راكان دبدوب 1941- 2017

راكان دبدوب 1941- 2017

د. عمر الطالب
باحث راحل
ولد راكان عبد العزيز عبد المجيد دبدوب عام 1941 في الموصل لأسرة عريقة معروفة بالتجارة تخرج في معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1961.أكمل دراسته العالية للفن التشكيلي في أكاديمية روما عام 1965.شارك في معرض الجريدة الإيطالية السنوي وحصل على دبلوم ومدالية فضية لسنتين 1962و1963.

حصل على جائزة دانتي في معرض أقامته العلاقات الثقافية الإيطالية العربية في روما عام 1962 وحصل على الجائزة الثانية في مسابقة سان رومانو الذي أقامته بلدية روما عام 1962. وشارك في المعرض (الترينالي) في نيودلهي لعامي 1965و1975.

وشارك في جميع المعارض العالمية للفن العراقي المعاصر التي اقيمت في:موسكو1971، الكويت1971، ارمينيا1972و1973، مولدافيا1974، بيروت 1974، تركيا 1974و1980، دمشق 1975و1979، لندن 1977، باريس1976و1980، القاهرة1977، عمان1982، أثينا1982، ليبيا1979، مصروالسودان1983، المغرب وتونس1983، برلين1983 نيويوك وواشنطن وسان فرنسسكو1979.شارك في مهرجان الواسطي 1972و 1984و 1985. وشارك في معرض المؤتمر العربي للفنون التشكيلية ببغداد1973. وشارك في المعرض البينالي العربي الأول ببغداد عام 1974 وشارك في معرض كان سوريد بفرنسا عام 1976، وشارك في معرض التمييز العنصري ببغداد عام 1976. وفي معرض افتتاح مركز الفنون ببغداد عام 1986، ومعرض يوم الفن ببغداد 1987، ومعارض جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين ببغداد1965 أقام خمساً وثلاثين معرضاً شخصياً لإعماله الفنية في العراق والعالم. وأقام معرضه الشخصي الثالث والثلاثين على قاعة حمورابي بعمان عام 1997 ومعرضاً آخر بتاريخ 1998. وشارك في معرض جماعي للفنانين العرب في عمان عام 1996. اشتغل مدرساً للفن في كلية الهندسة قسم العمارة بجامعة الموصل وتقاعد عام 1993شارك في معرض مهرجان بابل الدولي 1993ومهرجان الفنون التشكيلية العالمي بعمان 1993وشارك في جميع المعارض التي أقيمت في العراق ومعظم المعارض الجماعية بقاعة حمورابي للفنون بعمان ومعرض في دمشق 1998 ومعارض التشكيليين السنوية ببغداد وقد رسم لوحات متميزة لبيت الفن في جامعة الموصل وكان من منتسبيه بالاشتراك مع نجيب يونس وضرار القدو. وقد أعطاه رئيس قسم الهندسة المعمارية توصية جاء فيها بأن راكان دبدوب أحد منتسبي القسم منذ تأسيسه وقام بتدريس مادة (الرسم اليدوي) ومادة (الفن والعمارة) بعد وضعه مفردات وطريقة التدريس واصبحت منهجاً فيما بعد.وأنه أفاد الطلبة في تقوية قاعدتهم الفنية في التخطيط والرسم والتعرف على المدارس الفنية وتاريخ الفن والعمارة وشجع أصحاب الموهبة الفنية من الطلبة على تنمية قابلياتهم وقد خدم جامعة الموصل ثماني وعشرين سنة، وتقدر الجامعة ما قدمه للطلبة خلال خدمته وكان راكان دبدوب مدرساً للرسم في المدارس بالموصل قبل أن ينتقل إلى المركز الطلابي في جامعة الموصل وانتقل عام 1977 إلى كلية الهندسة حتى أحال نفسه على التقاعد عام 1993.