سيارة الشعب.. القصة الرائعة عن  القوة من خلال السيارة المرحة  الفولكسفاغن

سيارة الشعب.. القصة الرائعة عن القوة من خلال السيارة المرحة الفولكسفاغن

ترجمة: عباس المفرجي
في آب 1955، خرجت الخنفساء فولكسفاغن، رقم مليون من خط الإنتاج في مصنع ولفسبرغ. حضر مراسيم الاحتفال أكثر من مئة الف شخص، قال واحد من الذين شهدوا المناسبة، بينما ((كانت فتيات بملابس شحيحة من المولان روج الشهير عالمياً يلوحّن بسيقانهنّ، وجوقة من جنوب أفريقيين سود ينشدون أغاني دينية، و32 امرأة من هضاب اسكوتلندا يرقصن على أنغام موسيقى القربة، وكوكبة من حملة الأعلام السويسرية يدورون بنسق)).

الكتاب الجديد الآسر لبرنارد ريجير لم يمكنه، في نصفه الثاني، من التخلص من بلادة تاريخ هذه السلعة السطحي ايولوجيا. انتشرت الفولكسفاغن في أرجاء العالم، نجحت في المكسيك، احتلت سريعاً 3% من سوق الولايات المتحدة كسيارة ثانية ’’ فكهة ‘‘ للزوجات ولاعبي الغولف، ومن ثم أصبحت من الطراز القديم. لكن، بالطبع، النصف الأول من حياة الفولكسفاغن – من أصولها في الرايخ الثالث حتى حلول الزمن الذي ظهرت في راقصات الهضاب تلك في ولفسبرغ – يضعها بمعزل عن كونها مجرد ماكنة فتشية، وهنا يكون كتاب”سيارة الشعب”أكثر إثارة.
مصطلح ’’ Volkswagen ‘‘ هو ربما الأثر الأكثر بقاءً لمصطلحات الرايخ الثالث – ’’ سيارة الشعب ‘‘ كانت يوماً جنباً الى جنب مع ’’ راديو الشعب ‘‘ و’’ تراكتور الشعب ‘‘، ’’ الشعب ‘‘ الذي كان هو الالمان من غير اليهود. أصولها تكمن في الكفاح لصنع سيارة المانية رخيصة بصدق، ثيمة متساوقة مع سنوات العشرينات والثلاثينات. مخرجا فايمر الكبيران فريتز لانغ وأف دبليو مورناو، كان كلاهما مهووسين بالسيارات (في الواقع، مورناو لقى مصرعه في حادث سيارة رولزرويس) وأفلام مثل”سبايس”و”الضحكة الأخيرة”لها موقف ايروتيكي لا ينسى إزاء العربات. مشاهديها الأصليون تقاسموا هذا التوق، لكنه كان توقاً غير قابل للتسكين. لا شيء أكثر حيوية يعرض خراب الطبقة الوسطى الالمانية، مابين الحربين العالميتين، من المستويات المتدنية جداً لامتلاك سيارة، مقارنة مع بريطانيا وفرنسا، وبشكل أكبر مع الولايات المتحدة. يقدّم ريجير أرقاماً لبعض من واحد وثمانين ألف مسافر بالعربات في المانيا، في بداية العشرينات، مقارنة مع أربعة عشر مليون ونصف المليون في الولايات المتحدة نحو عام 1925. قام الصناعيون الالمان بزيارة قدس صناعة السيارات، مصانع ميشيغان لسيارات الفورد، وأصيبوا بالقنوط. في الواقع، كان هناك عدد قليل جداً من السيارات على الطرق الالمانية، ذلك أن قواعد المرور النازية كانت تنصّ على وجوب، أن يقود سائقو السيارات عرباتهم على الجانب الأيمن فقط، إن كانت هناك حركة سير مقتربة.
يقدّم ريجير وصفاً مسليّاً للمحاولات الفاشلة التي ستُلحق بنجاح إنتاج سيارة المانية رخيصة التكلفة – الهانوماغ (خبز اللوف المدوّر)، الاوبل ’’ ضفدع الأشجار ‘‘، البي أم دبليو ’’ ديكسي ‘‘. كل شيء أخفق، لأنه ببساطة لم يكن ثمّة نقود كافية في التداول لجعل امتلاك سيارة أمراً مقبولاً ظاهراً. نشأ الجميع على قصص ديملر وبنز، لكن المستقبل ينتمي الى فورد. كان يمكن للألمان صناعة سيارات ليموزين وسيارات سباق خرافية، لكن معظم الطرق بقيت خالية من السيارات، التي كانت تعيش فيها الدراجات الهوائية والنارية وحافلات الترام عصرها الذهبي.
