التي نعلم بها وبجمــالهــا الخـــلاب كيف تعامل مع الكلمة التي رسمها بنفسه, كان إيقاع الفالس الشهـــير يحاكيـــنا بتلــك القصيدة المغناة وأجمل شيء انك تستمع لعمل غنائي لا يمـــل مهما سمعناه وفي هذا العمــل أبدعــت سيتاهوكيبان وأثبتت إنهــا مطربة مـــن طراز خاص لا تقلد احد ممن سبقوها من مطربات العراق لذلك اختارت لوناً يتلائم مــع حنجرتها فقدمت لنا مدرسة فيروزية عراقية خالصة خالية من التقليــد الذي نعرفه هكذا هو طالب غالــي اعتمد مدرسته بل وضل محافظاً على لون هو من أسسه.
إذن ماذا بعد عاد الربيع حبيبي هل هناك شيء جديد يحدثني طالب غالي إن ألحانه استمرت مع أصوات مائدة نزهت وفؤاد ســالم وسعــدون جــابر (فأغنية طاح النده بكصيبه وحلو حلو) لمائدة نزهت (وهله هله ياسمه) لسعدون جابر (وعمي عمي يابو مركب) لفؤاد سالم تشكل لديه بداياته إلا رصانة لتصبـح الأمور آتية لهذا الرائع كي تأخذ دورها بمساحة العراق وتأريخه الغنائي العــــريق.
الأولــى وقد حضر الشعراء أبو سرحان وكريم العراقي بنصوص تلك الأغاني.
برغم مضايقة السلطات لـه لــم يكتفي بتلحين الأغنية بل ذهب بتلحين اوبريت المطرقة الذي يتــحدث عــن نضال الطبقة العاملة فــي العـراق والعالم ولكــن السلطــات آنذاك منــعت عرض الأوبريت كما منعت او ربما حذفت أعماله مـــن أرشيف الإذاعـــة والتلفزيون وبقى يتحسر على أعماله تلك وما زلنـــا نبحث عـــن مصيرهـا حتى إعداد هذه الدراسة لعلنا نجد شيئاً.
يستمر غالي بحديثه الشيق ليذكر لي أن المدارس أو الثقافة الموسيقية التي اكتسبها أتت إليه من خلال عدة أمور أول تلك الأمور الاستمـــاع لموسيقى العالم الآخر ومدارسه المعروفة من خلال موسيقى العباقرة أمثال بتهــوفن وموتسارت وغيرهم أولا وكونــه شاعراً وهــو عارف بتلــك العلاقــة بين الشعر والموسيقى والتعامل مع إيقاع الشعـر والأهم من ذلك أجواء البصرة كمدينة ثقافة ومبدعين بوجود أسمــاء أمثــال مــن ذكرتهـــم كمجيد العلــي وحميد البصري وكوكب حمــزة والآخرون ومــن خلال ما قدمته المدرسة المصريــة للذائقة العربيــة بأعمال خلدت بملحنيهــا وما أكثرهم ومــا أكثر عطائهم.
فعندما نذكر تأثر غالي بهذه المدرسة يعني التأثر بما قدمتــه من أسمــــاء عمالقة التلحين أمثال عبد الوهـاب والسنباطي وكمال الطــويل والموجــــي وبليغ حمدي كل المدارس هذه أثرت بطالب غالـي وكمــا ذكــرت أيضــــا حضرت تأثراته بصوت عبد الحليم حافظ ومن يتأثر بمدرسة ما ستنعكــس على أسلوبه إن كان ملحناً بعملية التلحين إلا إن ذلك لا يمنع الاعتماد على التراث العزيز الذي يمتلكه العراق من غناء او موسيقى وهــذا ما لمسنـــاه بمعظم إعمال طالب غالي المتعددة الأغراض والمواضيع كلما اقتربنا مــن نهاية العقد السبعيني كلما ازدادت المضايقة لهذا الفنـان مــن قبل السلطــات لذلك قرر أن يترك الوطن ليجد نفسه في العـام 1979 بدولة الكــويت لتبدأ رحلة جديدة بحياته الفنيــة والنفسيـــة والإبداعيــة ومن الممكن أن اسميهــا بالمرحلة الثانية من هذه المسيرة والتي استمـرت ما يقارب العشرين عـــام لتنتهي في العام 1990.

