عدّى النهار

عدّى النهار

علي حسين
نتذكر هذه الايام مرور أربعين عاماً على غياب الفنان، الذي فقد الحب لكنه ظل طوال حياته يغني للحب، المطرب الذي ملأ ومازال يملأ حياتنا بهجة وسرور، نتذكر عبد الحليم حافظ، وكتيبة الفرح التي رافقته، من كمال الطويل صانع البهجة في”على قد الشوق، ونعم ياحبيبي نعم”، الى بليغ حمدي المتطرف في الفرح”خايف مرة احب، والهوى هوايا”،

مرورا بمحمد الموجي مجنون الغرام في”صافيني مرة وحبك نار”، الى منير مراد وهو يرقص على كلمات”اول مرة تحب ياقلبي، وليس انتهاء برصانة محمد عبد الوهاب في”توبة وضي القناديل”، لكن الأمة التي كانت تسمى عربية قبل عقود، لاتريد ان تتذكر ايام الفرح والمسرات، إنها غارقة في خطب ابو بكر البغدادي.
اخترق الشاب الفقير الحياة الفنية في مصر. وأصر على أن يقارع جميع الكبار، رفضته الجماهير اول مرة عندما صعد على المسرح عام 1952 ليغني صافيني مرة، فلم يكن احد على استعداد لسماع هذا النوع من الغناء الذي يخلو من الآهات، لكنه يصر ان يعيدها بعد عام لتصبح اغنية الموسم
كان عبد الحليم حافظ علامة من علامات الزمن العربي، وعلما من أعلام هذه الأمة التي استبدلت عدى النهار، بمناهج التكفير، وكلمات الغزل بوصايا جهاد النكاح، كانت للعندليب جمهوريته ومواطنون يرددون معه:”اشتقت اليك فعلمني ان لا اشتاق”ويغني القصيدة لكي يسعدنا :”الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار”، العندليب الذي صنع تأريخاً مليئاً بأعذب الألحان، نصفه عاميا على لسان مرسي جميل عزيز ومحمد حمزة وعبد الرحمن الابنودي ومامون الشناوي و الاخر فصيحا بأقلام نزار قباني وحسين السيد وحمود حسن اسماعيل وصلاح عبد الصبور
اليوم نتذكر درس عبد الحليم عن الحب والفرح والمسرة، حين نجد الناس تُذبح تحت رايات دينية وطائفية،، مثلما نتذكر فنانة عراقية كبيرة – ناهدة الرماح – ظلت تملك حلما كبيرا لصياغة صورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبث الفرح في نفوسهم، جاءت ناهدة من عائلة فقيرة، مثلما كانت عائلة عبد الحليم فقيرة الحال، نقلت ناهدة فقر حالها ووعيها وعذابات المرأة العراقية إلى كل أعمالها الفنية، لكنها في النهاية وجدت الأهمال حين ماتت وحيدة في احدى مستشفيات بغداد دون وداع رسمي.
حاولت أن أتجنّب الكتابة عن العندليب في ذكرى رحيله. فعندما أكتب عن هذا الزمن أفقد ضوابط الكتابة، وأعود شاباً هائماً بين القصائد الرقيقة ومتعة العشق وعبقرية الفرح.، فأنا لاازال ذلك الفتى الحالم الذين يريد ان يعثر على مرفأ ليس فيه فوارق، ولا عنصريات، ولا طوائف، ولا أحقاد، و، ولا انتقامات. والاهم ليس به”مجاهدون”.
مرفأ تاخذنا كل دروبه للنهار
“واحنا بلدنا للنهار بتحب موال النهار
لما يعدي فى الدروب
ويغني قدام كل دار

ذات صلة