كتاب لن انساه : مئة عام من العزلة.. مئة عام من الحب

كتاب لن انساه : مئة عام من العزلة.. مئة عام من الحب

صلاح حسن
لا اتذكر عدد المرات التي قرأت فيها رواية مئة عام من العزلة لماركيز، لكنني لن انسى ما حييت ابطالها واشكالهم وشخصياتهم والاماكن التي عاشوا وتحركوا عليها، ولا الأحداث الغريبة التي عاشوها. حينما قرأتها اول مرة اصابتني قشعريرة مثل تلك القشعريرة التي اصابتني ايام كنت طالباً في اكاديمية الفنون الجميلة حين قرأت قصائد برخت " الرجال السود "

لأني لم اكن اعرف أن برخت شاعر أيضاً وليس كاتباً مسرحياً فحسب.
قلت في نفسي، أن قراءتي للرواية كانت متلهفة وسريعة وعليَّ أن اعيد قراءتها من جديد بعد أن تنتهي القشعريرة. بعد اسبوع بدأت القراءة بحذر وهدوء لكي اتخلص من هيمنة اللغة السحرية والأبطال الخارقين اورليان بونديا ذي الوجوه الكثيرة وريمديوس التي تحلّق فوق رأسها الفراشات والتي ستطير في النهاية. كان من العبث أن تقرأ رواية من هذا النوع بحذر وهدوء، بل الأجدر أن تقرأها مع كأس من العرق لكي تتحسس مذاق الرماد في بعض فصولها.
تركت الرواية لأكثر من شهر لكي اتخلص من جبروتها وهيمنتها ولكني ظللت يومياً اقلبها وأفكر بالطريقة التي كتبها ماركيز، كنت قد عثرت على اشارة تقول إن، ماركيز استغرق سبعة وعشرين عاماً في كتابتها فلم استغرب القصة. لقد اصبحت هذه الرواية همي الأول لأنها كانت رواية مختلفة تماماً عن كل الروايات التي تمكنت من قراءتها في ذلك الوقت، وهي روايات تنتمي الى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حتى الحرب العالمية الثانية. كل شيء فيها مختلف بدءاً من الشكل والمضمون واللغة والفكرة والأحداث والسرد الساحر.. لقد كانت بالنسبة لي قصيدة نثر لن تنتهي.
في القراءة الرابعة تشربت روحي فصول الرواية وابطالها، حتى انني بدأت اتخيل انني بونديا، وانني يمكن أن اجد حبيبة تشبه ريميديوس التي تحلق فوق رأسها الفراشات والتي يمكن أن تطير في اية لحظة، ولم استطع ان اتخلص من هيمنة الرواية على روحي الا حينما كتبت قصيدة من وحيها اسميتها " مئة عام من الحب " ونشرتها في جريدة الجمهورية في حينها. القصيدة ضاعت كالعادة مثل الكثير من النصوص بسبب اوضاعنا في العراق في زمن الخوف والدكتاتورية خوفاً من قراءتها بطريقة المخبر السري.
شاءت الصدف أن أًدعى الى مهرجان الشعر العالمي في كولومبيا في العام 2007 وان تكون احدى الامسيات قريبة من قرية " ماكاندو " التي تدور فيها احداث الرواية، فطلبت من مدير المهرجان الشاعر فرننادو، أن يصطحبني الى تلك القرية لكي استعيد مشاهد مذبحة الموز. كان فرنناندو يتحدث بالاسبانية بانفعال والمترجم يترجم لي ما يقول: هنا حدثت المذبحة، وقد قتل فيها ثمانية وعشرون فلاحاً.. لكن ماركيز حولها الى معجزة.