حفيدة السلطان عبدالحميد تروي مغامراتها الخيرة في القاهرة

حفيدة السلطان عبدالحميد تروي مغامراتها الخيرة في القاهرة

منذ شهور قدمت الى مصر الاميرة نرمين شوكت كريمة الامير محمود شوكت وحفيدة السلطان عبد العزيز من ناحية ابيها والسلطان عبد الحميد من ناحية امها.. عمرها اثنتان وعشرون سنة.. وفي تقاطيعها ينصب كل جمال آل عثمان وهو جمال خليط من كل الاجناس والشعوب.. وطافت الاميرة نرمين باوربا كلها.. ثم قررت ان تستقر في مصر وان تتجه الى ميدان الخير والخدمة الاجتماعية.. وكتبت هذا المقال "آخر ساعة" لتروي فيه تجارب أميرة في ميدان اخير في مصر!

الشجاعة والهرب!
عالم غريب.. عالم البر والاحسان تلقى فيه تيارات متضاربة واتجاهات بحار المرء وهو يسأل نفسه: ماذا وراءها..؟
ان محاولة اقناع الناس بان يعملوا شيئاً من اجل زملائهم في الانسانية تجربة عامرة بأحاسيس كثيرة متفاوتة..
تتكلم من كل الناس فتلقى ترحيبا.. وتلقى إشادة بجهدك وتقديراً لمزاياه ثم تمد يدك تسال المرحبين المشيدين بالمجهود ان يؤدوا واجبهم الفعلي.. فتجد الهرب السريع على طول الخط.. والعجيب في مصر ان الذين يهربون هم الذين يستطيعون الدفع.. اما الذين لا يستطيعون فما من واحد منهم قابلناه في الشارع فتردد وهو يضع يده في جيبه يخرج ما يستطيع الاستغناء عنه..
كان هدفي ساعة قررت ان ابدأ العمل في القاهرة هو ان تؤلف هيئة نسائية باسم "رابطة نساء العرب" يكون ميدانها البلاد العربية كلها على ان تنال فلسطين القسط الاكبر من المجهود وقال لي كل من قابلتهم من الزعماء والاقطاب: هذا مجهود عظيم.. وبدأنا نجمع التبرعات استعدادا للعمل..
الحزبية في بلدنا!
كنا نطوف مرة في شارع قصر النيل نطرق كل باب ووصلنا اخيرا الى شقة كتب على بابها "كامل يوسف صالح" وقالوا لي انه محام وانه كان مرة نقيبا للمحامين ودخلت وقدمت له نفسي فنهض احتراما وشرحت له غرضي فظل يسمعني صامتا حتى انتهيت وفجأة قفز من فوق مقعده وقال:
- ان لا اتبرع بشيء لانني وفدي
قلت: وما شان الوفدية في ذلك؟
قال: نحن الوفديين لا نعمل اي شيء الا اذا رجعنا للحزب قلت: وهل لو قابلك شحاذ في الطريق يطلب صدقة اتطلب منه ان ينتظر لتعرض الامر على الحزب فيقرر هل يوافق او لا يوافق على ان تعطيه قرشا او قرشين؟ قال: طبعا.. ان السياسة في بدلنا هي كل شيء.. وحتى اذا قال لي واحد في الشارع "سلام عليكم" لا ارد عليه ولا اقول: "عليكم السلام" الا وفق ما تمليه السياسة..
النحاس رجل طيب
وكان النحاس باشا – حقيقة – رجلا ظريفا.
ذهبت اطلب مقابلة حرمه فجاءني بنفسه يعتذر عنها ويقول انها مريضة.. وسألني : هل استطيع ان اؤدي لك خدمة؟
فشرحت له غرضي فقال:
- ان حرمي لا تشترك في جمعيات خيرية فهي ترأس جمعية حاربتها الحكومة.. ولو انضمت اليكم لحاربت الحكومة جمعيتكم من اجلها!
قلت له: يا باشا نحن لا نطمع في انضمامها الى الجمعية ولكننا نطلب معونتها المالية..
وعاد رفعته يقول: الحكومة ستحارب جمعيتكم لو اشتركنا معكم.. انها حكومة اغتصبت الحكم.. حكومة ظالمة.. ظالمة.. ثم توقف رفعته وقال: آه.. عاوزين معونة مالية؟
ثم اخرج من جيبه ورقة من ذات الخمسة الجنيهات واعطاني اياها وسألته: هل تسجل هذا التبرع باسم رفعتكم او باسم حرمكم؟
وتوقف النحاس باشا وقال:
- كده.. طيب استني شوية. وصعد السلالم ثم عاد بعد قليل .. وقبل ان يتكلم جذب الخمسة الجنيهات من يدي وقال:
- هذه ورقتي اخذتها.. وخذي هذا المبلغ من حرمي.. وسلمني عشرين جنيها!
وكثيرون!
وكثيرون غير هؤلاء قابلت حيث قابلت وزير الشؤون وبعد تحريات طويلة أمر بتسجيل جمعيتنا في الوزارة والاعتراف بها واعطاني خطابا يبيح لنا جمع التبرعات ورفض هو ان يتبرع بشيء الى ان تظهر نواحي نشاطنا وقابلت وزير الصحة وطلبت منه سيارة تطوف بها على بيوت الفقراء فاحالني على وزير المواصلات الذي احالني بدوره على وزير الاشغال. وقد اعتذر الاخير بان كل ما يستطيع عمله هو ان ييسر لنا شراء سيارة على ان ندفع نحن ثمنها.. ومن اين لجمعيتنا الصغيرة الفقيرة ان تحصل على 800 جنيه ثمن سيارة.
ولم اتمكن من مقابلة حافظ عفيفي باشا وقال لي سكرتيره ان البنك لايدفع تبرعات هذا العام وقابلت احدى العضوات فؤاد سراج الدين باشا فاعطاها خمسين قرشاً.. ودفع لي احد البقالين خمسة جنيهات!
وذهبت الى مفوضية افغانستان فادخلونها من الباب الخلفي - او باب الحريم – وقالوا لي ان الوزير لا يقابل سيدات!
وفي دار مفوضية اجنبية قال لي الوزير المفوض في شجاعة يحسد عليها: لماذا ادفع لمصر والمصريين.. عندنا ابواب اخرى نوجه اليها تبرعاتنا...!

آخــر ســاعة/ حزيران - 1948