لينين والأدباء الروس..  ملاحظات أولية

لينين والأدباء الروس.. ملاحظات أولية

د. ضياء نافع
فلاديمر ايليتش لينين (1870 – 1924) ولقبه الحقيقي اوليانوف – علمٌ معروفٌ وشهيرٌ و شخصية عملاقة وكبيرة ومؤثٌرة في دنيا السياسة في روسيا والعالم (بغض النظر عن المواقف المتباينة تجاه أفكاره) , برز اسمه في نهاية القرن التاسع عشر بروسيا وأحداثها الكبرى آنذاك ولا زال يؤدي دورا كبيرا ومهما جدا في مسيرة الحياة السياسية الدولية وعالمها لحد الآن ,

أي في القرن الحادي والعشرين , وليس من واجب السياسي طبعا ان يكتب ويبحث في شؤون الأدب والأدباء والنقد الأدبي وتاريخ الأدب , او يشارك في أمور الأدباء الإبداعية او مسيرتهم ودورهم في المجتمع..الخ , ولكن طبيعة بعض النظم السياسية (نظم الحزب الواحد) في بعض المجتمعات قد خرقت هذه القاعدة المنطقية والطبيعية مع الأسف , ومن جملتها النظام السوفيتي , وهذا ما شاهدناه ولمسناه واقعيا أثناء دراستنا في الاتحاد السوفيتي , فقد كانت الجمل العامة حول الأدب والفن والثقافة معلقة في كل مكان وهي تشير الى ان القائد السياسي فلان يقول (ان الفن يرتبط بالشعب والمجتمع) , او (ان الكاتب الفلاني عظيم ورائع لأنه يعكس آمال الشعب وإرادته) , او (ان الأدب يعكس حياة المجتمع ومشاكله) او (ان الاحتفال بالذكرى الفلانية للموسيقار الفلاني يؤكد عظمة النظام الاجتماعي)...الخ هذه الجمل الطنانة و الرنانة والعامة جدا ليس الا , والتي قالها فلان او فستان من القادة في مختلف المناسبات.
لقد حكم لينين 7 سنوات منذ انتصار ثورة اكتوبر 1917 والى حين وفاته عام 1924 , وقد كان مريضا في الفترة الأخيرة بعد محاولة اغتياله المعروفة, وانعزل واقعيا عن مواكبة أحداث الحياة السياسية والاجتماعية والسلطة عموما, ولم يتناول في مؤلفاته ومقالاته أثناء فترة حكمه القصيرة جوانب تخص شؤون الفن والأدب بعمق , اذ كانت الأحداث تجري بشكل عاصف جدا حوله , على الرغم من وجود كلمة هنا او تصريحات هناك يتحدث فيها عن هذا الكاتب او ذاك الفنان ليس الا, ولكن النشاط الفكري الكبير الذي مارسه قبل ثورة اكتوبر قد شمل بعض جوانب الأدب (من وجهة نظر العمل السياسي طبعا) , إلا أن نظام الحزب الواحد في كل مكان وطبيعته كان يحتاج الى خلق هذه الأجواء التي تؤكد على وجود القائد في المجالات كافة وتوجيهاته في كل مرافق الحياة وتشعباتها , ولا نريد الخوض هنا في هذا الموضوع السياسي البحت و المتشابك او في أبعاده الفلسفية, ولكننا نريد ان نتناول في مقالتنا هذه الموقف العام لقائد كبير و مثقف كبير ايضا مثل لينين من الأدباء الروس فعلا وبشكل موضوعي على الرغم من قناعتنا التامة ان هذا الموضوع واسع جدا ولا يمكن ان نوفيه حقه بتاتا في عدة سطور او حتى عدة صفحات , ولهذا أطلقنا عليه عنوان - ملاحظات أولية, ولكننا نرى – مع ذلك – ان طرحه لا يخلو من فائدة للقارئ العربي اذ ان هذا الطرح – في الأقل - يذكر بأهمية هذا الموضوع وقيمته , بل وتأثيره المباشر على مسيرة الحياة الثقافية اليومية.
لم يكتب لينين مقالات تتناول الأدباء الروس ونتاجاتهم عدا مقالاته المعروفة عن تولستوي , والتي صدرت بعدئذ في كتيب عنوانه – (مقالات حول تولستوي) والمعروفة ايضا بعنوان اشهر تلك المقالات وهي – (تولستوي مرآة الثورة الروسية) , وهو كتيب صغير صدر بعدة لغات و منها لغتنا العربية , وقد تحدث عنه الكثيرون من الماركسيين في العالم (بمن فيهم العرب) مدحا وإشادة بالطبع , ودرسناه - نحن الطلبة – ضمن مناهجنا عندما كنا ندرس الأدب الروسي في المعاهد والجامعات السوفيتية في ستينيات القرن الماضي , بل وكان هذا الموضوع موجودا حتى ضمن مناهج المدارس السوفيتية طبعا في الفصل الخاص الذي كان يتناول أدب تولستوي ومكانته في تاريخ الأدب الروسي. لقد تم بحث هذا الموضوع في الفترة السوفيتية كثيرا وبالتفصيل ولكنه انحسر في الوقت الحاضر , وهذا اكبر دليل على ان تلك المقالات تمتلك قبل كل شيء أهمية سياسية بحتة. يحتوي هذا الكتيب على خمس مقالات كتبها لينين قبل الثورة عن تولستوي وهي كالآتي–
