توزفيتان تودوروف:المعنى مركب دلالي من وحي التلقي وقصدية الخطاب

توزفيتان تودوروف:المعنى مركب دلالي من وحي التلقي وقصدية الخطاب

د. سلام الأعرجي
يعتقد (تودوروف) ان الادب ما هو الا , ضرب من التوسع والتطبيق لبعض أختصاصات الكلام , وهو بذلك يتفق مع (بنفنسنت) في فهمه لماهية الكلام حيث يرى كلاهما ان الكلام يتوفر على صعيدين ذوي استقلالية عالية عن بعضهما في التوفر على المعنى رغم تحفظهما على شرطية الانتاج والانجاز. اما تلك المنحيين - الصعيدين - فهما الخطابي والاخباري ,

ويرى كلاهما ان المنحى الخطابي تبنى فيه مدلولات عبارة الخطاب على هياة آنية الترميز والتفسير , أما المنحى الاخباري فهو يتحرك على وفق مفاهيم او معان تاسيسا على توالي (آنات) حاضرها (آن) صفري يتكشف به ومن خلال تراجعية خطية أنية - ماض - سردا مدلولاتيا لايمكن للسارد او الحاكي تاويله قدر تشكيله لحالة حاضرة فيها - المدلولات - الا ان (بنفينسنت) يرى ان الخطاب اكثر انسجاما مع ذاته في انجاز المعنى واكثر صمودا امام سلطة التأويل , ذلك لانه يرى ان نهج العبارة يحيل الى منجز اندماجي يتمثل في اندماج (اللفظ في الملفوظ) فيما يرى تودوروف العكس , الخطاب ليس عبارات مصنوعة بل هو عبارات ملفوظة وهذا ما يؤكد حتمية التاويل لتعددية العوالم المشتغلة منذ الانجاز حتى الاستهلاك. اي ان التاويل أن وقع موقع (المدمج التخيلي) لدى المتلقي كما يعتقد (بنفينسنت) فهو اكثر تعقيدا من ذلك مع (تودوروف) بل يلامس وظائف (جاكوبسن) اللغوية الستة , ألا انه ينحى منحى ماديا , حيث يوقع العبارة الملفوظة في عالمين: الانجاز والاستهلاك / الالصياغة والافهام / ويجعل جسور ايصال وافهام شرطية البنية. ان العبارة الخطابية - النصية - لابد لها لفظا من ان تتوفر على زمكانية حدثية / وسياقا تلفظيا / واسلوبية التلفظ , فيما يقابل ذلك متلقي يقرء العبارة من اسلوبية التلفظ وزمكانية الحدث الموازنة او المسترشدة بزمكانية التلقي فضلا عن الكيفية التي يتعامل بها ذلك المتلقي مع السياق اللفظي. وفي دراسته أصول الاجناس الادبية يرى تودورف , أن الخطاب هو دائما وبالضرورة فعل كلام. وعليه فكل ملفوظ من وجهة نظره ينتمي الى خطاب , يأخذ دلالته منه هو ذاته دون وساطة اي مدمج خيالي اولا , وموضوعة اللفظ مرتبطة بخاصيتين دوما: بالعبارة وبطبيعتها المزدوجة كتعبير وعبارة ثانيا.ولما كان الادب توسع لبعض اختصاصات الكلام فان تاويله يقع حتما على نوع آخر من الخطاب ثالثا. ويرى ان ألية أشتغال التأويل تعتمد على مرتكزات ثلاث هي: 1- المظهر الحرفي للمنطوق 2- المظهر المرجعي للمنطوق 3- اسلوبية النطق , فالتاويل -حسب تودوروف - عملية أزاحة واحلال , وليس عملية أشتقاق واستقراء , وهو بذلك يتقاطع مع العديد من العلماء اللسانيين (فريماص , فريج , بنفينسنت)الى حد كبير حيث يرى (فريماص) ان ثمة علاقة بين الدال والمدلول وهي علاقة ارتدادية كليا بطبيعتها. اي ثمة مرجعية ذاتية تحيل اليها الدوال لتشتق دلالاتها فيكون التدليل عملية تحول من مستوى نصي -خطابي - الى آخر يلتقي بالتجربة المجتمعية للنص (اللغة) فيكون المعنى -حسب بترانر هوكس في دراسته البنيوية وعلم الاشارة - امكانية هذا التحول الشفري , ان فريماص يحمل العلاقة بين الدال والمدلول وطبيعتها امكانية انتاج المعنى الدلالي , فهي لايمكن ان تشير الى عوالم خفية او حقيقية اخرى فيما يمكن ان تشير اليه ذاتها. فاذا اتفق مع (تودوروف) على ان المعنى ربما يكون ذلك الاحلال او الانزياح الشفراتي في المجال بين الدال والمدلول في عموم الانساق الخطابية اي انه لايرى ان الشفرة / الرمز يمكن ان يكونا ذي امكانية تعددية قرائية , ملتقيا بذلك مع (كاريل بروشاك) في انهما - الشفرة , الرمز - ربما يكونا معادلا موضوعيا للمعنى المحمول او القصدي او المؤول اليه الا ان ثمة شرطية صارمة تحمل(الرامزة) او الشفرة امكانية ان تحول الى نفسها , علامات الشيء ذاته , كما يعتقد ذلك(كيير ايلام) في دراسته العلامات في المسرح , وهو لا يتفق مع(فريج) وان جعل من المرجعية مفسرا أو مؤولا للدلالات المصاحبة والمحمولة في الانساق , ذلك لأن المرجعية الدلالية في مفهوم (فريج) تتكامل باوجه العلامة الاخرى وهي المعنى /الصورة المشتركة فهو لا يرى اي انفتاح على تعددية معنوية مطلقا ذلك ان ثمة تماثل شيئي او تواضعي او شكلي يشكل اتفاقية دالية سلفية تدعمها الضوابط الصارمة لقانون اللسان اللغوي. كما لايرى في المدلول الاثر الجمالي الذاتي الذي يستقر في الوعي الجمعي , وهذا ما يراه تودوروف أيضا , أي انه يجد في قراءة الخطاب وتاويله انعكاس عن تجربة ذاتية , فلا يمكن ان يكون المرجع تخيل المتخيل , فهو يقرب من استنتاجه للمعنى حيث يرى ان المعنى النهائي للعمل الادبي بحث باطل , لأن معنى العمل الادبي قائم في الحديث عن نفسه وفي حديثه لنا عن وجوده الذاتي , كما ورد ذلك في دراسته, الادب والدلالة, أن اشكالية المعنى لدى(تودوروف) لم تكن في المرجع ذاته , والعلاقة بين الدال والمدلول بل مغادرة منطقة اشتغال المهيمن من النظريات اللسانية المهتمة بالحكي أي النظريات التي جعلت مرجعها المستقرء او المؤول للمعنى المحكي , فهي أزاء حالة لغوية مقنن لها مستقرة بابعد طاقاتها وامكاناتها لعموم عملية النطق على وفق عناصر (جاكوبسن). ان (تودوروف) يبحث عن المعنى في المنطوق ذاته وفي (مظاهر الدلالة التي تحملها عملية النطق) وفي الخطاب المكتوب وليس المحكي. وهو أذ يستقرء المعنى في هذا الاتجاه يحد من فاعلية عناصر الاتصال عند (جاكوبسن) التي تظهر عالية الفاعلية في الكلام المحكي وليس الخطاب المكتوب. بمعنى آخر أنه يرى أن الواقع المعنوي في الخطاب - النص - مرتبط بالمظهر المرجعي للمنطوق الا ان ثمة مظاهر للدلالة ستنزاح عن مرجعياتها أو تصبح غير مرجعية لذا لايمكن للمعنى ان يستقر او ينضب.أن الكلام الذي لايشير بصدق الى مرجعه يعده مظهر الامرجعية الدلالية فهو (كلام يتجاوز الواقع المقصود الى المنطوق اللغوي) كما في (كاليكولا , للبير كامو ومكبث لشكسبير) او غيرها من النصوص ,(القمر) في كاليكولا: كان من الصعب الحصول عليه. ياهلكون:ماذا اذا؟ كاليكولا: هذا الذي كنت اريده.وماذا كنت تريد؟ كاليكولا: القمر! القمر في خطاب كاليكولا يشكل مظهرا من مظاهر الامرجعية في النص , ينصرف ازاءه اهتمام التلقي الى المنطوق ذاته , ولما يكون القمر هو المقصود فعلا فثمة أنفتاح جديد على المظهر الحرفي , فيكثفه علاماتيا ليؤكد تجاوزه واقعية القصد , واقعا , أي انه يحدث خلخة في بنى السرد والروي العاملة فتحمل التلقي التاويل , أي الانفتاح على تعددية قرائية او يتماهى داخل بنى السرد العاملة فيتوحد مع المنطوق ذاته. كذالك الحال في (مكبث) عندما تخبره (الساحرات) بانه لايمكن ان يقتل الامن ذلك الذي لم تلده امرأة , فالمرجع ليس هو القصد بل المنطوق ذاته وهو بهذا يقترب (تودوروف) من (بيرس) الذي يطلق على هذه الحالة (الايقونات الاستعارية) فالتماثل لم يعد قائم فقط بين العلامة ومرجعها بل (بين مرجعيين دل على كليهما بالعلامة ذاتها) -حسب آرت فان زوست في دراسته مدخل الى علم السيمياء في المسرح - وهذا ما يؤكد لدى تودوروف وجود مظهر دلالي آخر تنزع فيه المفردة من مدلولها والدلالة ووظيفتها المرجعية (كليكولا: وافضع ما في الامر هذا الطعم الذي اجده في فمي لاهو بالدم ولا