كانت وسائل الإعلام الالمانية مأخوذة بفورد، وهتلر وبطانته كانوا متعاطفين مع إنتاجه ومع عدائه للسامية على حد سواء. حالما تسلم السلطة، واحدة من خطوات هتلر الأولى كانت إعلانه عن هدف إنتاج ’’ سيارة شعبية ‘‘، عربة بأربعة أبواب ثمنها ألف رايخ مارك، يمكنها، في النهاية، أن تنشر الفرح في شارع مفتوح للعائلات الالمانية العادية. الجزء المتعذر اجتنابه من الاختراع كان إمكانية تركيب بندقية رشاشة فوقه.
خلال سنوات الثلاثينات، برزت مشكلة في إعلان هتلر عن السعر لأنه واطئ جداً؛ لو دخلت الفولكسفاغن في إنتاج مناسب ستكلف ضعف سعر بيعها.
كانت الفولكسفاغن جوهرياً، كما هتلر نفسه، استيراداً من الهابسبرغ. فيرديناند بورشه، كان المانيا بوهيميا، عّمِلَ على تطوير – في تركيب هابسبورغي بارودي – سيارات كمالية وتراكتورات مدفعية ثقيلة. الهنغاري بيلا بيريني، صمّم ماكنة بأسطوانة محركة خلفية مبردة بالهواء، والتي ألهمت صنع الفولكسفاغن المقبلة، ولحقه النمساوي ايروين كومندا بالشكل، والكثير من العمل الشاق قامت به شركة زيش تاترا، التي تبدو عرباتها ’ في 570 ‘ أشبه بخنفساء.
نجح بورشه في التقدم ببطء نحو القوة بأكثر الطرق المقرفة، وبطريقة ما ظهر انه كان تقني سيارات لامبال. سخّر توجيهات هتلر التي لا سبيل الى تغييرها من أجل سيارة شعب ليحصر موارد هائلة في اتجاه مصنع فوردي في المانيا الشمالية. بافتتاحها من قبل هتلر في آذار 1938، كانت عربة بورشه الجديدة (تمّ تشبيهها أول مرة بخنفساء من قبل النيويورك تايمز) معمّدة بإسم ’’ القوة من خلال سيارة مرحة ‘‘، الكي دي اف فاغن. حملة غامرة من الدعاية، موصوفة هنا بشكل رائع، استحضرت أكثر من ربع مليون مدّخر متحمس قرب اندلاع الحرب، الذين أصيبوا جميعاً بخيبة أمل عندما أعيد توجيه تخصيصات الفولاذ الى وجهة أخرى.
احتفظ الجيش بالفولكسفاغن. تمّ رمي بدن الخنفساء المرح وتمّ تمتين الشاصي لصنع عشرات الآلاف من الكولبفاغن، عربات الجيب الالمانية. أثبتت الجبهة الشرقية والصحراء الليبية انهما مختبران مثاليان لتسوية العيوب، جاعلة منها سيارة قوية بحق يُنظر اليها بحب في عالم ما بعد الحرب. عند نهاية الحرب، تعرّض الموقع، وكتلة من ثكنات العمل بالسخرة وأبنية المصانع، الى الدمار، بشكل مخز، بالقصف بالقنابل من قبل الحلفاء بقيادة بريطانيا. تحولت الفولكسفاغن في البداية الى عربات باللون الأخضر لجيش الحلفاء ومن ثم، حين صار من الواضح أن الحرب الباردة تتطلب المانيا غربية معافية، تحولت الى الخنفساء المرحة.
كتاب”سيارة الشعب”مملوء بالمواضيع المتنوعة المثيرة حول فايمر والمواقف النازية من السيارات، وكان المؤلف بارعاً في التعمّق في المعلومات اللافتة للنظر بغرابتها. في الكتاب مقطع بارع عن بعض المنافسين الوقحين للفولكسفاغن في الخمسينات، مثل غلاس غوغوموبايل وبورغوارد لويد 300 المضحكة، المصنوعة من الخشب الرقائقي المركّب على خشب صلد مع ماكنة ذي حركتين، مما يلقى ضوءً مختلفاً جداً على صناعة السيارت الالمانية كلية البراعة. لذلك من المخجل حينها أن تتناقص تدريجياً ’’ سيارة الشعب ‘‘ الى مجرد أشكال وتقاليد لهواة الخنفساء.
الى درجة ما، تناول هذا الكتاب الرائع والمثير العهد الذي حلّ مشكلة النزعة الاستهلاكية الفاشلة لسنوات العشرينات والثلاثينات، وأتاح لنا الدخول الى فترة تاريخية جديدة، متخمة بالضائع المعدنية، المطاطية والبلاستيكية التي يغذيها البترول. المصانع العظيمة مثل ولفسبرغ ربما اشترت سلاماً اجتماعياً، لكن الثمن الذي قد يكون علينا دفعه هو البداية فقط لنرزح تحته.

عن صحيفة الغارديان