الليلة التاريخية الفنية في مسيرة الفنان الكبير سلمان شكر

الليلة التاريخية الفنية في مسيرة الفنان الكبير سلمان شكر

سالم حسين الأمير
موسيقي وملحن راحل
سلمان شكر ولد في بغداد العام 1920 دخل معهد الفنون الجميلة في اول دورة له بعد ان انهى مرحلة دراسة الثانوية الاعدادية، وكما نعلم ان معهد الفنون كان يطلق عليه قبل ذلك المعهد الموسيقي، وقد افتتح هذا المعهد بدورته الدراسية الاولى العام 1936

وكان من الطلاب الاوائل الذين دخلوا هذا المعهد واهمهم من الذين استمروا في الدراسة والتدريس في المعهد المذكور بعد تخرجهم،هم الاساتذة جميل بشير ومنير بشير وغانم حداد وسلمان شكر، تتلمذوا على يد واشراف الموسيقار الكبير الاستاذ الشريف محيي الدين حيدر ذلك الرجل الذي احدث ضجة في عالم العود بتطوير العزف على هذه الآلة الصغيرة الحجم والكبيرة العطاء في الموسيقى العربية.

التزم الاستاذ سلمان شكر بمنهاج دراسة الشريف محي الدين حيدر وحافظ عليها ولم ينهج الى مدرسة اخرى وكما يطلق عليها الطريقة التركية في العزف، وتخرج على يد الاستاذ سلمان شكر العديد من الطلبة مثل الاساتذة حسام الجلبي وعطا الحافظ وعلي الامام وعبد الوهاب بلال وغيرهم.
أسس فرقة خماسي العود البغدادي من كبار العازفين من خريجي معهد الفنون الجميلة الذي حمل هذا الاسم في العام 1940عندما فتحت في هذا المعهد فرع المسرح فرع الرسم والنحت، وقدم هذا الخماسي العديد من مؤلفات الاستاذ سلمان شكر مثل الغجرية الحسناء، وحورية الجبل، وكلكامش، وسماعي ماهور، كانت تقدم من الاذاعة العراقية موزعة هارمونيا واذكر من العازفين على آلة الكمان الاستاذ آرام تاجريان وعلى آلة الفيولنسيل (الجلو) الاستاذ حسين قدوري وغيرهم من الاساتذة، وفي منتصف السبعينات 1976 سافر الى لندن للتفرغ للبحث والدراسة عن كتاب الادوار لمؤلفة صفي الدين الارموي في العصر العباسي البغدادي مع المشرف البريطاني الاستاذ جون هيورت، وكان خلالها يقدم عزفاً منفرداً على العود في قاعات لندن الموسيقية وقد نال اعجاب الجمهور البريطاني ومن حضر من العرب والأجانب.
نعود الى ذكر تلك الليلة التاريخية في مسيرة هذا الفنان الكبير الاستاذ سلمان شكر وهي مشاركته بالعزف مع اوركسترا (لندن سمفوني) في قاعة (الملكة اليزابيث) في مساء 15/11/1983 كونسرت العود بمعزوفه موسيقية لموشح صوفي علق بأذن هذا الفنان الكبير فجعل منه معزوفة كبيرة قام بتوزيعها للفرقة السمفوني المستشرق البريطاني المستر جون هيورت، كنت انا مقيماً في لندن لوضع موسيقى لبعض الأفلام العلمية لأحدى الاستوديوهات المختصة بهذا الشأن كعلوم الطب وعلوم البحار وغيرها والتي استحسنت موسيقاي التي تجمع بين التأليف الموسيقي العربي الكلاسيكي والهيكلية العالمية. وبأشراف قائد الاوركسترا أي الفرقة الموسيقية التي تعمل مع هذه المؤسسة الفنية كنت انا وصديقيَ الحميمين رجل الأعمال المهندس والفنان السيد بطرس حنا بطرس ورجل الاعمال الوجيه السيد نزار الخضيري متحمسين لهذا العمل فكنا نشجع اصدقائنا من المقيمين في لندن على حضور هذه الحفلة الكبرى تشجيعاً لفناننا الكبير الاستاذ سلمان شكر، ولم يكن المطر أو الزحام الشديد يثنينا أو يعرقل وصولنا الى قاعة الملكة اليزابيث فكنا اول الداخلين الى هذه القاعة بعد ان استلمنا ورقة الاعلان والبرنامج الخاص لهذه الليلة الجميلة وقد ازددنا سروراً كبيراً عندما رأينا أسم الاستاذ سلمان شكر مدرج بهذا البرنامج الكبير مع عمالقة الموسيقى وكبارها أمثال بتهوفن وموزارت وشوبان وجون هيورت، ولم اتمكن من وصف شعوري عندما بدأت الفرقة بالعزف ونقرات العود الصغير الذي يحتضنه الاستاذ سلمان شكر بين هذا العدد من العازفين الكبار وقائدهم الذي يهتز منتشياً لهذه النغمات التي تنطلق من هذه الآلة الجميلة وكأن الكرسي لم يسعني ويسع فرحي ويسع فرحي ومن حضر حضر الحفلة الجميلة، كان شعورنا بالفخر والمباهات من خلال العزف وما اعقبه من هتافات الحاضرين والأكف الملتهبة بالتصفيق الحاد وأريج الزهور الذي ملأ المسرح من المعجبين واكبرها حجماً باقة السفارة العراقية في لندن يقدمها سعادة السفير الدكتور وهبي القرغولي الرجل الذي يعشق الموسيقى والمقام العراقي، وعند فترة الاستراحة لم اتمكن من مصافحة الاستاذ سلمان شكر للزحام الذي احاط به الكثير من المعجبين العرب والعراقيين والأجانب الذين استحسنوا العزف وانتضرت طويلاً حتى اعلان الجرس لبدء الفاصل الثاني عندها تمكنت من الوصول والعناق مع الاستاذ سلمان شكر الذي كان يطير من الفرح كما يقال وهكذا كانت ليلة تاريخية في حياة هذا الفنان الذي رحل جسمه عنا وبقيت آثاره ناطقة تشيد بفنه وأعماله الطيبة رحم الله من لبى نداء ربه وأطال الله عمر من بقي من الطيبين والعاملين بصدق وحب لبلدهم.

عن موقع سالم الامير الالكتروني