المرحلة الثانية رحلة الإبداع 1979-1990
الصفحة الثانية التي امتدت لأكثر من عشرين عاماً والتي حقيقة ما هــي إلا عمل متواصل لهذا المبدع الذي عبر من خلال عقدين من الزمـن بدولـــة الكويت قدرة الفنان الحقيقي والملتزم بفنه ورسالته الإنسانية إن لا يأس مع الحياة وان المبادئ هي ليست ملبس أو مأكل فهي فكر يظل مــع صاحبـــه إلى آخر لحظات العمر.. في الكويت يلتقي مع ابن مدينتــه البصــرة وأبـن العراق صاحب الحنجرة الذهبية فؤاد سالم بعد فراق مؤلــم ليكــون الغنـــاء والإبــداع للاثنين هويــة لهذين الأسمــين وينتج عــن ذلك روائــع غنائيـــة كنــا نرددها بعقد الثمانينيات برغــم الحضــر على أعمال هذان المبدعان فقــد أدى فؤاد سالم زمن الحان طالب غالي الأغنيات التالية منها (هلي / وأم راشــد / وألي الله / حبيناكم / ودعونه / ورائعة السيــاب غريب على الخليـج وذلك العمل الذي اثبت لمتذوقي الغناء العراقي ومحبي القصائد ان هذا المنجز ما هو الا درس من دروس التلحين للقصيدة حيث كانت لغة السياب وخيالــه إبداع مــا بعده إبداع لطالب غالــي إن قصيــدة غريب على الخليج فيهـــا مـــن الصور الغنائية الممزوجــة بخيال ملحــن وشاعر قد لا نجد مثله عند ملحنــي القصائد العراقيــين أو حتــى العــرب فطقوس الخليج وحب العراق قدمها لنــــا غالي هدية الى متذوقــي الغناء.
ما أجمل الفالس حين يتعامل معــه طالـب غالــي وهو يحكــي للمستمــع أهميـــة هذا الإيقــاع الذي قدمه لنـا عبقــري الموسيقى العالمية (شتراوس) وهــا هو غالــي عرف كيف يتعامل بدقـــة متناهية مع هكذا إيقاع , في قصيدة الجواهري دجلــة الخير والتــي أداهــا ايضا فؤاد سالم أدركنا إننا إمام مدرسة خالصة تعرف كيفية تنمية الذائقـــة حقاً..
إن عقد الثمانينيات كان عقد الوفاء للوطن والألم فالحـرب غيرت أشيـــاء كثيرة وأصبحت أغاني الحرب هي من تتبوأ بصدارة الإنتاج العام للأغنيـة إلا أن ذلك لم يمنع مبدعنا غالي من تلحين الغناء العاطفي والغنـاء الدرامي فكان صوت المطرب العراقي الساكن بالكويت على موعــد الحان غالــــي (علي محمود) هو ذلك الصوت الذي قدمه غالي بـأغاني (تذكرني والله ما حبيت كبلك) اذن حظر علي محمود وفؤاد ســالم وحضــر الشعــراء داود الغنام شاعراً غنائياً لحن عشرات الأغانــي للوطــن بصــوت فؤاد سالــم.
تستمر رحلة إبداع طالب غالي مع اللحــن هذه المــرة يوضب تجربتــه التلحينية لأعمال تحاكي الطفولة حيث كان تعاونه مــع مؤسســة الخليـــج للإنتاج ألبرامجي بصمة أخرى حيث المسلسلات لوسي /بومبو/والحوت / والأوسكار تأريخ له من تأليف الموسيقى والألحــان التــي عرفنــاهــا بتلك الأعمال بصوت ابنة الفنان (سنا).. أضف لذلك وضع الحــان مسرحيــــة الطفولة سندريلا بحدود اثنتي عشر اغنية بصوت سنا أيضاً يوما بعد يـــوم والإبداع يتجدد والتأريخ يسجل لأصحاب المنجزات بحياتنا , وماذا بعد يا طالب غالي هل حصل امرأ ما في حياتك وحياة العراقيين.
