السلطان عبدالحميد..كيف احتفظ بطرابلس

السلطان عبدالحميد..كيف احتفظ بطرابلس

بمناسبة ما يدور في مصر والخارج حول طرابلس، ننشر فيما يلي صفحة مطوية من تاريخ السلطان عبد الحميد خان، الذي كان يذود عن ولاية طرابلس بكل ما يملك من قوة.
***
كانت الصحف الاجنبية، تطلق على السلطان عبد الحميد خان، عاهل تركيا القديمة، لقب"السلطان الاحمر"بمناسبة ما اقترف باسمه من الحوادث الدموية الرهيبة..

على ان الدول الاجنبية - في ذلك الحين- لم تكن تنكر ان عبد الحميد، كان من دهاة السياسة، وكثيراً ما وقف ممثلو الدول مبهوتين ازاء ذكائه الوقاد وبعد نظره وفهمه دقائق الامور وعلى الرغم من ان اوربا كانت تطلق على تركيا لقب"الرجل المريض"فان الامبراطورية العثمانية ظلت سليمة باكملها طيلة حكم السلطان عبد الحميد وكانت الدول الكبرى، تتحين الفرص للانقضاض على"الرجل المريض"اي تركيا ولكنهم كانوا يخشون بأس"السلطان الاحمر"وسطوته وفقا لتقارير سفرائهم.
في خلال ذلك، كانت ايطاليا تتحرق شوقا للانقضاض على ولاية طرابلس واحتلالها، فراحت تبعث بسفرائها لتمهيد الجو، والوقوف على مدى استعداد تركيا للدفاع عنها.. ولكن لا يكاد السفراء يصلون الى تركيا حتى يشتريهم السلطان بعطاياه ويبعثون بتقاريرهم يحذرون فيها دولهم الى ان تفكر في عداء تركيا.
وحدث ان راب الحكومة الايطالية مسلك سفرائها في العاصمة التركية، ومن ثم قررت ايفاد بعثة سرية قوامها اميران من امراء البيت المالك، عهدت لهما موافاتها بحقيقة الحالة في تركيا حتى اذا كانت الفرصة سانحة، انشبت ايطاليا مخالبها في طرابلس.
وكان لابد للاميرين من زيارة السلطان، فالتمسا تحديد موعد، وقيل لهما ان جلالته سيقابلهما في مكتبه بالقصر الهمايوني.
وفي الموعد المحدد، دعيا الى المثول بين يدي السلطان، فشهداه يقف امام حائك ملابسه الخاص، وامامه صرة فيها عدد كبير من الصداري الحريرية الملونة الفاخرة، وقد بادرهما بقوله:
- انني اقابلكما في مكتبي الخاص، واثناء اجرائي"بروفة الصداري"لرغبتي في ان تشتركا معي في اختيارها واغتبط الاميران بهذه اللفتة السامية وقبيل انصرافهما وهب كلا منهما صديرية جميلة، وانصرفا يلهجان بكرم السلطان وحفاوته.
وعندما ذهبا الى الفندق، خطر لهما ان يجربا هدية السلطان، فارتدى كل منهما"الصديري"واذا بكل منهما يعثر داخل جيب الصديري الخاص به، على تحويل بمبلغ مائة الف جنيه عثماني فتبادل الاميران ابتسامة الرضا..
وغادر الاميران الاستانة بعد ايام، وقدما الى الحكومة تقريرا جاء فيه:
"ان مجرد التفكير في الاستيلاء على طرابلس الغرب او اي جزء من الامبراطورية العثمانية، معناه القضاء المبرم على كيان الدولة الايطالية"..
وهكذا صرفت الحكومة الايطالية النظر عن احتلال طرابلس، وبمثل هذه الوسائل كان السلطان عبد الحميد يكافح مجاهدا في سبيل المحافظة على"الرجل المريض"وقد تمكن فعلا من المحافظة عليه حتى خلع عن العرش!

الأثنين والدنيا /
تشرين الأول- 1945