وله نتاجات في النحت والتخطيط والتصوير الفوتغرافي ونحت الخشب والبرنز والمرمر والفخار والموزاييك والسيراميك والصياغة والطرق على المعادن والكرافيك والمونوتيب.وقد أوردت جريدة الزمان بتاريخ 29/آيار/1962تحت عنوان(الفن العراقي في روما)وفي صفحتها الأولى وبالنبط العريض (الفنان راكان دبدوب يظفر بجائزة التفوق)وجاء في المقال:(تقول الرسالة أن السيد راكان دبدوب الطالب العراقي الذي يتلقى الدراسة الفنية على حسابه الخاص قد ظفر بإحدى الجوائز الكبرى)وقد شارك في المعرض إلى جانب راكان، فتاح الترك وميزان السعدي ونقلت جريدة المواطن الخبر نفسه. وذكرت جريدة الأنباء الجديدة تحت عنوان (لكل عصر فن) بتاريخ 14نيسان/1965 إفتتح الفنان راكان دبدوب معرضه الفني يوم السبت الماضي في قاعة الواسطي وكان مثالاً للذوق الرفيع نال إستحسان كافة الزائرين.ويرى راكان دبدوب أن الفنان إبن بيئته وإذا درس يجب على الناقد معرفة سيرته وثقافته لربطهما بفنه، وأن رؤية الفنان تختلف بأختلاف العصور وتعقدت الحياة والثقافة في العصر واختلف الفنانون في طريقة تفكيرهم وتعددت أساليب تغيرهم حسب الثقافة الشخصية التي يحملها كل فنان فضلاً عن الصناعة الحديثة التي أعطت الفنان ما يحتاجه من مواد جديدة لعمله وفتحت أمامه آفاقاً جديدة للابتكار والإبداع بعد أن كان الفنان يحضرها بنفسه وبطريقة بدائية فنظرة (بيكاسو)مثلاً في المرحلة التكعيبية للحصان كان عن طريق تحليله إلى مكعبات واسطوانات حيث رسمه بتغيير خاص لا يمثل رشاقة الحصان أو جمال جسمه لأنه أراد إظهار روحية الحصان وانفعالاته. ونشرت جريدة الأنباء الجديدة بتاريخ 21/8/1965لقاء مع راكان دبدوب تحت عنوان (لقاء مع أحد فنانينا العائدين) تحدث فيه راكان عن المدارس الفنية في العالم وطلب تشجيع الحركة النقدية للفن وكتب ضرار القدو في رسالة من روما مقالاً بعنوان (زيارة لمرسم الفنان راكان دبدوب) ويتحدث فيه عن حب راكان للفن وعن دراسته في روما ومشاركته في المعارض ثم يجري معه حواراً طويلاً يتحدث فيه راكان عن دراسته وحياته الفنية وتطوره الفني والصراع الذي عاناه بين المفاهيم المحلية التي تعلمها في العراق والمفاهيم العالمية الحديثة التي رآها في روما ووجد المفتاح في المدرسة التعبيرية بما فيها من ألوان براقة وروحية دافقة وحركة وهو يحب الألوان الصريحة ويوزعها في اللوحة بحركة، محدداً الشكل بخطوط ملونة أيضاً اقتصرت لوحاته في تلك المرحلة على الخيل والنساء في مواضيع مختلفة والمناظر الطبيعية وبعد أن أشبع رغبته من اللون الصريح والخطوط الملونة الطليقة طور نفسه نحو المدارس الحديثة واول معرض أقامه راكان دبدوب بعد تخرجه عرض في قاعة الواسطي ببغداد مع غازي السعودي وإسماعيل فتاح هذا الخبر نشرته جريدة الثورة العربية بتاريخ 5/11/1965 أقام 23 معرضاً داخل العراق وخارجه يسيطر راكان دبدوب على أدوات أدائه الفني، يتضح ذلك في أدق تفصيلات أعماله وإدارته لتلك التفصيلات وحسن توزيعه لها على مساحات اللوحة وفي تكامل انسجامه اللوني وتعدد ملامس سطوحه وفي القدرات الإيحائية التي تطل بها أعماله على المشاهد.