شهادة على زمن عاصف

شهادة على زمن عاصف

سعدون هليل
الجزء الثاني من كتاب الرفيق الاستاذ عبدالرزاق الصافي:”شهادة على زمن عاصف وجوانب من سيرة ذاتية”الصادر عن دار المدى سنة 2010.
يتطرق الكتاب بصورة وافية الى بشاعة، القمع الذي تعرضت له الحركة اليسارية بدءا من العهد الملكي مروراً بأحداث شباط الدامية، وحتى سقوط النظام البعثي،

الذي سعى الى تصفية المثقفين والمناضلين لمجرد مناوأتهم للحكم الاستبدادي الصدامي. ويعرض الصافي لما تعرض له السجناء الشيوعيون والديمقراطيون من أذى وتعذيب ولا يعتمد في ذلك على العبارات الانشائية، ولا على المبالغة في استخدام اوصاف القسوة او الغلظة او شدة الألم. ويستعرض في القسم الاول من الجزء ذكرياته ومشاركته في الايام الاولى لثورة 14 تموز 1958، ملقيا الضوء على الاحداث، قائلا:”كنت طالباً مفصولاً من كلية الحقوق، واعمل في قيادة التنظيم الطلابي السري”اتحاد الطلبة العام”بادرنا في الاتحاد بارسال برقية تأييد للثورة، معنونة الى الزعيم عبدالكريم قاسم”.

