الصناعة الوطنية وغياب التخطيط

الصناعة الوطنية وغياب التخطيط

محمد صادق جراد
لا يخفى على احد ان القطاع الصناعي في العراق قد شهد تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة نتيجة لتراكمات كثيرة منها الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية وغياب الدعم الحكومي وتدمير البنية التحتية لهذا القطاع الحيوي،إضافة إلى سياسة الاستيراد العشوائي الذي ساهم في إغراق السوق بمختلف البضائع التي طغت على المنتج المحلي وشاركت في تراجع الصناعة المحلية .

وحسب إحصائيات ودراسات اقتصادية فان واقع المشاريع الصناعية في البلد قد شهد تراجعا بنسبة 65 % تقريبا عن الأعوام التي سبقت سقوط النظام السابق في 2003 .
ومن الجدير بالذكر ان الحكومة العراقية الجديدة وعلى لسان رئيس الوزراء نوري المالكي أعلنت في برنامجها الحكومي الذي ألزمت به نفسها بتنفيذه بضرورة تطوير القطاع الصناعي وفق ستراتيجية جديدة وهذا ما جاء في الفقرة 19 من البرنامج الحكومي حيث نصت على ما ياتي ..( تطوير القطاعين الصناعي والتجاري وتوسيع شبكات النقل البري والبحري والجوي، علما بأن الجانب الصناعي يعاني تخريبا وإهمالا وبحاجة إلى ستراتيجية جديدة ) .
من هنا نستنتج بان الحكومة عليها وضع ستراتيجية جديدة لهذا القطاع ورصد الأموال وتشريع القوانين الكفيلة بإعادة الروح له ،الا ان الحقيقة كانت غير ذلك فاللجان المسؤولة عن وضع االموازنة لهذا العام قد رصدت مبلغ 600 مليون دولار فقط لتطوير القطاع الصناعي بينما كشف السيد احمد الكربولي وزير الصناعة ان في العراق نحو 266 معملا ومصنعاً، فضلا عن المجمعات الصناعية الكبرى التي تحتاج وحدها الى 3 مليارات دولار لإعادة تأهيلها وصيانتها , وهذا يعني بان موازنة العام الحالي لم تكن مدروسة وفق ستراتيجية صحيحة فهي لا تكفي للقيام بصيانة المصانع والمعامل بما يؤهلها للعودة الى الإنتاج لتساهم في إعادة الواقع الصناعي الى مستواه السابق وتطويره الى مستويات أعلى .
وكما يعلم الجميع بان معظم المصانع في العراق تم إنشاؤها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، وهي لا تواكب التطور العلمي والتكنولوجي الحاصل في العالم فهي بالتالي بحاجة الى الإدامة التي غابت عنها لسنوات طويلة إضافة الى التطوير لمواكبة العصر واللحاق بالثورة العلمية التي يشهدها العالم في ميدان الصناعة .
و لا يخفى على احد ان القطاع الصناعي يعاني أزمة كبيرة يجعله متهالكا حيث تمتلك الدولة مؤسسات ومصانع تضم فيها حوالي 450 ألف عامل وموظف يتواجدون في شركات معطلة عن العمل لا تمارس نشاطا إنتاجيا حقيقيا ودون ان تدخل سوق الإنتاج والمنافسة ودون ان تقدم ما يساهم في تأمين رواتب منتسبيها، ما يحّمل الدولة عبئا كبيرا في دفع مرتباتهم ليس دعما للشركة وتحسين إنتاجها بل فقط لكي تضمن الحكومة استمرار بقاء هذه الشركات والمصانع موجودة باي شكل كان .
والحل هنا لا بد ان يكون عبر خصخصة هذه الشركات وعرضها للاستثمار مع مراعاة توفير حلول لمسألة البطالة المقنعة التي تتواجد في هذه الشركات والحيلولة دون تسريح العاملين فيها ودراسة حالتهم والخروج بحلول منطقية لا تؤثر على حالتهم المعيشية .
ما نريد ان نقوله هنا ان من أهم المخاطر التي يواجهها العراق في طريقه لإصلاح الملف الاقتصادي ومعالجة المعوقات التي تواجهه هو غياب التخطيط بعيد المدى وغياب الستراتيجيات الصحيحة في ظل المشاكل التي تواجه البلاد وأهمها ازمة الكهرباء وقلة المياه وتلوث البيئة وهجرة رؤوس الأموال وتدهور القطاع الصناعي إضافة الى الفساد الإداري والمالي والفوضى التي تصاحب عمل المؤسسات الحكومية ومشاكل عديدة تحتاج لتسليط الضوء عليها من قبل المختصين ومن قبل الإعلام الوطني الذي لا بد له من دور مهم في وضع الإصبع على الجرح من اجل معالجته والنهوض بالواقع الاقتصادي لهذا البلد الذي يعيش أزمة عميقة وشاملة تمتد جذورها إلى السياسات الاقتصادية الخاطئة التي انتهجها النظام السابق والتي زادت سوءا بعد سقوطه نظرا للفوضى التي صاحبت عملية إسقاطه وظهرت تجلياتها اليوم وأصبحت بحاجة إلى معالجات حقيقية قادرة على تحقيق تقدم حقيقي في قطاع مهم وحيوي مثل القطاع الصناعي .