الكتاب الأول.. الكتاب النقلة

الكتاب الأول.. الكتاب النقلة

عواد ناصر
أعرف أن هذه الزاوية غير معنية بالكتاب المدرسي، لأن المثقفين يترفعون ليستعرضوا عضلاتهم الورقية فيدعوا أنهم قرأوا تلك الكتب”عريضة المنكبين وقوية الشكيمة”ليدللوا على ”عمق” ثقافتهم، فأقول إنني أحببت أول ما أحببت كتاب”القراءة” للصف الخامس أو السادس الابتدائي عندما قرأنا، جماعياً، نصاً عنوانه ”هيلين كيلر.. الفتاة العمياء الصماء” تلك الشخصية الاجتماعية والكاتبة البريطانية،

نصاً استحوذ على عاطفة الطفل لأنها تنازلت عن دورها بعد أن”أحست”أن الشخص الواقف خلفها في عجلة من أمره وهذا بفعل أنفاسه ونبض قلبه التي تركض عجولة ملحاحة!
ثم كتاب”النصوص”المقرر للصف الأول المتوسط لأنه عرفني على عديد الكتاب والشعراء وأولهم محمد مهدي الجواهري في قصيدته”جيش العراق”لأكتشف لاحقاً أنها تحولت من:
"عبدالكريم وفي العراق خصاصة/ ليدٍ وقد كنت الكريم المحسنا”إلى:
"جيش العراق وفي العراق خصاصةٌ.....إلخ.
ولم أتأكد، حتى اليوم أن التغيير كان بقلم الجواهري الذي اختلف مع عبد الكريم المحسنا أم أن وزارة التربية هي التي غيرت القصيدة!
في فوضى الكتب التي تلازمني، حتى اليوم، شرّقت وغرّبت فلم أجد ذلك الكتاب الذي أبحث عنه حيث تنقلت من روايات موريس لبلان مبتكر”آرسين لوبين”ومعه السير آرثر كونان دويل مبتكر”شرلوك هولمز”وبعدهما، تأثراً بابن عمي، ثم صديقي، فيما بعد، هاوي الفضاء وصناعة الصواريخ صباح حسين ”صاروخ” نزيل نقرة السلمان، فأمضيت حوالي السنتين وأنا أقرأ كتب الكواكب والفضاء وأكثرها متعة كان كتاب الفلسطيني الراحل الدكتور عبدالرحيم بدر”الكون الأحدب” وأنا لم أبلغ الحلم.
لكنني أعد الكتاب الأول هو الكتاب النقلة، الكتاب الذي غيرني وهداني إلى الطريق غير المستقيم: كتاب سلامة موسى”هؤلاء علموني”وكنت في الصف الثالث المتوسط.
هذا الكتاب الذي يستعرض فيه موسى مصادره الثقافية المتنوعة، لكنها تصب في منبع واحد: التنوير المدني ونقد التراث والتقاليد البالية، ومعنى الديمقراطية التي عاشها في بريطانيا والتقى فيها ببرناردشو، شخصياً، وتقديم صورة قلمية لأبرز فلاسفة ومفكري القرن التاسع عشر الذين مثلوا، عندي، مفاتيح جديدة لفتح المكتبة العالمية ومتابعتهم فيما بعد أمثال دوستويفسكي وتولستوي وفولتير وداروين وغوته ونيتشه وماركس وفايسمان، وأبسن وغيرهم.
ومنه بدأت أسئلتي مثل: كيف يغير المؤلفون العالم؟
الحق، أن هذا الكاتب، الذي تعاقبت كتبه في مكتبي الصغيرة مثل”التثقيف الذاتي”و "الأدب والحياة” و"عقلي وعقلك"... إلخ من عشرات الكتب فقد كان الرجل مكثراً ومنتجاً بشكل ملحوظ.
لكنني استغربت، وقتها، من دعوته إلى اعتماد العامية المصرية بدل الفصحى!
لم يكن ذلك الكتاب مجرد كتاب للقراءة، بل مثل لي”دعوة”إلى تأمل العالم بعيون جديدة، مختلفة، أفسدني”فكرياً”مثلما أفسد فيسمان الشاب سلامة موسى ووضعه على الطريق”غير المستقيم".. تلكم”مفسدة”الكتب الأولى التي دعت الكنيسة والجامع ووزارة الثقافة والإعلام (إقرأ: الإعلان) إلى استحداث وظيفة الرقيب.