وكان وفد الاتحاد يتكون من الرفيق الفقيد مهدي عبدالكريم، الذي كان قد خرج من السجن منذ ايام قليلة والزميل لؤي نوري القاضي. يقول الصافي:”استقبلنا الزعيم بلطف رغم مشاغله الكثيرة، واصغى بانتباه الى عرض سريع قدمته عن تاريخ الاتحاد ونشاطه وموقفه الداعم للثورة ووضعه لكامل امكانياته لخدمتها.. وكان لهذا اللقاء دور في تسهيل مهمة اتحاد الطلاب العالمي، الذي انعقد في بكين، عام 1958، بعد أقل من ستة اسابيع على انتصار ثورة الرابع عشر من تموز”.
وتحدث الصافي عن شعار حزب البعث الداعي الى الوحدة الفورية الاندماجية مع العربية المتحدة، بدفع من قيادته القومية بقيادة ميشيل عفلق، الذي جاء الى العراق يومذاك. وكان طرح الشعار خلافاً لما اتفقت عليه جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست في شباط 1957. وشارك في هذا الطرح عبد السلام عارف، الذي كان وزير الداخلية. ويؤكد”الصافي”لم يكن شعار الوحدة الاندماجية يلقى قبولا من جانب كل أحزاب جبهة الاتحاد الوطني، عدا حزب البعث، الذي التزمت قيادته، وعلى رأسها الفقيد فؤاد الركابي، مضطرة بتوجيهات ميشيل عفلق.
ثم ينتقل صاحب المذكرات الى اعلام الحزب الشيوعي في 1958، حيث يقول، لقد حرم الحزب الشيوعي من وزير او وزراء يمثلونه في حكومة الثورة، من دون الاحزاب التي كانت مؤتلفة في جبهة”الاتحاد الوطني”وحرم كذلك من اصدار جريدة تنطق باسمه، بالرغم من الدور الكبير الذي لعبه في اسناد الثورة وتحقيق انتصارها الكاسح. ويوضح الصافي، قائلا:”ظل الأمر على هذه الشاكلة اشهراً عدة بعد نجاح الثورة، وتعززت خلالها علاقة الحزب بالزعيم عبدالكريم قاسم، من خلال دفاع الحزب الحار عن الجمهورية والتصدي للنشاطات التآمرية ضد حكومة الثورة. ولم يعد يكفي ان يعتمد اعلام الحزب على البيانات والكتابة في صحف أخرى”ويضيف الصافي:”ولذا اقدم الحزب على شن حملة جماهيرية للمطالبة بجريدة علنية للحزب اسوة بالاحزاب الأخرى”.
ويؤكد الصافي قائلا:”عندما فاتح الرفيق سلام عادل الزعيم بطلب امتياز الجريدة، قال الزعيم: قدموا طلباً، فقدم الرفيق”سلام”الطلب مصحوبا بـجمع من تواقيع الجماهير وصدرت”اتحاد الشعب”علنية في الخامس والعشرين من كانون الثاني / 1959 وشكلت بصدورها نقلة نوعية في الصحافة العراقية.
ويذكر الرفيق عبدالرزاق الصافي انه برز فيها صحفيون لامعون استقطبوا اهتمام القراء من شتى الاتجاهات مثل الكاتب البارع الشهيد عبدالجبار وهبي”ابو سعيد”الذي كانت قراءة الجريدة تبدأ من عموده اليومي في الصفحة الأخيرة من الجريدة! وشمران الياسري”ابو كاطع”وشريف الشيخ وبديع عمر نظمي وعزيز سباهي وسعدي الحديثي.. وغيرهم الكثير من الاسماء المعروفة.
ويشير الصافي الى ان امتياز الجريدة كان باسم الفقيد الرفيق عبدالقادر اسماعيل”الذي لم يراع الانقلابيون الفاشست في 8 شباط 1963 كبر سنه وتاريخه النضالي الطويل من ثلاثينيات القرن الماضي، وعرضوه للتعذيب بقصد اسقاطه سياسيا”.
ويستذكر الصافي ما تعرضت له”اتحاد الشعب”في الاسابيع الاولى من صدورها لموقف غير ديمقراطي من جانب الفقيد حسين جميل الذي جرى تكليفه بوزارة”الارشاد”بعد استقالة الوزراء القوميين في شباط 1959، وكتبت”اتحاد الشعب”مقالاً افتتاحياً حول استقالتهم، وتضمنت المقالة فقرات لم ترق للوزير فمنع نشرها، في حين رأت الجريدة في هذا العمل ممارسة غير ديمقراطية، فلم تلتزم بالشطب ونشرت المقال بالكامل، حينها اقدم الوزير على تعطيل الجريدة لمدة 15 يوماً من دون حصول موافقة رئيس الوزراء عبدالكريم قاسم، واثار هذا الفعل ضجة وقابلت قيادة الحزب الشيوعي الزعيم عبدالكريم قاسم بشأن الموضوع فاوعز باستمرار صدورها، وكان هذا يعني إلغاء أمر الوزير، الذي اختار إثرذلك الاستقالة ولم يمض على استيزاره الا وقت قليل.
ويشير الصافي معرض حديثه عن التاريخ الوطني للشعب العراقي ومناضليه قادة الحزب الشيوعي العراقي انه كلف بمهمة العثور على قبر الشهيد يوسف سلمان”فهد”وقد استعان بالرفيق الشهيد محمد حسين أبو العيس للذهاب سوية الى أمانة العاصمة للسؤال عن مكان القبر، فعلمنا ان الشهيد مدفون في مقبرة الشهداء في باب المعظم. عندها قررت قيادة الحزب الاحتفال بالمناسبة في المقبرة،والقى الرفيق محمد حسين أبو العيس كلمة في الحشود مجد فيها تضحيات الرفاق الشهداء الخالدين وكل شهداء الحركة الوطنية.
ثم ينتقل الصافي، الى مرحلة الانقلاب الفاشي في الثامن من شباط 1963، والمجزرة التي قام بها الانقلابيون ضد قادة ثورة 14 تموز وفي مقدمتهم الشهداء عبدالكريم قاسم ووصفي طاهر وفاضل عباس المهداوي وماجد امين، وضد حزبنا الشيوعي العراقي والحركة الديمقراطية، ويعتقد الصافي، قد ابادوا ثمانين بالمئة من قيادة الحزب والعديد من كوادره وفي مقدمتهم الشهداء الاماجد حسين احمد الرضي”سلام عادل”ومحمد حسين ابو العيس وحسن عوينه وجورج تلو ورحيم شريف ونافع يونس وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وعبدالجبار وهبي”“ابو سعيد”وعدنان البراك وحمزة سلمان.. والعشرات غيرهم من خيرة المناضلين الشيوعيين البواسل”وتحدث صاحب المذكرات، الى قصيدة الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري المعنونة”أمين لا تغضب”في هجاء انقلابيي شباط 1963 وقصائد أخرى له، وايصالها الى جماهير شعبنا لتكون عونا لها في مجابهة عسف انقلابيين الثامن من شباط 1963 الفاشست وإرهابهم الشرس. وكذلك أكد الصافي على بيانات ونشاطات”لجنة الدفاع عن الشعب العراقي”التي تاسست في براغ بعد الانقلاب برئاسة الجواهري، وكان من نشطائها الدكتور فيصل السامر والرفاق د. نزيهة الدليمي ود. صلاح خالص ود. رحيم عجينة ونوري عبدالرزاق حسين وزاهد محمد، وغيرهم من المناضلين الوطنيين شيوعيين وديمقراطيين.
ويتطرق الكتاب بعد ذلك الى انقلاب السابع عشر من تموز 1968 ودور الدكتور ناصر الحاني، عراب الانقلاب، ثم تغييبه من قبل القيادي البعثي عبدالوهاب كريم”الملقب هوبي الاعور”بزعم ان الرئيس البكر بعث بطلبه، فاختفى اثره بعد ذلك، كذلك حادث السيارة الذي أودى بحياة عبدالوهاب كريم وكان مدبراً من قبل صدام حسين لاخفاء دور السلطة في اختطاف د. ناصر الحاني وتغييبه ومعه ما يمتلك من معلومات عن تدبير الانقلاب ودور المخابرات المركزية الامريكية الـ”سي آي آي”فيه. ويضيف الصافي قائلا:”لايمكن نسيان جهاز الأمن البعثي بعد الانقلاب، الذي وضع على رأسه الجنرال ناظم كزار المعروف بشراسته وجرائمه بحق الشيوعيين والديمقراطيين في اعقاب انقلاب الثامن من شباط الفاشي في 1963. هذا الجهاز الذي واصل ارتكاب جرائم الاغتيال على ايدي جلاوزته العديد من خيرة المناضلين الشيوعيين من امثال عضوي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الشهيدين ستار خضير وعلي البرزنجي وعدد من الكوادر الشيوعية، ومنها الشهداء عزيز حميد وعبدالامير سعيد ومحمد الخضري واحمد الحلاق وسامي هندو وكاظم الجاسم، الذي جرى تعذيبه بشكل بشع مما جعله يفارق الحياة بعد ايام قليلة من اطلاق سراحه في خريف 1971 وغيرهم.
ويضم الصافي في الكتاب ثلاثة ملاحق، الاول عن الجبهة الوطنية، والثاني عن”المساهمة في مناقشة قضايا الى تاريخ الحزب الشيوعي العراقي”اما الثالث فعن”النظام الملكي في العراق،كيف اقيم؟ ولماذا انهار”؟
وفي الكتاب ملحق صور، رسالة من الرفيق باسم مشتاق وشهادة من الدكتور عز الدين مصطفى رسول. أخيراً كذلك الكتاب شهادة غنية يحتاجها جيل المؤلف وابناء الجيل الحالي فضلا عن دارسي تاريخ العراق والمجتمع العراقي.

“شهادة على زمن عاصف وجوانب من سيرة ذاتية”
الجزء الثاني/ دار المدى/ الكتاب بـ204 صفحة.