المرحلة الثالثة
يحدثني الرائع إن العام 1990 كان عاماً لا يحب أن يتحدث عنه وعن الألم فلقد حصل الغزو للكويت ومع ذلك الغزو وما رافقه من مأسي مما فرضته الظروف ان يهاجرإلــى بلاد الغرب ليبتدئ غالـــي صفحة أخرى من حياته لا تخلو مـن الوضــع الذي لا يحسد عليه الغربـــة والألم والحنين لسنوات الكويت لم تغب عن مخيلة هذا المبدع...
هذه المرة الدنمارك محطته الثالثة والأخيرة ففي الدنمارك كان يعبر عن حالته بمعشوقته الموسيقى وجمالها الإنسانية معبراً عن ذلك بتلحين رائعة السياب بـ(أنشودة المطر) الذي اعطى لها ما يعطيه الأبناء لأوطانهم من تضحية وفداء للذود عن تربة الأوطان لم يبخل من الإبداع الذي هو خزين بداخله كانت أنشودة المطر عصارة جهده في قصيدة أمدها نصف ساعـــة من الموسيقى والألحان وغناء الكورال والتوزيع وصوت فؤاد سالــم كـان هو المقصود أيضا بأدائها. إلا ان سوء التسجيل بأستديوهات سوريا حال دون تكملة هذا العمل , فظل حلم فؤاد حتى توفى رحمــه الله لـــم يتحقق بأدائها وظل طالب غالي ينتظر اليوم الذي يقدم فيه هذا العمـــــل لمحبــي الموسيقى ومحبي طالب غالي في انتظار ساعة تقديمه..
صفحات من حياة إنسان تستحــق بنــا أن نبحث عنهــا ونوصل رسالتنــا للآخرين ان المنجز لهذا المبدع هو بحد ذاته حكاية لإنسان عراقي ترعرع بأحضان تربة الوطن وظل وفياً له ولأهله وأصدقائه لنخيله الذي هو أجمل وصف اصف به هؤلاء الرموز الذين تزخر بهم ارض الحضــارات ومنهم احلى الأسماء ابن شط العرب طالب غالي.. الربيع المتجدد.

أهمية مدرسة طالب غالي التلحينية
بتأريخ العراق الغنائي
عندما اذكر مدرسة غنائية فأني لا أجامل احد فنحن عندما نذكر مــدارس التلحــين العراقية كالمدرسة البغدادية وروادهــا والسبعينيــة ومؤسسيهــا وبالأسماء التي نعلم بها وبثقافتها لماذا لا يذكر اسم طالب غالي الذي يمتد عمره الفني مــا يقارب الخمسين عام وما زال يقدم أعمالا ببلاد المهجر... اعتقــــد ان مــن يتحمــل ذلك قلــة الوعــي للكثيــر مــن الباحثين اللذيـــن يتصــورون ان البــحث بتأريـــخ الغناء العراقي مجــرد التذكير لأغانــــي بأصـــوات المطربين والمطــربــات تاركين دور الملحــن والشاعر اللــذان بدونهمـا لــم يولد المطرب او المطربــة , فكيف بـنا ان نتحدث عــن قامــة عراقية قدمت لنا نماذج من صـور اللحـن الذي فارقناه من عقـود وأصبحنا بوضع لا نحسد عليه ونحن وسط المتطفلين والطارئين على أهل الموسيقى مـــن الأكاديميين والخبراء ومــا أكثر الباحثين عندنا ويا للأسف هذا حــال الموسيقــــى والغنــــاء عندنـا.. أعود لمدرسة طالب غالي وأهميتها بتنمية ذائقتنا الغنائيـة حيث يــدرك المستمـــع المثقف انـــــه أمام فنان امتزجــــت موهبـــة الشعـــر الغنائـــي والتلــحين وصوت جميل لقد أدرك غالـــــي أن ثقافة الملحن لابد أن تصل لأبعد حدود من حدود الوطن عن طريق الكلمــة التي يدركهـــــا المستمــــع العربـي من أقصـــى الشمال إلى ابعــد مكــــان في الوطن العربي قبـــل العراقي... كانت القصائد الملحنــة والمقامات التي تفاعل معها كمقامــات العجم والكرد والنهاوند حلقـة وصـل بين هذا الفنـان وأعماله للمستمع العربي مـن روائـع السياب والجواهـــري وسعدي يوسف ونصوصـــه ولغته التي تنسجم مــع إحساسه المرهف الذي نمى عنده طيلة هذه العقود الزمنية ليثبت ان الملحن العراقي حاضـراً منــذ بدايــة تأســيس مدارس الغناء العراقي ديناً أو دنيوياً.
