تزفيتان تودوروف.. رحيل مبكر

تزفيتان تودوروف.. رحيل مبكر

ترجمة احمد الزبيدي
توفى يوم 7/2/2017 في باريس الباحث والمنظر البلغاري الاصل الفرنسي الجنسية، تزفيتان تودوروف عن 77 عاما وهو مؤلف عشرات الكتب التي تناولت النظريات الادبية
وقال ابنه ساشا ان سبب الوفاة، هو ضمور تدريجي في عمل الدماغ
تودوروف الذي ولد في العاصمة البلغارية صوفيا سنة 1939، توجّه إلى فرنسا للدراسة وهو في سن الرابعة العشرين.

فرنسا التي تحوّلت إلى موطن ثان حيث حصل على جنسيتها، وخصوصاً اعتمد لغتها في كتابة كل أعماله. -
تودوروف هو تلميذ رولان بارت، وأشتهر في سبعينات القرن العشرين بسبب اعماله التي تركزت حول البنيوية، وهي منهج بحث مستخدم في عدة تخصصات علمية تقوم على دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة لبنى يمكن ان تكون: عقلية مجردة، لغوية، اجتماعية، ثقافية.
كانت أبرز أعمال هذه المرحلة كتاب "الشعرية" الذي ظل إلى أيامنا مرجعاً في الدراسات الأسلوبية للكتابة الإبداعية، -

وتضمنت كتب السيد تودوروف في وقت لاحق صورا فكرية لعدد من المفكرين امثال بنيامين كونستانت،و جان جاك روسو، وميخائيل باختين. وقال انه جمعها، استنادا إلى مقتطفات من رسائلهم والمذكرات واليوميات التي كتبوها، والسيرة الذاتية غير المكتوبة للشاعرة الروسي مارينا تسفيتايفا.
وقد استرعى الاهتمام خاصة إلى حالات الاضطراب الأخلاقي. في كتابه "غزو اميركا: مسألة الأخر" الصادر عام (1985)، حيث خلص فيه إلى استنتاج أن السكان الأصليين، الذين، على عكس الأوروبيين، يفتقرون إلى مفهوم "الآخر"، كانوا غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم ضد عدو يمكنه التلاعب بتصورهم للواقع والخلط بين التخطيط والتفكير.
وفي كتابه الذي صدر عام 1989 " حول تنوع الإنسان" تناول الكيفية التي اقترب فيها الكتاب الفرنسيين من مفهوم "الآخر"، و جعله الاساس لكل القيم واحترام الثقافات العالمية المتنوعة.
يقول عنه روني براومان، الرئيس السابق لمنظمة أطباء بلا حدود في فرنسا وصديقه منذ فترة طويلة، في حديث عبر الهاتف "القد ساعدني تودوروف ان انظر إلى العالم بطريقة مختلفة، خارج إطار مفهوم 'هم ونحن" الذي يجري التمسك به دائما ". "كان يمتلك عقلا مفتوحا الى حد بعيد ويبحث دائما فيما وراء المظاهر، رافضا أن يخدع حتى من قبل اكبر الشياطين والاشرار كان يبحث عن العاطفة الانسانية دائما. وفي كتاباته اوفي علاقاته الشخصية، كان هناك لديه دائما قدر مثير للإعجاب من اللطف وحسن النية ".
وفي كتابه " مواجهة المتطرف:الحياة الأخلاقية في معسكرات الاعتقال ". لاحظ ان الصدق والخير الانساني يوجد حتى في اكثر الظروف والمواقف وكان الكتاب كما وصفه المحلل السياسي ستانلي هوفمان، الذي توفي في عام 2015"تكريما لعدد قليل من الرجال والنساء الذين أبدوا كلا من الشجاعة والكرم '"،
وفي كتابه "المأساة الفرنسية: مشاهد من الحرب الأهلية، صيف 1944" الصادر عام (1996)،وصف السيد تودوروف خلية يشارك فيها أفراد من المقاومة الفرنسية في وسط فرنسا تقتل 13 من افراد ميليشيا فرنسية موالية للنازية. و انتقاما لهم،، قتلت المليشيا 38 يهوديا في قرية سانت أرمان برميهم في بئر والإجهاز عليهم بالحجارة والإسمنت.
اما في كتابه "الفوضى العالمية الجديدة: تأملات مواطن أوروبي" الذي صدر عام (2003)، وكتبه عشية غزو العراق، الذي عارضته الحكومتين الفرنسية والألمانية والعديد من الأوروبيين حث السيد تودوروف أوروبا على التخلي عن «المسالمة والسلبية. "وقال لصحيفة نيويورك تايمز:" إن الأعداء المحتملين لم يعودوا داخل أوروبا. علينا ان نوحد جهودنا للدفاع عن أنفسنا ضد هؤلاء الأعداء الخارجيين ".
ولكنه لا يرى المهاجرين إلى أوروبا مصدرا للتهديد. وفي كتابه الصادر عام 2009، بعنوان "الخوف من البرابرة: ما وراء صراع الحضارات"، كتب يقول: "يمكن للمرء أن يطلب من القادمين الجدد إلى البلاد أن يحترموا قوانينها أو العقد الاجتماعي الذي يربط جميع المواطنين،لا ان يحبوا كل شيء فيها: فالواجبات العامة والمشاعر الخاصة، والقيم والتقاليد لا تنتمي إلى نفس المجالات. المجتمعات الشمولية فقط جعلته امرا إلزاميا ان يحب المرء كل شيء في بلاده ".
وفي مقابلة له في كانون الاول مع صحيفة لوموند الفرنسية، شرح السيد تودوروف ما اعتبره تحديا مزدوجا في الحياة الفرنسية: تهديد الإرهاب وخطر رد الفعل المبالغ فيه من قبل السلطات. وأشار إلى فكرة "أعداء التكميلية"، وهو عنوان كتاب عام 1961 من قبل واحد من المفكرين الاكثر اثارة للاعجاب، وهوجيرمين تيليون، وهو عضو في المقاومة الفرنسية وعالم الأنثروبولوجيا الذي درس حرب الجزائر من اجل الاستقلال.
" وقال السيد تودوروف،، القصف منهجي لبلدة في منطقة الشرق الأوسط لا يقل وحشية عن ذبح شخص في كنيسة فرنسية"،، في اشارة الى ذبح الكاهن الفرنسي في تموز على يد عناصر تنظيم داعش. "في الواقع، أنه يقتل المزيد من الأرواح".
وقال السيد تودوروف أن الخوف الذي ينتاب المثقفين الفرنسيين منذ فترة طويلة من التراجع العالمي لبلادهم نتج عن "حقيقة أنه في القرن العشرين انتقلت فرنسا من وضع قوة عالمية اولى الى وضع قوة في المرتبة الثانية."
"، وهذا ما يفسر، جزئيا المزاج السيئ الذي تتسم به الروح الفرنسية"