ويجمع بين الحرص الشديد وسعة الخيال والقدرة على التنفيذ وأستخدم إمكانات المونوتيب بتوجس واستطاع أن يعطي نتائج عالية المستوى، وتجربته مع اللون الأبيض ناجحة بشكل خاص وملتصقة به بالذات واستخدمه للابيض مدروس وذو قيمة تشكيلية جعلته بارزاً عن بقية الألوان ويبرز في لوحات(الشمس والقمر، إمرأة وحصان، فينوس والعشاق، ضوء المصابيح)حيث لا يمثل اللون الأبيض فراغاً طباعياً كما هو الحال على ما اعتدنا عليه في أعمال المونوتيب الأخرى بل هو موضوع في اللوحة بصورة قصدية لاتخاذ موضع تشكيلي لا يمتلك قيمة جمالية خاصة به حسب وإنما يمتد ليؤثر على ما حوله من الوان وهذا التعامل من جديد وأصيل وإذا أخذنا بنظر الاعتبار كثرة التشكيلات في العمل الواحد ودقتها وتعدد ألوانها وملامسها أدركنا مقدار الجهد الذي بذله الفنان في الحفاظ على الوحدة العضوية لموضوعه الواحد في كل عمل من أعماله وقد بدأ التمازج اللوني في لوحات مثل (الناس والطبيعة، الطفل والهلال، درب الحسناء) من الانسجام والنظافة بحيث أنه بلغ فعلاً قيمته كما في الرسم بأعتبار أن أن قدرة الفنان في وضع اللون على اللوحة تبلغ ذروتها في الرسم دون غيره من أساليب الأداء التشكيلي الأخرى، وثمة صفاء واضح في هذه الأعمال وفي لوحات مثل (الهرب من الظلام، والشعور الدافئ) وغيرهما لا يركز الفنان على الانسجام اللوني وانما ينتقل الى تناقض مدروس أدى إلى تعميق اللون ونقيضه ومنحه حضوراً ووحدة ويجد المشاهد نفسه إزاء متاهة لونية تصطرع فيها الألوان لخلق عوالم متداخلة تتناثر فيها الأجساد والأشكال ضمن نظام خاص. وقد اهتم راكان دبدوب بالحرف، يبدأ من اليسار وبدون تنسيق لإعطائه قيمة تشكيلية جديدة، وهو التراث الذي يبحث عنه ولوحاته تشريح كامل لجسد المرأة، ورموز جنسية هندسية، والسخونة اللزجة التي تتوالد في عمق الرجل الشرقي المتعطش جنسياً ولا سيما اللون الأحمر الفسفوري الذي يبرز هنا وهناك عنصراً دائماً للإثارة إن راكان لا يفكر الا لصالح الشكل ولصالح غريزته الفنية ويفعل ذلك بطريقة حسية تأخذ بنظر الإعتبار العلاقات الضرورية بين اللون والشكل بين سطح متحرك ووحدة تشكيلية قياسية تنقلنا من التوتر إلى الانبساط، فوهة بارزة، نتوء نافر مستعار من النحت تدرج لوني هادئ ينقلنا إلى شكل إنساني كامد. امرأة محاطة بزهر لوني والعاب تجريدية، شخوص انكسارات موزعة هنا وهناك، وحدات مجردة تمتد كالحروف تقابلها وحدات تشخيصية ضمن تنويعات لونية رومانسية حزينة قالت عنه جريدة الثورة بتاريخ 6/8/1974 (راكان دبدوب فنان يمتلك قدراً واسعاً من الاحساس البصري والادراك اللوني، إنه فنان مبدع، ولوحاته انجاز على مستوى جيد).