إن الثقافة الموسيقية والغنائية لدى الفنان طالــب غالــي تخطت الأطــر الروتينيـــة بعمليــة استخــدام الموسيقــى أو التلحيــن فبعد إبداعه المتعدد بمجال تلحين القصيدة والأغنية والأوبريت والتعامل مع موسيقى الدرامــــا التلفزيونية والاهتمام بموسيقى وأغنية الطفل ذهب هذا الفنان الى أبعد مـــا نتصور إلى حيث ترجمة شخصيات فنية هي رمز من رموز مدينة البصرة منها موضوع غنائي وموسيقي عرفاناً منه بقيمة هـؤلاء الناس باعتبـــارهم شخصيات أزلية... هكذا كانت شخصية (تومان) البصريـة وتومــان هـــو عازف لألة موسيقية يعلم بها اهل البصـرة وبالتالــي كانت هذه الشخصيــة مشروع من مشاريع الموسيقـى والغنــاء في بغداد عاصمة الثقافة 2013.
مدرسة طالب غالي بين مدارس التلحين العراقية
عندما نذكر مدارس التلحين فـــي العــراق منذ بدايــات القــرن العشرين باعتباره مرحلة مهمة بتأريخنا الغنائي وأرثه الغني عن التعريف فالأسماء كثر والإبداع لا ينضب عند حد معين فمن المدرسة البغدادية تعلمنا ثقافــة غنائية لم تغيب يوماً عن أبحاثنا وتحليلاتنا هكذا كان الرواد مــن مبدعيــنا امناء بنقل شخصية الأغنية العراقية ورصانتها خارج اسوار الوطن برغم حالة المجتمع العراقي وطقوسه الأجتماعية واستمر هؤلاء حالة من التجدد الذي كنا ندرسه وحين ظهور أسمـــاء جديدة بنهايــة العقــد الستيني أمثــال مدرسة القره غولي ومحمد جواد أموري الشهيرتين كان هنالك اسمــاء قـد ظهرت متزامنة مع هاتين الأسمين وقدمت نفسها كأضافة فنية مع زملائهم أمثال حميد البصري وكوكب حمزة ومن تحدثت عنه طالب غالي فكل اسم مدرسته المستقلة عن زميله.. ومن يتمعن جيداً بألحان طـالب غالـــي سيجد ان مدرسة هذا الفنان هي ثقافة جديدة مــن تلك الذائقــــة التـــي نحن بأمس الحاجة اليها فما ذكرته من روائع تلحينيــة لهذا المبــدع لا تشبه المــدارس الأخرى لزملائه اللذين ذكرت أسمائهم.. لقد اعتمد طالب غالي على نقــل مستواه وعلميته الآتية من واقعه اولاً ومن تأثره لمدارس أخرى كالمدرسة المصرية التي كانت ذات تأثير على غالبية ملحني المدرسة البغدادية ومــن جاءوا بعدهم الا ان هذا الشيء وان حضر بمدرسته غالـي فهو بحــد ذاتــه تأثر بحدوده حيث تضمنت امكانيته التلحينية التطعيم الجميل والمثمر فــــي
تلحين القصائد والأغاني العاطفية بنكهة الغناء العراقي وتفاصيله من خلال الإيقاعات العمل الغنائي المدروس والذي نعلم بمضمونه.. ان تعامل غالي مع المقامات التي هي قريبة من نفسية المتلقــي كالكرد والنهاونـــد والعجـم كان بحرفنه كبيرة لذلك ظلت أعماله خالدة ولا أجمل من الاستمـــاع مـــن زمن لآخر... وعلى الرغم من هجرة هذا الفنان منذ نهــاية العقد السبعيني والى ما بعد العام 2003 إلا أن محبيه ظلوا متابعين إبداعه المتواصل أين ما وجد بدول المهجر.