وفي مقابلة مع صحيفة لوموند، قال السيد تودوروف انه كان على الدوام متشككا في مفهوم الخير، مفضلا مفهوم اللطافة البسيط. مستشهدا بالروائي السوفيتي فاسيلي غروسمان، مؤلف كتاب تحفة الحرب العالمية الثانية "الحياة والمصير" الذي يقول "ان الشر يأتي غالبا من أولئك الذين يريدون فرض الخير على الآخرين."
"كان لي بعض الثقة تجاه كل من يدافع عن الدولة أو السياق العام"، يقول السيد تودوروف لصحيفة لوموند. لكن"نوع من جدار صغير انهار في ذهني في نفس الوقت الذي انهارفيه جدار برلين، الذي سمح لي للوصول إلى هذا السياق العام. شعرت وكأنني لم اعد مربوطا بتلك الطفولة وسنوات المراهقة التي عشتها في عالم شمولي "
"و يشير أوليفييه بوستل-فيني، مؤسس مجلة كتب الفرنسية، والتي كان السيد تودوروف عضوا في هيئة تحريرها،ان تودوروف. "كان يرفض دائما تقديم ملاحظات سطحية -، أو الرد فورا بعد وقوع الحدث" "لكنه كان يكتب عمودا شهريا للمجلة، وأتذكر أن هذه الوتيرة الشهرية كانت شيئا مرهقة جدا بالنسبة له. كان يريد مزيدا من الوقت للتفكير. وكان قلقا بشأن السطحية المتزايدة في افكار المحللين الذين يظهرون من على شاشات التلفزيون.

عن النيو يورك تايمز