1 -تولستوي كمرآة للثورة الروسية , وقد كتبه عام 1908
2 -ل. ن. تولستوي , وقد كتبه تعليقا على وفاة تولستوي عام 1910
3 -تولستوي والحركة العمالية المعاصرة , وقد كتبه عام 1910
4 -تولستوي والنضال البروليتاري , وقد كتبه عام 1910
5 -تولستوي وعصره , وقد كتبه عام 1911
وتوجد إشارات عديدة اخرى الى تولستوي في كتابات لينين هنا وهناك, ولكن كل هذه المقالات والملاحظات كانت قبل اكتوبر 1917 بالأساس كما هو واضح. لقد اهتم لينين بمكانة تولستوي في روسيا نتيجة لموقعه الفكري في المجتمع وليس الأدبي طبعا , وحاول في تلك المقالات ان يوظف آراء تولستوي وفلسفته ويفسرها لخدمة أهدافه السياسية (رغم مواقف تولستوي البعيدة جدا عن تلك الأجواء) , وهذا واضح حتى من عناوين مقالات لينين أصلا والمفردات التي استخدمها هناك - (الثورة الروسية / الحركة العمالية / النضال البروليتاري.) , ولا توجد في تاريخ الأدب الروسي وثائق تبين ان تولستوي نفسه كان قد اطلع على مقالة لينين عام 1908 حوله (وهي المقالة الوحيدة التي كتبها أثناء حياة تولستوي) , اذ ان لينين آنذاك كان يعيش خارج روسيا ولم يكن معروفا بما فيه الكفاية في الأوساط العامة الروسية , وكان عمر تولستوي عندها في حدود الثمانين , وكان بالطبع في قمة مجده.
لم يتوقف لينين عند أدباء روس كبار آخرين مثل دستويفسكي مثلا , وكان من الواضح انه لم و لن يجد لدى هذا الكاتب صدى لأهدافه السياسية كما وجدها عند تولستوي , ولكننا نجد في ثنايا أقوال لينين ورسائله وذكريات معاصريه حوله بعض الإشارات المهمة جدا بشأن الأدباء الروس الآخرين ونتاجاتهم , واهمهم طبعا مكسيم غوركي وعلاقاتهما الطويلة وخلافاتهما ومناقشاتهما معا , وهذا موضوع كبير جدا في تاريخ الأدب والفكر الروسي ولا يمكن إيجازه بسطور , وهناك جوانب اخرى طبعا تبدو صغيرة ولكنها طريفة وتعني الكثير , ومنها على سبيل المثال وليس الحصر كلمة لينين الشهيرة عن قصة تشيخوف (ردهة رقم 6) او (عنبر رقم 6) كما جاء في بعض الترجمات العربية , اذ اعتبرها لينين رمزا لروسيا القيصرية , وقال انه خرج من الغرفة عندما قرأ تلك القصة , لأنه شعر بالاختناق وكأنه كان في تلك الردهة , وهو وصف دقيق وصادق لإحدى روائع تشيخوف طبعا , او كلمته حول المقارنة بين شعر ماياكوفسكي وبوشكين , عندما سأل مجموعة من الشباب حول الشعر وكيف ان الشباب أجابوه بانهم لا يقرأون شعر (البرجوازي) بوشكين , وانما يقرأون شعر (البروليتاري) ماياكوفسكي , وقد قال لينين جملته الشهيرة آنذاك – (ولكن شعر بوشكين أفضل) , علما ان لينين لم يتقبل شعر ماياكوفسكي ابدا.
ان الهدف من هذه السطور الوجيزة جدا يكمن في اننا نريد طرح هذا الموضوع المهم من وجهة نظرنا مرة اخرى أمام القراء , اذ اننا نرى انه من الضروري إعادة دراسة الموضوع بعد ان تحرر القارئ والباحث من وجهات النظر الجاهزة وقوالبها المعلبة مسبقا , وان هذه الدراسة الجديدة ستعيد الحيوية الى هذا الموضوع وستؤدي الى إغناء الدراسات الفكرية حول الأدب الروسي وموقف هذا المثقف الكبير منه.