عقود من الإبداع وأعمال ذات قيمة رصينة برغــم رحلة الغربة الطويلة هكذا هو فنان مجتهد إذا أردت أن اختصر الرأي بحق هذا المبدع سأوجـز ذلك , إن الملحن أو المطرب أو شاعر الأغنية إذا مــا أرادوا أن يتواصلوا مـــع الإبداع المتجدد في عالم الأغنية أن تكون الأعمال نابعــة من التـراث أولا ومن ثم مواكبة التطور الغنائي من حيث ثيمة العـمل الغنائـي ومسـاره اللحني واعتبار أن الثقافة الغنائية لابد أن تكـــون ذات نظرة بعيدة المـــدى لتصل إلى الذائقة العالمية كمحصـلة نهائية للمشروع الإنســـاني الذي هـــو متلاصق مع الإنسان.. ذلك هو الغناء ودور رسالته التـي أوصلهــا ألينـــا أناس خلقوا الإبداع الذي نريده شكراً لطالب غالي ولمدرستك التي أحببناها وأحببنا من خلالها أن نكتب وتكتب عن لغة العالم الموسيقى والغناء .

المرحلة الرابعة 1990 – 2016
الدنمارك والمكوث فيها كانت المحطة الجديدة بحياة طالب غالي فبعد الهجرة القسرية من الكويت وما حصل من متغيرات كثيرة بحياة طالب غالي والعراقيين بشكل عام لم يغب الوطن عن وجدان غالي مذ غادره عام 1979 ولم تغب البصرة وطقوسها وثقافتها وموروثها وشخصياتها المعروفة وكل الأماكن الخالدة لذلك ظل العقد التسعيني والألفية الجديدة التي شهدت التغيرات الكثيرة في العراق وما حصل بعد التغيير من عدم الاستقرار وأمور لا تحمد عقباها بالمقابل استمر طالب غالي يكتب الشعر
ويلحن للوطن ,للناس اللذين احبهم وحرص ان يحضر المؤتمرات الثقافية والموسيقية فكانت القصيدة حاضرة عنده كلحن وكانت الأغنية الوطنيــة زاده الذي يشبع ذاته ونكرانه مع تعاون ملحوظ مـــع مطربين ومطربــات عرب وليأتي العام 2013 عــام بغداد عاصمـــة الثقافة ليكــون حضـــوره واضحاً مع زملائه الفنانين العراقيين ووفاءاً لمدينته البصـــرة ورموزهـــا الكثر اختار ذلك العمل المسمى (تومان) تلك الشخصية الشعبيـــة والتـــي يعلم بها وبأهميتها أهالي البصرة ليقدمها بصورة جديدة اعتبرتهــا انتقالتــه المتجددة ورؤيته الواسعة هكذا هو تومان عند طالب غالي.

شخصية تومان البصرية بين موسيقى طالب غالي وشعر ستار البيضاني.
