التحليل العلمي لصوت العندليب

التحليل العلمي لصوت العندليب

سعاد الهرمزي
ناقد راحل
كشف علماء الاصوات وخبراء الموسيقى ومهندسوا الصوت والتسجيل الذين رافقوا عبد الحليم طوال رحلته الفنيه من خلال العمل المتواصل الذي استغرق ربع قرن كشفوا لنا التحليل العلمي لصوته.
ماذا كشفت اجهزه القياس الالكترونيه والتحاليل الصوتيه في صوت عبد الحليم وماذا قالت في طبقات صوته ومدى كفائته وقدرته على التحكم في النغمات

يقول الدكتور يوسف شوقي الذي درس وحلل اصوات كل من غنى وقرأ القرأن الكريم على القياس الالكتروني
ان خطوط تحليل صوت عبد الحليم ذات صفه متميزه تماما عن كل الاصوات الرجاليه والتي غنت في مصر منذ عام1903وحتى عام 1973 وهي الفتره التي كان يغطيها بحث الدكتور شوقي في اصوات الغناء
وهذا يفسر السبب في ان العندليب احتل مكانا راسخا في عالم الفن والغناء ولانه كان صوتا فريدا لم يقلد احد من الاصوات من سابقيه و معاصريه
وعند قياس ترددات النغمات في صوت عبد الحليم كشفت الاجهزه عن ميزه اخرى يتمتع بها صوت عبد الحليم وحده ذلك ان كل اصوات الغناء العربي باستثناء عبد الحليم في مصر وفيروز من لبنان كانت تغني درجات السلم الموسيقي العربي الطبيعي
اما صوت عبد الحليم فبالاضافه الى انه كان يغني درجات السلم الموسيقي غناء صحيح الا انه كان يتميز بدقه اداء الصوت الموسيقي المعتدل والذي يصدر عن اصوات الاوركسترا فقط وهذا يبين المستوى التدريبي العالي والقدره الفنيه على التحكم في النغمات الموسيقيه التي كان يحتويها صوت عبد الحليم حافظ وربما كان يرجع ذلك الى بدأ حياته عازفا على اله الاوبوا فترك ذلك بصمه خاصه في صوته
ولقد كشفت عمليات التحليل والقياس ايضا عن مرحلتين متميزتين في حياة صوت العندليب والحد الفاصل بين تلك المرحلتين هي اغنيه (نار يا حبيبي نار)قبلها لم تكن اثار المرض تبدو في التحليلات ثم بدأت هذه الاثار تتزايد ويقل معها انتاج عبد الحليم الغنائي وهذا يكشف عن المعاناة الانسانيه التي كان يمر بها ليبقى مستمرا في طريق الكفاح الفني ولو لم تن تلك الاجهزه على درجه عاليه من الحساسيه لكان من الصعب الكشف عن هذه الضاهره لانه فيما يبدو ان عبد الحليم كان يبذل اقصى جهد انساني حتى لا تتسلل هذه الاثار الى صوته الذي بقي شابا حتى اخر نسمه من نسمات حياته ولو تم تشبيه الاصوات السابقه من المطربين بالفنانين التشكلين لوجدنا انهم يرسمون بالالوان الزيتيه والمائيه ذات الايقاع الثقيل اما العندليب فكان رساما للخطوط الدقيقه الرفيعه التي تحمل ضلالها اللونيه دونما الحاجه الى استخدام الالوان الصريحه الزاعقه وقد يستخدم الفرشاة ولكن بضربات سريعه خاطفه ماهره يحدد بها لوحه غنائيه محسوسه نابضه بالحيويه
لم يكن صوت العندليب زاعقا بل كان هامسا وخافتا فقد كان العندليب الفارس الاكبر الذي ابتدع الغناء المهموس الذي يضل مهما ارتفع صوته باللحن او جلجل بالنغم صوتا هامسا تحت ستار من الحياء والخجل والبراءه........
انه كذلك يقنعك بصوته من اول وهله وتحس معه بانه صديق شخصي عزيز يغني لك وحدك ولولا معزتك عنده لما غنى وحينما يراك معجبا به فانه يمعن في ارضائك ويكشف مع غنائه معان انسانيه شعوريه
ان في صوت العندليب معاناة شعبيه اصيله معاناة لا شك انه مارسها واكتوى بنارها كل انسان
لذلك مهما جائت خامات مشابهه لصوت العندليب او حتى اقوى منه او غنت على طريقته فانها لايمكن ان تقارن به اذ يضل هناك شيئ ناقص مهم وهو الاحساس الذي امتلكه عبد الحليم حافظ
والبرغم من النجاح الكبير الذي ساهم فيه الملحنون معه ولكن لولا وجود العندليب لضل الملحنون يدورون في فلك التطريب الممل
فلقد فجر وجوده ينابيع الالهام التعبيري واستفز بصوته امكاناتهم الفنيه فابدعوا من خلال قدرته الخاصه على الاداء المتميز.

من كتاب اصوات لاتنسى لسعاد الهرمزي