بالموت ولا بالحمى) الدم / الموت / الحمى / مفردات منتزعات من وظائفها المرجعية , أي انها لا تعبر الا عن واقع نفسي ذاتي صرف ينعزل عن الموقف العام والواقع النفسي الذي اسست له الشخصية الشريك , بل جعلت خصوصيةالنص / الشخصيات متوقفة امام ذلك المنطوق , اي ان بنية الجملة من الصلابة اللغوية ازاء هشاشة المنطوق وليونته متوفرة على تنوع معنياتي , ربما يكشف عن ضبابيته تجاه شفافية الجملة , اي انه سيحمل بكثافة دلالية مرتبطة اصلا بمعنى الكلمات التي توجب خلق مظهر حرفي مقابل ومكافء ليرتقي المنطوقيين الى مستوى الشيئية / اي المظهر المادي للمنطوق او الموضوع طالما ان معنى الكلمة مجموع علاقاتها الممكنة مع كلمات اخرىحسب تودورف في اصول الخطاب النقدي. ان تودوروف لايرى دلالة المنطوق تتركب مما يثيره فقط بل ومما هو عليه , أي انه يمنحه قدرة عالية جدا للتعامل مع ذاته , ليتركه يتمتع بلا نهائية تداخلية في تعددية مؤسسة لحبكة الخطاب المكتوب , فيدرك او يستنتج مبرره في استحالة نفاذ او نضوب المعنى ,ان قدرة المنطوق على التعامل مع ذاته تفتح مجالا هائلا لأبداع معان جديدة , حسب تودوروف في مؤلفه الادب والدلالة , فتكون حبكة النص أسلوب ادراكه وليس الحدث ذاته ولا وجود لها الا داخل مجموعة السرد الكبرى. ان حبكة النص بحكم عناصرها المؤسسة والمحددة مفهومها ووظيفتها لبعضها البعض لايمكن ادراكها الأ بتكاملية اجزائها الكاشفة عن كيان منتظم يحدد بتلك الاجزاء او العناصروهو قائم على اساس توليفة وقائعية مؤلفة , لذلك فلا وجود للحبكة الا داخل ادراكنا للعالم الممثل. ان المتلقي قادر على ان يتخيل السياق الدرامي على مهل وفي صورة سردية فيكون بناء العالم الدرامي وحوادثه نتيجة لقدرة المشاهد على ترتيب المحتوى الدرامي الذي يجري التعبير عنه في الواقع بشكل متقطع وغير مكتمل , حسب كيير ايلام في دراسته سيمياء المسرح والدراما , وبهذا يكون القارىء او المتلقي متفوق على الشخصيات , أي ان الاسلوب المباشر وسيلة تجعل المتلقي ربما اقل اطلاعا من الشخصيات على تطور الحبكة وفي أحيان اخرى وتبعا للاسلوب ذاته نجد ان الكاتب يسعى الى تماهي احد الشخصيات مع المستهلك - المتلقي , القارىء- لتراقب معه تنامي الاحداث وتدرك بذلك معنى الحبكة في زمن الفعل , لأن تودوروف يعتقد ان مفهوم الحبكة , طريقة ادراك الحدث وليس الحدث ذاته. ان ثمة نظامان في بناء الحبكة متداخلان يكشفان عن المعنى وهما النظام التتابعي للاحداث الموصوفة ونظام تواليها , وثمة اسلوبين , الانتاج والاستهلاك الذي يسعى الى سردية استيعاب واحتواء تفكك وتفتت الاحداث وتزحزح التطابق بين النظامين لتحقيق التفرقة بين دالات النص والدالات الاحالية , ليصبح المعنى كما يتفق كل من تودوروف وبنفينسنت قدرة وحدة لغوية على ادماج وحدة من مستوى عال حسب تودوروف في اصول الخطاب النقدي , فالمعنى في المحكي ان يكون في المنطوق لأنه يشير الى المرجع المختفي وراءه أي انه - المعنى - سينفرز عن سائر الدلالات غير المكتشفة بعد في حصيلة تدعى التاويلات , ألنص المكتوب يمكن الاحتفاظ به مخالفا بذلك آنية الكلام ولذلك يمكن تكراره دون ان يناله زيف كثير حسب تودوروف في دراسته الادب والدلالة.وعلى اساس ما تقدم يمكن ان نستنتج ما ياتي , عبثا يحاول المتلقي تاويل المعنى الذاتي للمنطوق فهو في أستقلالية تامة عنه , والاشكال اللسانية التعبيرية لاتملك جاهزية معنوية انما التعبير اللغوي , والاهم ان المعنى مركب دلالي من وحي التلقي وقصدية النص يفكك مكوناته العلامية - الاشتغال في الرابط بين الدال والمدلول الى وحدات معان تنتظم على وفق أنساق تركب معنى الرسالة الصوتية او الصورية.