كما تحدثنا عن شخصية طالب غالي شاعراً وملحناً أبدع لعقــود زمنيــة داخل وخارج العراق ورغم الألم الذي بداخله الآتي من غربة السنين إلا أن هذا الرمز في كل زمن له حكاية إبداعية هــو مــن يرسمهـــا بشجـــن موسيقي وغنائي تعددت أشكاله... وجماليته.. الملفت للنظر إن مدرسة غالي الشعرية وأسلوب قصائده توحي لك ان هذا الفنــان وفــي لمن هـــو بفكره وإحساسه بل يمكن ان أعبر وحسب ثقافتي البسيطة بفهم الشعر وما بداخل قلب الشاعر من خيال يعبر عنه بمواضيع ما هي إلا صور للحيــاة التي نعشقها فالربيع وحب المدينة ونخيل شط العــرب وعشارها والأهــل والأصدقاء والنسوة والوطن الجريح وأمور أخرى ببال غالي عبر عنها في الكلمة واللحن المعبر في عمله تومان في العام 2013 ذلك العمـل ما هــو إلا وفاء لأحد الفنانين البصريين الفطريين والذي تعددت مواهبه كالعــزف على أحدى الآلات الشعبية الهوائية المسماة بآلة (فريفره) , والتمثيــل أو التهريج, ما زلت أذكره وأذكر صوته وهو يحمل لافتة السينمــا ويصـــول ويجول بها بشوارع البصرة كوسيلة إعلامية.. هكذا هو تومان الذي رحل عن أهالي البصرة إلى العالم الآخر في ثمانينات القرن الماضي ليبقى اسماً تتذكره أجيال البصرة ويصبــح مشروعــاً غنائياً أو مــادة غنائيـــة ساهـــم باستذكارها ثلاثي مبدعي البصرة الفيحاء طالـــب غالـــي ملـــحن وستـــار البيضاني شاعـــراً وعدنان خلـــف مؤدياً بذلك العـمـــل.. وهنــــا ندرك كمتلقيــن وباحثين قيمة مدرسة طالب غالي وإمكانيته بالتعامل مع الكلمــة وأهمية الموضوع حيث تعددت المقامات التي استخدمها المبدع غالي مبتدأ بمقام السيكاه ثم الحجاز والبيات وبإيقاعــات البصـــرة الشهيـــرة كـــالهيوه والإيقاعات الجنوبية الأخرى نصف ساعة عبـــارة عن درس مــن دروس طالب غالي بتلحين الأسكيتش الذي نريده ومرة أخرى اعجـــز عن وصفك يا أبن العراق أيها البصري الجميل الذي قدمت لنا وما زلت معطـــاء هكذا أصحاب المواهب والمؤثرين بفنهم لمن يستمع لمنجزهم..

الشعر في حياة طالب غالي
لست بشاعر وإنما وجدت نفسي بمدينتي التي هي ولوده بالأدباء, شعراء وكتاب وهم يتنفسون الشعر ورائحته تلك هي سوق الشيوخ مدينة أجيـــال من الشعراء الراحلون منهم والحاضرون واللذين هم امتداد لمن سبقوهـــم فأنا من أسرة آل حيدر الأسرة التي قدمت المثقفين وعلماء دين وساســـــة همهم خدمة العراق لذلك أجد نفسي مقصراً على قدر مثواي بهذا المجال..
ففي ديوانه الأخير (تقاسيم على الوتر السادس) أجد أن طالب غالي قدم لنا الشعر حبا ولحنا يخرج من القلب الذي عانى من الغربة وعانى من الحنين الجنوبي العراقي المتمثل بصور الهور ولأرض الطيبة والأصدقاء.