ويتحول اللون عند راكان دبدوب إداة للتفسير المضموني، تأسره جماليته الأخاذة فيلجأ إلى إخفاء شئ من التشخيص البسيط من خلال رموز خطية أو ملامح مجردة لشكل ما كما في (الظلال الزرقاء، أحلام ضائعة، أشكال ملونة) وقد زادت تجريداته الشكلية ذات الانتشاء الصوفي باتجاهه إلى الإنسان حامل التناقض والمسألة التي تحتمل ألحل لكن التشخيص الإنساني الذي احتاجه الرسام لم يأت مباشراً لأنه ينظر إلى الإنسان كنموذج بل كشعور ودلالة وفعل وطاقة داخلية والإنسان نتيجة التقطيع بقي جزءاً من الشكل كباقي الأجزاء وقد التجأ الفنان إلى هذا الأسلوب في محاولة لعكس واقع التوزيع الداخلي للإنسان ذي الاضافات والامتدادات ولتأكيد الدلالة الداخلية للأشياء، ونتيجة ممارسته الطويلة للوحة والشكل الذي ينفذه ضمن تصميم واع وبناء محكم لتوازن العلاقات وقد تعامل مع المرأة جسداً والمرأة انساناً اجتماعياً كما في لوحة (أسرار النساء) فعلى الرغم من التقطيع الحديث والتأكيد على الإثارة الجنسية فقد حقق الوجه بمأساته وتطلعه نحو امانيه المفقودة المغتصبة وتبقى الفجوات مدخلاً وممراً يواصل إلى ذهنية تلك المرأة وافكارها المغلفة بالصمت وحقق فيها النماذج التي تتحرك بشكل وهمي وسط المدارات المغلفة التي تعكس صدى الهمس الخافت، وحقق ايقاعاً مأساوياً لتلك الثغوب والتناقض بين لذة الفعل ومأساوية الانعكاس، لقد بدت الثغوب حاجزاً بين المرأة وممارسة علاقاتها اللاانسانية ضمن شرعية الاختيار في لوحة (الضحية)وقد نضد في لوحة(اثار)قطع صغيرة من تحف مهشمة من احلام ومن ذكرى قطع مادية واشكال صغيرة ووحدات وتكوينات مجردة إن الآثاري يفعل ما يجعل كل هذا موحداً ذو هيئة وشكل ومعنى إنه يجمع ويلملم ويلحم ويربط، إن مفردات دبدوب وتكويناته آثارية(نصف امرأة، وجه، كف، فوهات، فتحات، رعشات، نقاط، زجاج متبلور، حركة حرف) إن راكان يمتلك غريزة مضيئة وشفافة بأن يجعل كل هذه المفردات نسيجاً، قطعة، تحفه، فهو يتمثل علامات على طريقة الشاعر، يظل الوجه دون الجسد وتظل الكف على يمين أو يسار تلك الفتحات، ويحافظ بناء اللوحة على هذه الإرشادات موزعة على السطح متباعدة مسودة أحياناً بمربعات، اللون يضيء ثم ينطفيء حركة خفيفة واخرى بطيئة، نمو وقطع، شكل مجرد سري يشبه قطعة الجواهر المضلعة، واذا ما كشفنا أسراره وجدناه جسد امرأة ويلعب اللون في هذه الانتقالات دور الدال.إن العلاقة بين شكل وآخر بين وجه امرأة معتم على يمين اللوحة ونقطتان مضيئتان ناقرتان على يسارها علاقة واضحة لا تستدعي كشف أسرار.إن جسد امرأة محدد وواضح وذهبي من شدة عدم الكتمان وفي مكان آخر فوهات براكين أو فوهات مجردة لا تستدعي من المشاهد الكثير من الخيال للربط أجزائها إن لوحاته تبدو مباشرة لا بتشخيصها بل بتلك العلاقات المبنية بوساطة تكوينات حسية وبالجو اللوني الطافح بالعواطف الحسية، وهي تصل إلى جمال مفهوم ومعلن جمال كلي بالنسبة للوحة، ويمتلك راكان في هذا أدواته، حساسية شعرية وإبداع أشكال جديدة وتطوير بناء لوحاته تبعاً لهذه الأشكال متطورة متجددة وقدرة عالية على التكوين هي جزء من صنعة وفن وروح فنية تنطوي على الاجتهاد وحب العمل والرغبة في الإدهاش والكفاءة إن موضوعه الحسي التوزيعي يمارس توتراً عن طريق الإشباع والحل فالاثداء والنقاط النافرة والفوهات والجسد كل هذه التكوينات المشددة بإنشائية لونية رومانسية تعبر عن اهتمام.
عن موسوعة اعلام الموصل