ماذا يعني بتلك الجملة (أصدقك القول بأن المدن المنفى موحشة خرساء) وعلى عكس ذلك يذكر (أيمُ ذاكرتي شطر الوطن المأسور حنيناً لي فيـــه محطات للدفئ وللفرح والأمر والعشق) أنهـــا محطات العمــر مــــن حب وأغنيات وسماء وأمطار ووطن , وكموسيقي يدرك أهمية الآلة الموسيقيــة ومدى تأثيرها بالنفس البشرية نجد ديوانــه لم يخــلو مــن ورود آلة النـــاي الحزين هكذا هو الحزن رفيقه وها هم احبته صور لنكــران ذاتــه , اعتقــد بصفتي متلقي للشعر الذي لا أجد فيه لغة الغموض عند الكثير من الشعراء غاب عني وان أقرأ ديوان طالب غالي ربما لأني فهمت هذه الشخصية أو ربما هو الحب له لذلك توضحت لدي الرؤية بدون رتوش او رموز ولا أفهمها سأظل أذكر أسماء (سنا ودنى ولنا) حبيبــات غالــي فهن المال والبنون وزينته وهن الأم والأخت.. والحياة لم يكتفي بوفائه عند هذا الحد فراح يذكر أسماء الأصدقاء اللذين يرى فيهــم شيء بحياتـــه فمجيد البصري والراحل كامل شياع صورهم بتلك الصـور التي لا تخـــلو مــن جمال الخلق والذكريات وما تعنيها , وماذا بعد يا طالــب غالــي.. الــذي كنت معي تمراً أحببته كثيراً لأني أرى فيه الخير يــا بعيداً وقريبـــاً عنـي.
تلحين القصيدة بمسيرة طالب غالي الموسيقية
من حقنا أن نتباهى إننا أمام ملحن تعامل مع تلحين القصيدة وما تستحقه باعتبار إن لغة الشعر ومضمونها تعد موضوع ليس باستطاعة أي ملحن أن يتعامل مع هذا القالب الصعب سوى هؤلاء الملحنـــين اللذين يتميزون عن اقرانهم بجملة أمور ومنها الثقافة الذاتية للملحــن الذي يتابــع قـــراءة القصائد والمواظبة عليها والتأريخ الغنائي العراقي يحدثنا عن اسماء كبار الملحنين اللذين قدموا لنا دروس بكيفية التعامــل مــع لغـــة الشعر امثـــال الراحلون احمد الخليل وناظم نعيم ووديع خوندة وعلاء كامل وسالم حسين وجعفر حسن وفاروق هلال ورضا علي وروحي الخماش وقائمة لا تنتهي وصولاً لطالب القره غولي وجعفر الخفاف ومـــع الاعتزاز بمـــن برز من فنانين بعقد الثمانينيات أمثال كاظم الســـاهـــر ومهند محســن ومجتهـــدين كثيرين وهذه حالة صحية تعبر عن رصانة الإرث الغنائي العراقي.. أعود لمن كتبت من أجله طالب غالي وحبه المميز خــلال روائــع اللحـــن ولتكون قصائد السياب مادة للحديث عنها في غريب على الخليج التي أداها الراحل فؤاد سالم وفي أنشودة المطر ودجلة الخير للجواهري ويعاد الربيع حبيبي لطالب غالي نفسه نجد ذلك التألق المستمر مع كل عمل مما ذكرتــه من تلك الأعمال فتعدد استخدام المقامات والإيقاعات وتوضيـــح المفـــردة الشعرية بلغة الموسيقى واستخدام الآلات الإيقاعية التي عبرت عنها آلات الطبلة والرق والدف وآلة التمباني كانت تحدثت عن قيمتها ودورهــا فـــي العمل الغنائي ولا ننسى استخدام الكورال بأعماله تلك , ان مقامات الكرد والنهاوند والصبا والحجاز والبيات كانت ادواته التلحينية.
وكما أشرت أن غالي شاعراً أصلاً لهذا وجدنـا ثقافتـــه حاضـــرة وهـــو يتعامل مع القصيدة او الشعر بصورة عامة وكباحث لابد ان أســتذكر هــذا المبدع وطريقة التعامل مع الشعر الغنائي بكل تقديم وحجم الإمكانيـة التــي يمتلكها إذن نحن أمام معلم لمن يريد التعلم والوصول للرقي التلحيني الذي فقدناه بزمن الألم هذا.

حوارات بيني وبين طالب غالي.
المركز الدولي لدراسات الموسيقى التقليدية.